الاستحواذ على الوظيفة العامة وغياب ثقافة الاستقالة

د. يحيى بن يحيى المتوكل

 -    ٭ .. سبق أن نشرت صحيفة إيلاف مقالة لي العام الماضي بعنوان "هل تبادر القيادات الإدارية بوضع استقالاتها تحت تصرف رئيس الجمهورية والحكومة¿". وقد كتبت تلك المقالة أثناء
د. يحيى بن يحيى المتوكل –

٭ .. سبق أن نشرت صحيفة إيلاف مقالة لي العام الماضي بعنوان “هل تبادر القيادات الإدارية بوضع استقالاتها تحت تصرف رئيس الجمهورية والحكومة¿”. وقد كتبت تلك المقالة أثناء ما سمي بثورة المؤسسات والمصطنعة من طرفي النزاع حين كان كل طرف يحرض أنصاره ومحازبيه على إثارة الشغب والقلاقل في المؤسسة التي يرأسها مسئول من الطرف المناوئ فحتى هذا التصرف والتعبير الشعبي لم يترك للناس أن يمارسوه باختيارهم وإنما كالعادة يساقوا كالقطيع كيفما وحيثما يريد الراعي.

وقد شكل تمسك القيادات العسكرية والمدنية على حد سواء بمناصبها تحديا خطيرا لما تبقى من دولة واستفزازا كبيرا لأغلب المواطنين رغم أن معظم تلك القيادات قد عاثت ولاثت في تلك المناصب دون حسيب أو رقيب وكأن تلك المناصب كانت حقا شخصيا وملكا خاصا لا ينبغي أن ينازعهم عليها أحد. كما بين هذا الوضع وذلك الحال خاصية من خصائص النظام السابق والذي أراد من خلالها أن يثبت أقدامه في قلب وأطراف السلطة وأن يمهد كذلك من خلال تلك الوظائف والشخصيات لمرحلة التوريث خاصة مع بروز الميل لتعيين شباب يفتقدون للخبرة في مناصب قيادية لارتباطهم بتاريخ آبائهم الذين تحملوا باستحقاق قدرا من السلطة في فترات سابقة.
ويتحمل كل من استمرأ البقاء في تلك المناصب لفترات طويلة جزءا كبيرا من تبعات ذلك الوضع وأيضا المجتمع بشكل عام لسكوته أمام مثل تلك السياسة التمييزية والمخالفة للقواعد القانونية والتنظيمية ولكل الأعراف المؤسساتية وخاصة في جمهوريات تدعي مخالفتها للأنظمة الملكية التي تنحو إلى استمرار الأشخاص وبالذات أفراد الأسر المالكة في مناصبهم لفترات طويلة قد تمتد حتى وفاتهم. ونستطيع من منظور نفساني أن نتبين تعامل أولئك الذين يتصرفون في الوظيفة العامة كملكية خاصة بل وكذلك استغرابهم واستهجانهم توجيه النقد لتلك التصرفات باعتباره تدخلا غير مبرر. فهم لا يرون أنفسهم في غير تلك المناصب ولا حتى يخطر في بالهم أنهم قد يغادروها ويتركوها لغيرهم ما لم يكن إلى منصب أعلى درجة أو أكثر موردا. وربما نستذكر مقولة رائجة لرئيس وزراء يمني سابق أن من لم يحقق الثراء خلال فترة النظام السابق فإنه مغفل ولن يثري أبدا. وينطبق الاستغراب ذاته – مع الفارق – على الأحزاب والتنظيمات السياسية التي انتقلت إليها عدوى وفيروس الاستحواذ والسيطرة لتبقى زعاماتها ثابتة ومستقرة لسنين طويلة بغض النظر عن أدائها سلبا أو إيجابا.
ومن المستغرب اليوم أن دعاة التغيير وبناء يمن جديد ومن ساند الثورة الشبابية المستلبة لا يرون انطباق تلك الدعوات إلا على غيرهم رغم أن بعضهم محنطون في مناصبهم وأضحوا عامل إحباط في المؤسسات التي استحوذوا عليها وكذلك عقبة أمام انطلاق أعمالها بعد طول سبات. ولا أشك البتة أن كل من ينطبق عليه هذا الحال يعرف حق المعرفة أنه قد تجاوز كل المنطق والمعقول في احتلال هذا المنصب أو تلك الوظيفة وسواء كان ذلك عن طريق المعرفة الشخصية أو القرابة.
لقد كانت مناشدتي في مقالتي التي ذكرتها أعلاه تنصب على إعادة النظر في القيادات الأمنية والسياسية التي كانت غارقة في الفساد حتى قمة رأسها وتجاوز التردد في تغييرها واستبدالها بكفاءات مع التنويه إلى ضرورة تجنب تعيين أشخاص متهمين بالفساد أو حتى تدور حولهم شبهاته خاصة في هذه المرحلة الجد حرجة والتي تتطلب من الجميع درجة عالية من المصداقية والابتعاد عن المزايدات السياسية التي ما زالت دندن الطرفين السياسيين الرئيسيين. وفي ذات السياق ولتوقع – كما اعتدنا – تأخير تفعيل قانون التدوير الوظيفي رغم إصدار لائحته التنفيذية فقد اقترحت مبادرة تتبناها الحكومة باعتبارها تمثل الأحزاب السياسية المنطوية تحت المبادرة الخليجية وبدعم من رئيس الجمهورية ومؤدى تلك المبادرة دعوة القيادات الإدارية في كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها والتي تجاوزت فترة خدمتها في ذات المنصب سبع سنوات إلى وضع استقالاتها تحت تصرف رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق. وبالتالي تتيح تلك المبادرة وتساعد رئيس الجمهورية مع حكومة الوفاق على إزالة الاحتقان والتشنجات المبررة منها وغير المبررة فضلا عن إجراء التغييرات اللازمة لتجاوز المرحلة بشكل إيجابي بما في ذلك إعادة تعيين الكفاءات في مناصب أخرى بحسب المعايير المهنية للوظيفة. وأعترف اليوم أن ظني قد خاب وثبت أن الوظيفة العامة بعيدة كل البعد عن التكليف في ثقافة وعرف اليمنيين فهي حق من بلغها لا يمكن له التنازل عنها بسهولة سواء أدى صا

قد يعجبك ايضا