البعد القومي في شعر الزبيري (مقاربة انطباعية )
إبراهيم أحمد ثابت

إبراهيم أحمد ثابت –
لم يكن الشاعر اليمني الكبير والمناضل العظيم محمد الزبيري محصورا بشعره الوطني الذي كرس إبداعه الشعري ووظفه على اليمن وقضيتها من اجل توعية ابنائها نحو تحررهم من الحكم الإمامي الذي جثم على صدور اليمنيين في العصر الحديث فشعر الزبيري لم ينعزل في مجال واحد وهو الوطنية-وإن كان أفرد معظمه لهذا الهم الوطني-لكنه لم يبتعد عن الهم القومي العربي ومجريات الأحداث فيهفقد خصص حيزا كبيرا من شعره وأفرد له قصائدا طويلة يرسم فيها هذا الهم والبعد القومي ويصوره ويقدم حلولا ناجعة لهذا الهم العربي المؤلم من محيطه إلى خليجه.
حينما نقف أمام شعر الزبيري وخصوصا الديوان الموسوم ب (صلاة في الجحيم ) وديوان (ثورة الشعر) نلحظ أن شاعرنا الزبيري يحمل رؤية واسعة وشمولية واسعة تملأ أفق العالم العربي بل قد تمتد لتصل إلى العالم الإسلامي ففي قصائده نلحظ الهم الوطني اليماني والهم القومي العربي والهم الديني الإسلامي فقد واكب كل المتغيرات والأحداث الدائرة في مراحل عمرة النضالية والتاريخية والحافلة بقصائد زعزعت الإمامة وأيقظت روح الأمة والوطن وأحيت الأمل الوطني والعربي في الخروج من عنق الزجاجة التي حوصر فيها منذ أمد طويلوما يؤكد لنا ذلك أن الزبيري لم يبق منعزلا في حياته داخل وطنه الصغير أو مدينته المعشوقه لدية (صنعاء )بل نجده تنقل في مدن وبلدان عربية وإسلاميةفمن صنعاء إلى عدن إلى القاهرة إلى باكستان. فقد تفاعل الزبيري تفاعلا وجدانيا وموضوعيا الأحداث الدائرة في عصره ومجتمعه وظهرت تجلياتها في أدبه .
نجد هذا البعد القومي في قصائده الناضحة بالهم العربي فقد نظم قصائدا في القاهرة كلية دار العلوم سنة1939م حينما كان طالبا فيها هذ القصائد تحمل قضايا عربية قوميةنابعة من روح الشباب المتطلع لبناء وحدة عربية قوية والتواق للحرية والاستقلال من ربقة المستعمر تبدأ نواة هذه الوحدة من تكوين اتحاد الطلاب العرب يقول الزبيري في قصيدته التي ألقاها في حفل تدشين أتحاد الطلاب العرب :
هذي العروبة تلتقي فتلقها
بتحية الاحباب في الاعياد
وعرض بنات الشعر في ايرادها
او فأعفها من سدنة الأبراد
أهلا بروحك يا وئام ومرحبا
بك يا عروبة كلنا لك فادي
سنعد أفئدة لحبك ترتضي
مثواك في الاحشاء والأكباد
واقل جهد من سلالة يعرب
ان يشرحوا للناس معنى الضاد
ففي هذه الأبيات المنتقاة تتجلى روح الزبيري القومية وحبه للعروبة ودفاعها عنها وعن تراثها ولغتها العربية التي هي أحد الروابط لمشتركة بين العرب والإسلام .
إن ما يعزز لدينا الإيمان القوي بقومية الزبيري هو أنه كان مؤمن إيمانا يقينيا بالعروبة ووحدتها وهمها المشترك فنراه يتقاسم الألم العربي ويشارك العرب حزنهم وآلامهم .
فنجده يرسم لنا الهم والألم الذي يعانيه كل قطر عربي على حده الجرح الشامي والاضطراب النجدي والبكاء المصري وغضب أسود الرافدين والشجى الأردني من تدمير المعتدي المستعمر والجرح الفلسطيني الدامي وفيها يقول الزبيري:
سال جرح بالشام واضطربت نجد
وسحت له عيون الكنانة
وتنزى العراق غضبان كالليث
إذ سامه الغبي المهانة
وشجى الاردن المصاب كأنه
قد دمر المعتدي له عمانه
وفلسطين خبأت جرحها الدامي
وهبت لجارها غضبانه
إن الزبيري بشعره قد جسد الحالة العربية التي تمثلت في المآسي والاضطرابات إنه حينما يرسم الألم فهو يسعى إلى تحفيز العرب وإيقاظهم من سباتهم الطويل لكي يستعيدوا المجد والكرامة العربية التي كادت أن تفنى في تلك الفترة والتي ما نزال نعانيها اليوم .
إذا كان الزبيري قد حمل هموم القضية الوطنية الأولى وهي التحرر من الاستبداد والاستعمار في اليمن والنهضة والرقي والتقدم لليمن فإنه لم يتخلى عن قضية العرب الكبرى والهم العربي الكبير ألا وهي قضية فلسطين المغتصبة من قبل الصهاينة فنجد الزبيري يحرض العرب وينشدهم باسم الدين والعروبة من أجل تحرير بيت المقدس التي هي عضو من أعضاء الجسد العربي التي ينهشها السرطان الصهيوني فهو يعاتب العرب على نومهم وتخاذلهم وتشظيهم واختلافهم فيما بينهم وبنادي قادة العرب والإسلام أن يحددوا موقفهم من هذه القضية العربية الإسلامية يقول الزبيري:
ياقادة العرب والإسلام قاطبة
قوموا فقد طال بعد الصبح نومكم
متى يرى الانكليزيون ذمتنا
كذمة حقها ترعى وتحترم
فيا بريطانيا عودي بمخمصة
إن العروبة لاشاء ولا نعم
إن العروبة جسم إن يئن به
عضو تداعت له الأعضاء تنتقم
إن يضطهد بعضه فالكل مضطهد
أو يهتضم جزؤه فالكل مهتضم
ظلمتم العرب للصهيون ويحكم
أين الدهاء وأين العدل والشيم