مبرمجون ضد بعضنا
صولان صالح الصولاني
صولان صالح الصولاني –
• المتأمل والمتفحص جيدا لواقع الحال والوضع السيئ الذي تعيشه أمتنا العربية وما تشهده حاليا من تفتت وتشرذم وانقسام في الصفوف والمواقف يستطيع الخروج بنتيجة مفادها أن عقول أبناء الأمة دخلت هذه الأيام عالم (البرامج والبرمجيات) من أوسع أبوابه حكمها في ذلك حكم أجهزة الكمبيوتر أو أية أجهزة الكترونية أخرى وحتى لا يذهب بكم القصد بعيدا أعزائي القراء ليس معنى ذلك أنها باتت تجيد فنون التصنيع والابتكار لأي من البرامج الالكترونية أو أية برامج أخرى مما توصلت إليه العلوم الحديثة في وقتنا الراهن بل المعنى والمقصود من ذلك أن هذه العقول أصبحت بقدرة قادر مبرمجة آليا على توجهات وأهداف وأفكار ورؤى ومواقف مختلفة بل ومتصادمة مع بعضها البعض بحيث لم يعد بإمكان العقل ممارسة التفكير العقلاني بحرية تامة إزاء الأحداث والمستجدات والصراعات التي تشهدها منطقتنا العربية راهنا ومن ثم التمييز بين الصواب والخطأ والضار والنافع واختيار وبناء المواقف الإيجابية التي تخدم مصالح الأمة وتلم شملها وتجمع كلمتها وأصبح النظر إلى الأمور والمشاكل التي تعاني منها الأمة من منظور ضيق الأفق وإصدار الأحكام الجزافية التي لا يقبلها عقل ولا دين ولا منطق هو ما يميز عقول الناس في دولنا العربية وكل إناء بما فيه ينضح.
ولمعرفة مصادر ونوعية البرامج والأفكار التي أعمت العقول قبل الأبصار فإنها لا تتعدى كونها برامج حزبية لأطراف سياسية مختلفة ومتصارعة في ما بينها دائما مذ عرفها المواطن العربي بسبب الغيرة الشديدة من بعضها البعض على حب الأوطان والشعوب وهذا الحب لا ينطبق عليه المثل الشعبي: (ومن الحب ما قتل) لكونه ممزوجا بخليط من الحب المتجانس (ثروات وكراسي سلطة وجاه ونفوذ) والذي يتماهى مع الذات والأنا الحزبية لدرجة كبيرة من الهوس الذي يقود ويؤدي في الأخير إلى ممارسة وارتكاب جرائم القتل وسفك الدماء بين أبناء الجسد والأمة الواحدة.
أضف إلى ذلك برامج وأفكار لجماعات ومذاهب دينية جميعها حملت وتحمل راية الإسلام دائما وأبدا ولكن اختلافها في فروع الدين بدأ يأخذ شكلا من أشكال العنف والتشدد في المواقف بعد أن كان حتى وقت قريب مضى اختلافا لا يفسد للود قضية.. وصار دعاة وأنصار هذا المذهب أو تلك الجماعة يسرحون ويمرحون في اختلافهم مع بعضهم البعض مذهبيا على قاعدة (من ليس معنا فهو ضدنا) وكأنهم يقودون حربا صليبية دون أن نعرف لذلك الاختلاف سببا حقيقيا من عناوينه البارزة سوى أن كلا الطرفين يزعمان حرصهما على الإسلام.
وما يميز الوضع العام إجمالا بالنسبة لأمتنا العربية في وقتنا الراهن هو أن هناك خليطا من العقول المتحجرة والمتصلبة على مواقف وأفكار متشددة ومختلفة مع بعضها البعض لا تعرف سوى لغة التضاد والتنافر لدرجة أن الكل بات في حالة تأهب بانتظار اطلاق شرارة بدء الحرب الأولى كي ينفجر في الآخر.