الدعاية والدعاية المضادة

دغيلان الشرجبي

 - 
- سلاحها المعنوي الدعاية والدعاية المضادة وليس بالضرورة أن تكون الحيثيات الدعائية حقيقية بقدر ما تتطلب امتلاك طرفي النزاع - أو أحدهما - القدرة على تلفيق أو قلب الحقائق و
د/غيلان الشرجبي –

– سلاحها المعنوي الدعاية والدعاية المضادة وليس بالضرورة أن تكون الحيثيات الدعائية حقيقية بقدر ما تتطلب امتلاك طرفي النزاع – أو أحدهما – القدرة على تلفيق أو قلب الحقائق وآلة إعلامية على الفبركة حتى يمكن “ترويج الشبهات والأكاذيب المضللة” لمخاطبة الجهات المستهدفة التي تستقبل المعلومة الأصح ولو نسبيا خاصة عندما لا يجيد الطرف الآخر دوره المفترض لإيصال الرد السليم لتصويب الإشاعات الكاذبة وبهذا تبدو الجزئىات التي يضفى عليها صيغ كلية قابلة للتصديق استنادا إلى “قانون الاغلاق” في النظرية المجالية لعلم النفس والتي تؤكد قدرة العقل على استكمال الثغرات للمشاهد المنقوصة لنرى الأشياء مكتملة بما في ذلك التعامل مع الأخبار الانتقائية التي تبثه الصورة الكاملة لإرسال معلومة خبرية لا تعبر في الواقع سوى عن نصف الحقيقة وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن معرفة تعرض زعيم لوعكة صحية توظف لإشاعة إصابتة بمرض عضال – وإذا ما استقال مسؤول أشيع أن الوضع على وشك الانهيار ولأن هذه الحقيقة الجزئية متداولة عن طريق التسريب بينما الجهات الرسمية تلوذ بالصمت أو تنفي فإن تطويعها الانتقائي المكثف يكسبها مصداقية وبهذه المبالغة الانتقالية تتحول “الجهة إلى قبة” وكمثال لفاعلية الدعاية في الحرب النفسية فقد أجمع المحللون العسكريون على أن 85% من مسببات هزيمة النازحين في الحرب العالمية الثانية تعود إلى إجادة الحلفاء لاستغلال خطة “إدوالف هتلر” بالانتشار في جبهة قتالية واسعة بهدف السيطرة عليها دون مراعاة صعوبة التواصل بين قياداتها لمواجهة الإشاعات ومن ثم اعتماد سياسة إعلامية مضادة للرد على الإشاعات الملفقة.
والأمر لا يختلف في الصراعات السياسية بل ربما العكس – بدليل الصدمة التي لم تكن متوقعة للسواد الأعظم من اليمنيين عموما لولا اختراق القيادات الانفصالية للجبهة اليمنية الواحدة وبكافة أساليب الحملات التحريضية في غياب التوعية المضادة لتقوية المناعة الوحدوية وحسبي أن نستعرض مفردات الشائعات الانفصالية الواهية بالمقارنة بالحقائق الكفيلة برخص ذلك الخطاب الانفصالي المشبوه- فمثلا:
لقد أدى الصراع على السلطة بعد قيام الوحدة المباركة خاصة بين رأسي الهرم للحزبين الحاكمين إلى تداعيات لاخيار لإيقافها سوى الاحتكام لمنطق القوة.. ولأسباب عدة لعل أهمها تفرد الرجلين بقرار التوحيد دون دمج الجيش وهيكلته وحياديته بحيث يدار بنظام مؤسسي تحل فيه القيادة الجماعية محل الهيمنة الفردية والأمر كذلك بالنسبة للتعامل مع التقاليد الشمولية التي لا تؤمن بالأدوار التكاملية دون تشريعات دستورية لتحديد صلاحيات كل منهما والأمر كذلك فيما يتعلق بتشريعات الفصل بين السلطات وضوابط التجريم لاستغلال المال العام والوظيفة العامة للكسب السياسي فـ”العمل المؤسسي شيء والعمل السياسي شيء آخر” لأن مؤسسات الدولة ملكية عامة بينما الانتماءات السياسية قناعات ذاتية … الخ.. وهكذا.
ورغم ذلك احتفت الجماهير بالمنجز الوحدوي كحق تاريخي عبرت عن مشروعيته بالاحتشاد الشعبي لإسناده ووقف أبناء المحافظات الجنوبية في طليعة المدافعين عنه وبوعي وطني وحدوي لا يقبل التجزئة المناطقية والمشاريع التشطيرية ولو أن السيد علي سالم البيض انتصر للخيار الوحدوي سلما بطلب ضمانات دولية لتنفيذ وثيقة «العهد والاتفاق» أو حتى أعلن الاستعداد لخوض حرب لتصحيح مسار الوحدة للقي دعما جماهيرا لأي من الخيارين في سياقهما الوحدوي وبذلك تسقط أكاذيب احتلال الشمال للجنوب وافتراءات هيمنته المنتصر على المهزوم أمام حقيقة أن النصر سجل لتلك القوى الوحدوية عموما وضد القيادة الانفصالية المنهزمة حصرا.
إن أمراء الحرب دون غيرهم لم يستوعبوا أن الوحدة وغيرها من القيم الإنسانية ليست مجرد شعارات مثالية لذلك أو حتى لهم عقلياتهم المريضة بأن ما حدث ليس أكثر من عملية إحلال وابدال وأن إزاحة الحزب يشرع لهم وراثته – وبهذا توافق الشركاء المتشاركون على نقاسم الغنائم وإشاعة “منطق الفود” بدلا من تقديم نموذج لجدوى البدائل المتوقعة على أنقاض تجاوب مآساوية لصراعات دموية بين أجنحة الحزب المنتهي ولايته.
ولأن المتنفذين أدمنوا “صناعة الأزمات” وليس إدارة الأزمات فذاك شأنهم في إدارة الحكم طيلة العقود المنصرمة وعمموا هذه السياسة المأزومة على الشمال قبل الجنوب.
ولأنهم كذلك فقد تعاملوا مع الاحتجاجات المطلبية بنفس الوتيرة ظنا منهم أن تجربتهم قبل الوحدة ستفرض نفسها لإخماد تلك التحركات السلمية لمطالب مشروعة .. وإلى هنا والأمور منطقية وبحدودها

قد يعجبك ايضا