عزف على أوتار الإبداع

عبدالعزيز الزراعي

عبدالعزيز الزراعي –
بين العشية والصباح
عزف على وتر الجراح
{ بين عشية وصباح عزف الشاعر الكبير فيصل البريهي أوتار جراحه ولكنها عشية ليست ككل العشايا وصباح ربما لم يطل برأسه بعد وعزف ليس ككل العزف إنه ديوان شعري تضمن (30) معزوفة لجراح بحجم وطن امتدت بين عامي 2005 و2011م كما أوحت بها تواريخ القصائد وهي أزمنة الإسقاط على الورق أما أزمنتها المتخثرة في وعي ولا وعي الشاعر فهي ضاربة بجذورها إلى أزمنة سحيقة في الذات والمجتمع.
إذا هكذا يتبدى لنا الديوان كله عزفا بين عشية وصباح ويتبدى لنا نص الغلاف الأخير أنه أيقونة لمحتوى الديوان ومفتاح لأبوابه أو تلخيص له.
إن العشية سفر من آلام الشاعر تتبدى حينا الوطن وحينا العصر الساخر من آدميته وإنسانه إنها رحلة الإنسان إلى الحياة وعنائه ومكابدته من أجل البقاء إنها الشر بكل تجلياته وحتمياته في صراعه مع الخير كقوله صـ7 حيث تواجهنا هذه العشية في كل نص تقريبا : «معزوفة الأحزان» :
ألم تكن قبل انتشار الصخى
نجما يواليه احتشاد الظلم
وافيت أبواب المدى شاعرا
يزري به هم ويؤيه هم
مثل الدجى يم بلا مجر
أو مبحر كالضوء في غير يم
فرد يماني الهوى والأسى
في وجهه من كل طيف علم
أو كقوله في قصيدة «دروب شائكة» صـ114 :
كان يسعى ولم تطقه الدروب
وهو من نفسه إليها يؤوب
كل ما حوله فراغ جريح
نافظ كفه.. وليل كئيب
لا انتهى مغرب به عند فجر
مثلما شمسه احتواها الغروب
غربة كلها حياتي.. ومثلي
موطني كله كوجهي غريب
أو كقوله في قصيدة «تراتيل الصدى» صـ85 :
كم سافر القلب في درب الجمال ولم
يبلغ به السعي نحو المنتهى طرفا
ما زال كالنجم لم يشهد لرحلته
نهاية أو رأى للدرب منتصفا
نامت عيون العشايا فيه وانفتحت
عيناه للسهد ما نام الدجى وغفا
فهل ثمة صباح عاشه الشاعر هل ثمة نهاية لرحلته الليلية¿ أعتقد أن الديوان كان عزفا لهذا الصباح كان بشيرا به كان انتظارا له ولا يزال إنه عزف لجراح مستمرة ما دامت العشية ممتدة يقول الشاعر في قصيدة «يم المخافات» صـ93 :
ولكنني رغم احتراقي ظللت من
وراء الليالي ظامئ الشوق مفلسا
أعلل نفسي بالتمني.. تتوه بي
دهاليز عمري في «لعل وفي عسى»
ويبشر أحيانا بهذا الصباح ويتغلب على انكساره فيقول :
لا يرعكم غيابنا إن رحلنا
سوف نبقى مهما أطلنا الغياب
لم تشخنا شيخوخة الدهر حتى
رغم أنف الردى سنحيا شبابا
وإذا تأملنا الجوانب الفنية لهذا العزف فإن أول ما يتجلى لذائقتنا هو قدرة الشاعر الفائقة في اقتناص الصورة وتطويع اللغة لجعلها ذات أناقة شعرية وانسجام إيقاعي ودلالي خصوصا في قصائده المكتوبة في 2010م فهو حين يرثي والدته في قصيدة «من أقصر الجراح» صـ170 قائلا :
أرضعتني حولين.. لكن الأسى
سيظل مرتضعي عليك ومرضعي
معك الشجون ورحمة الله التي
تغشاك.. والدنيا ووحشتها معي
لا يعول كثيرا على آليات الصورة القديمة كالاستعارة والكناية وغيرها بل يعتمد على تشكيل جديد يبني الصورة من انسجام التركيب وشعرية النحو «كما يسميها جاكبسون» أو شعرية «النظم» عند الجرجاني إن هذا العمل هو استثمار لطاقة التأليف وتجاور الكلمات ومواءمتها وهي مهمة لا يتقنها إلا الشعراء الكبار ومثله أيضا قوله في قصيدة «نحن» صـ126 :
قدري إما أغني أو أئن
كيف أخشى أنني لا أطمئن
ربما أحسنت ظني حيثما
كان أحرى بي بأني لا أظن
للمآسي ألف فنان.. ولي
موطن كل المآسي فيه فن
فلنعش يا موطني موتى كما
شئتنا في الأمس : نحن اليوم نحن
انظر إلى طبيعة التشكيل والدلالة في قوله «نحن اليوم نحن» إنها طريقة جديدة في كتابة الصورة لدى فيصل إنه تشكيل نحوي لا غير لكنه مخصب بالدلالة إنها صورة قائمة على النبر الصوتي والتداول الكلامي ومثل هذا أو يتجاوزه قوله مادحا الأستاذ خالد الرويشان في قصيدة «مملكة الضوء» صـ62 :
ونذرت نفسك للثقافة فاتحا
مدنا لها.. والكون حولك محبط
ها أنت في أقصى اليمين.. وأنت في
أقصى اليسار.. وأنت ذا متوسط
إن الضحى لأشد من أجفانهم
حرصا عليك من الغبار وأحوط
لم يلو خيطا من حبالك مغزل
أو من نسيجك قبل طرز مخيط
صلتك في الأسحار خاشعة المنى
شعرا نوافله أبر وأقسط
هذا هو الخلق الشعري حقا لقد كنا أمنا أن شعر المديح أفل نجمه فيأتي فيصل ليقول لنا : في جعبتي ما يجعل هذا الفن حيا ومدهشا وفي جعبة الخياط منú يستحقون أن نخلق لهم مثل هذه الصور.
ثم أسأل نفسي وأنا أق

قد يعجبك ايضا