الخلطة السحرية في التجربة اليمنية

جمال أحمد الظاهري

 - 
بل واندمجنا معها كشعب يلعب نفس لعبتها الهزلية على خشبة مسرح الواقع اليومي .. فحين تقرر الحكومة الرقص نكون سباقين إلى قرع الطبول ونفخ المزامير  وحين تقرر ممارسة التخيير بين
جمال أحمد الظاهري –

بل واندمجنا معها كشعب يلعب نفس لعبتها الهزلية على خشبة مسرح الواقع اليومي .. فحين تقرر الحكومة الرقص نكون سباقين إلى قرع الطبول ونفخ المزامير وحين تقرر ممارسة التخيير بين السيئ والأسوأ يكون الشعب قد سبقها إلى تنفيذ الدور ذاته.
أحداث الواقع اليومي هي من تقول ذلك فهذا البائع لا يغشك في السلعة ولا يخفي عيبها كل شيء بالمكشوف فأنت إن ذهبت إلى السوق وأردت شراء بعض حبات الطماط يعطيك البائع نصفها سليما والنصف الآخر مسوسا دون أن يترك لك خيار انتقاء السلعة السليمة كذلك الحال عند الجزار تطلب منه كيلو من اللحم يعطيك نصفه لحما والنصف الآخر عظما وشحما فإما أن تأخذه كله.. أو تتركه كله.. المهم أنت في هذه الحالة إما أن تقبل بالسائد أو أن تعود الى بيتك دون تبضع .. طبعا السعر محدد ومعلوم ولا يتغير عند البائع سواء كانت سلعته سليمة أو نص نص لأن النص نص عندنا صار هو القاعدة وغيره أمر عرضي .. حكوماتنا هي أيضا كانت قد عودتنا وأرست هذه القاعدة في تعاملاتها معنا كشعب.
طبعا مثل هذه الحكومات) الأوليغاركية (حكومات القلة النافذة لها أساليبها ومختصوها الذين يتفننون في هذا المضمار وهي لا تحتاج إلى فرمانات أو مناد في الأسواق يردد )يا من سمع الظاهرة( ويجمع الناس حوله ومن ثم يوضح القاعدة المتبعة بالسوق ..
النكبة الأكبر التي أوقعنا أنفسنا فيها أننا جميعا ودون استثناء ندرك هذا الأمر وندرك فداحة أضراره وإن كنا لم نعط رأينا فيه قبولا أو رفضا ولكننا اكتفينا بالسكوت وطبعا كما يقول المثل: السكوت علامة الرضى..
وبحكم العادة فإن هذا الأمر صار مألوفا ولا يحرك ساكنا أو يثير استفهاما فحين تقول حكومة القلة من النافذين أصحاب المصالح والمشاريع الربحية الناشئة من رحم حكومات أصحاب رؤوس الأموال مثلا أنها ستوفر الأمن فإن معنى ذلك أنها ستقدم لك بجانب هذه الخدمة أو ضمنها هدية أخرى طبعا (مضروبة) فاسدة من قبيل مصادرة الحريات ¿أو توقف الخدمات والمرافق العامة وهكذا واحدة بواحدة ولا تستغرب إن رافق ذلك زيادة في الأسعار أو تضييق على الحريات الشخصية أو المجتمعية .. وإن قالت أنها ستضبط الاسعار وتتلف السلع الفاسدة فإنه دون شك سيكون بجانبها هدية مفخخة (سنبل) من قبيل اختفاء بعض السلع أو تجارة سوداء موازية أو فقدان الأمن بمعنى آخر تقول لك إما أن ترضى بهذا أو ذاك وأنت في كلتا الحالتين مطالب وملزم بدفع ما عليك كاملا غير منقوصوهكذا دواليك.
مثل هذا النوع من الحكومات التي جعلت شعوبها أشبه بمن يدور في ساقية إن توقف نال منه العطش وإن استمر في الدوران سقى حقول وبساتين غيره.. يلهث وراء العدالة والمساواة والعيش الكريم في ظلها ويلهث بعد زوالها وراء من يطعمه من جوع ويؤمنه من خوف.
كثيرون يستغربون لماذا لم تنح بنا الثورة الربيعية نفس المنحى الذي أخذته في ليبيا أو سوريا مثلا .. أقول لهم الفضل في ذلك لقاعدة )النص نص( أو كما يقولون ثلثين وثلث وبالمصري )شيلني وشيلك( طبعا هذه الخلطة معتمدة عند جميع حكومات وشعوب المنطقة العربية الفارق بيننا وبينهم أننا ألفنا طعم ونكهة هذه الخلطة ومارسناها على بعضنا البعض كل من موقعه وبما يقع تحت يده فيما إخواننا العرب ربما اعتادوها من قبل الحكومات والأنظمة التي تحكمهم ولكنهم لم يعمموها بينهم لهذا ذهبت انتفاضاتهم أو ثوراتهم مذهبا آخر غير مذهبنا الذي قبلنا به.
فمن يا ترى على حق: من رفض المقايضة والنص نص وهذا لي وهذا لك أو ثلثين وثلث وذهب في ثورته حتى النهاية مفضلا أن يأخذ ما هو له كاملا غير منقوص مادام وقد دفع الثمن أم من سار في خط مواز مع نظام وحكومة نصفية مفضلا دفع نصف الثمن وقابلا بسلعة نصفها مغشوش ونصفها الآخر سليم.

قد يعجبك ايضا