أهمية المعرفة في بناء المجتمع

د.محمد علي بركات


د.محمد علي بركات –

بناء مجتمع المعرفة تضعه دول العالم ضمن أولويات خططها ومهامها التي تعدها للمسـتقبل لتخطو نحو التطور والتنمية بخطى ثابته تسـتند إلى أسس معرفية .. وتشييد ذلك البناء يعتمد بشكل أساسي على تميز التعليم العالي المواكب للتطورات العلمية والتكنولوجية .. ولهذا فإن تطلع أي مجتمع إلى التميز المعرفي يرتبط بالاهتمام بمؤسسات التعليم العالي لأن النشاطات التي تقوم بتنفيذها تتضمن إنتاج المعرفة ونشرها وتسهم كذلك في نشـاطات توظيف المعرفة بصورة فاعلة .. حيث تمد نشاطات المؤسسات الأخرى بالجديد من الأفكار وبذوي القدرات من الكوادر المؤهلة .. كما تقوم من خلال اتفاقيات الهدف منها تفعيل دور المعرفة في المجتمع تقوم بتحفيز أعمال وقدرات تلك المؤسسات العلمية ..
ولا شك أن قياس مستوى تميز أي مجتمع عن الآخر يحدد بقدر تميز نشاطاته المعرفية الرئيسية .. وتتمثل تلك النشاطات في توليد المعرفة من خلال البحث والتطوير ونشرها بالتعليم والتدريب وعبر وسائل الإعلام المتعددة .. ثم توظيف المعرفة والتعامل معها في حل قضايا المجتمع والاستفادة منها في الارتقاء بالإنسان وإمكاناته الاجتماعية والمهنية وفي تقديم أحدث المنتجات وكذلك الخدمات الجديدة أو المتجددة ..
وبالنظر إلى تلك النشاطات المعرفية بمنظار التعليم العالي يتضح أن نشاطات البحث العلمي وإنتاج المعرفة ونشاطات التعليم والتدريب ونشر المعرفة تندرجا ضمن جوهر مهمات مؤسسات التعليم العالي بالإضافة إلى أن توظيف المعرفة المتمثل في توظيف ما تقدمه نشاطات البحث العلمي من أفكار جديدة .. وكذا توظيف المهارات المعرفية التي تمثل مخرجات نشاطات التعليم والتدريب شؤون تمثل تفاعل مؤسسات التعليم العالي مع المؤسسات الأخرى بالمجتمع التي تقوم على التوظيف العملي للمعرفة والاستفادة من معطياتها العديدة .. ويظل التميز هو السمة البارزة للمجتمع المعرفي وعند المقارنة بين مجتمع معرفي وآخر فإن الفرق يعتمد على مسـتوى فاعلية النشـاطات المعرفية في كل منهما بصورة حقيقية ..
ويؤكد العديد من العلماء والأكاديميين بأن تحويل المجتمعات العربية إلى مجتمعات معرفة وكذا تغيير الاقتصاد العربي ليكون اقتصاد معرفة يتطلب بلا شك وجود إرادة سياسية عربية .. بحيث تسخر في سبيل تحقيق هذا الهدف كافة الإمكانات المالية والبشرية والمؤسسية .. ويفترض أن يتم ذلك في ظل تصالح راسخ بين الدولة والمجتمع في أي بلد عربي وأساس نجاح هذا الأمر التعاون الكامل بينهما على أن تجرى الاصلاحات السياسية الأساسية ..
ولكي تتضح الصورة لابد أن نشير إلى العوائق التي تقف أمام بناء مجتمع المعرفة وتعود إلى عدد من العوامل وتتمثل في غياب حرية الرأي والتفكير وقمع حرية البحث من قبل بعض قوى المجتمع بمبررات واهية .. والاهتمام غير الأمثل بالتعليم بكافة مراحله سواء التعليم العام أو التعليم العالي وقلة الدارسين بالتخصصات العلمية كالعلوم التطبيقية .. إضافة إلى هيمنة العقلية التلقينية السائدة في مؤسسات التعليم العربية والتي تقوم على الحفظ والاجترار والتكرار .. وتلك أهم العوائق لبناء مجتمع المعرفة الذي يشجع عادة التعلم الذاتي وثقافة السؤال والإبداع والحوار ..
ومن العوائق المهمة أيضا الدعم الضئيل لإنتاج المعرفة في البلاد العربية بينما هذا الإنتاج يحتاج إلى دعم معنوي وإمكانات مالية لا محدودة .. كما يحتاج إلى وجود ثقافة معرفية متميزة في المجتمع تشكل الدعم الفاعل له والتشجيع والمساندة .. وتحترم قدرات التفكير والإبداع والبحث والتأمل وتبرزها بصورة جلية ..
وبالرغم من كل ذلك ستظل المعرفة كما كانت هي المحدد الأساسي لكينونة الإنسان ووجوده النفسي والاجتماعي لكن التطورات الحياتية المتسارعة رفعت من تأثير الفكرة في هذا العصر وجعلتها من أكثر أدوات التغيير قدرة وفعالية .. والحقيقة أن تلك التطورات تشير إلى استمرار التحولات النوعية في كافة المجالات الحياتية للبشرية .. وذلك ما يؤكده الأكاديميون في الوطن العربي والقامات العلمية والثقافية ..
ومن الأهمية بمكان التأكيد على أنه أصبح لمجتمع المعرفة أبعاد مختلفة ومتداخلة وهي أبعاد اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية وثقافية وسياسية .. وهذه الأبعاد لابد أن تستغل بالشكل الأمثل حتى لا يظل العرب على هامش المجتمع الدولي ولذا فمن الضرورة أن تسعى الدول العربية لبناء مجتمع المعرفة العربي وفق خصائص عربية على أن تتم دراسة التجارب الناجحة للدول المتطورة التي أقامت مجتمعاتها المعرفية وفق خصائصها الذاتية .. مع الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى التي أصبحت لديها المعرفة سمة ومقياسا لمعنى القوة والتفوق في صياغة أنماط الحياة وتشكيل الذوق الفني والقيم وضاعفت من سرعة الفتوحات العلمية والإبداعية .. وتلك

قد يعجبك ايضا