وللمفاهيم عواقبها!!
جميل مفرöح
جميل مفرöح –
* الاختلاف رحمة والتعدد ثراء وإثراء والتنوع يخلق مساحات إيجابية واسعة للمفاضلة والاختيار.. التناظر…, التباري… التنافس… المساواة… كل هذه المسميات والمصطلحات وما ينساق في مساقها من معان ومفاهيم ونظريات مركب بعضها حد التعقيد ومتداخل بعضها حد الالتباس… كل ذلك بإجماله وتفاصيله اختصر عندنا في اليمن الذي كل شيء فيه غير في معنى يكاد يكون وحيدا وهو الديمقراطية التي تعني بدورها في فهمنا الاختلاف المطلق أو التعارض الذي لا استثناء ولا تراجع فيه بعيدا كل البعد عن المقاييس الأساسية التي قامت عليها تلك المفاهيم والمصطلحات واتكأت معادلاتها وتأملاتها وطروحاتها هذه على نتاجها المعرفي التأملي الواقعي.. وعلى رأس تلك المقاييس العقل وما يلزم من لوازمه كالتأمل والتدبر والقياس والمطابقة وأشياء كثيرة أخرى..
* فعلا آمنا بالديمقراطية منذ الوهلات الأولى لطرحها مشروعا للحظة المعاشة وهتفنا لها بكل فخر وحماس بل وزايدنا بها على سوانا حتى وجدنا أنفسنا في فترة وجيزة يجتاحنا الروتين والملل ويصيبنا التراخي والسأم لكثرة ما ابتهجنا ولهجنا بهذا الاعتقاد والنهج قبل حتى أن نحاول أن ندرك المعنى الحقيقي لمسماه ولوازمه واشتراطاته.. فانطلقنا نهرول ونلهث نحو الديمقراطية وكأنها معتقد ديني لا يجوز المساس به ولا التحاور والتجادل حوله واكتفينا بتقديسه غائبا حتى عن مفهومنا الاعتيادي واليومي.. وبدأنا نمارس الحياة متكئين عليه في كل التفاصيل والممارسات, وغلبناه أحيانا حتى على المعتقد الديني الذي بدأنا نتفهم إمكانية النقاش والحوار حوله لنزيد معرفة ومن ثم يقينا وإيمانا..
* وهذا التعامل مع المصطلحات والمفاهيم هو ما قادنا ويقودنا من يوم لآخر لانتهاج الممرات الضيقة وغير السالكة والمسدودة, والتي تضعنا بين فترة وأخرى أمام معضلات عويصة ومشكلات معقدة تنعدم في النهاية الحلول المنجية منها.. لقد فهمنا الديمقراطية وكأنها الحرية المطلقة في التصرف والفعل دون استحضار الآخر وإخضاع العلاقة به لمقاييس الطبيعة والتعامل المتعارف عليها فوجدنا أنفسنا نجعل من الديمقراطية جرافة ضخمة يقودها ويسيöر توجهها ضرير ونجاهد ألا تتوقف وألا تضع اعتبارا لما قد يكون في طريقها.. ووجدنا أنفسنا نجرف نهدم ندهس و أيضا نغرق منتحرين في حين نعتقد أننا نؤسöس ونبني ونستشرف ونساهم في بناء وطننا وبناء زمننا وبناء أنفسنا وأجيالنا أيضا..
* وفي مراحل مختلفة وصلنا بالفعل إلى نتائج فعلنا المفهومي الخاطئ وها نحن أيضا نغرق كما يقال في شبر من الماء.. وذلك لأننا نتعامل مع المفاهيم والمعارف تعامل البائع المشتري الأمين المستأمن.. وكأننا نشتري كيسا مغلفا قيل لنا أن فيه شيئا نشعر أننا في أمسö الحاجة إليه مكتفين بذمةö البائعö ووصفهö مع علمنا أن الوصف يتباين في معظمه بين فرد وآخر وليس بالضرورة أن من يصف من وجهة نظره ونظر نفر سواه كمن يصف من وجهة نظرنا ونظر سوانا.. وهكذا نجد أن تعاملنا مع المعارف والمفاهيم ومستوى اهتمامنا بها هو من يوقعنا في طوائل الارتباك واللاجدوى واللا إدراك أيضا.. وجهلنا أو ربما تجاهلنا وما زلنا نتجاهل أن ذلك عيب في حقنا..
* وفي كل حين وظرف يتأكد لنا تدني تعاملنا المعرفي مع المفاهيم والمعاني.. وكيف أننا ونخبنا السياسية والثقافية نتعامل معها بلا مبالاة مطلقة وأحيانا بدهاء ومكر لنصل إلى مآرب خفية لا تكاد تتصل بما تبدو عليه في الظاهر برابط صلة من أي نوع.. وكأننا تعودنا على خداع أنفسنا وآمنا بهذا النهج مسلكا مختصرا نلتوي به على ما نريد ونلوي به ذراع ما نريد..