أحمد السنيدار.. غبت يابدر عنا
د. عبدالرحمن حسن الحرازي
د. عبدالرحمن حسن الحرازي –
أحمد السنيدار فنان يمني كبير ملأ الدنيا طربا راقيا وأبدع أعذب الألحان اليمنية وصدح بأجمل صوت أعادت ألحانه تشكيل الذائقة اليمنية بمختلف مستوياتها.. غنى للحب وللأرض ريفا ومدينة وللوطن والإنسان. غنى لساكني صنعاء وللبن والعنب وأجاد في كل ألحانه العذبة التي تكاد عذوبتها تسيل رقة وحلاوة وأضحت خالدة في ذاكرة اليمنيين ولها حضورها القوي وطعمها المميز.
أحمد السنيدار فنان استثنائي عشق الغناء الصنعاني وأمسك بخيوطه وتفوق فيه وطوره وأحدث فيه ما يشبه المعجزة ولا أظن أي شخص في بلادنا يستمع إلى ألحان السنيدار دون أن تفجر فيه ينابيع الشوق واللهفة وتثير فيه النشوة والبهجة.
أحمد السنيدار هو أهم أركان الفن اليمني بلا منازع.. وفنان مختلف ككل فنان حقيقي أصيل.. تربع على عرش الغناء الصنعاني خاصة واليمني عامة عقودا طويلة وأحدث فيه ثورة فاعلة ومؤثرة.. يصعب أن تطويها المسافات والأزمنة أو تهزها أطنان الغبار والأتربة التي التصقت إجباريا بخلايا الذاكرة وأحدثت فيها دمارا شاملا.
ملأت ألحانه الخالدة جبال ووديان اليمن تحاور الطبيعة وتناجي النسيم والأشواق يرددها الناس صباحا ومساء للتعبير عن أدق المشاعر والوجدان التي تسكن عالمنا الداخلي.. الفنانون الجدد عادة يبدأون مراهقتهم الفنية متسلقين على إبداعات غيرهم من الفنانين الكبار كالسنيدار مثلا بتقليد رخيص يرفضه الذوق والعقل.. ولعل إخفاقاتهم الكثيرة بأداء لحن واحد يقارب ولو جزئيا اللحن الأصلي الجميل يؤكد أن الفرق شاسع والمسافة بعيدة بين الفعل المستعار والحقيقة الخالدة التي تبقى وحدها راسخة في ألقها وتأثيرها.
المؤكد أن السنيدار مدرسة فنية متكاملة.. وفارس متميز أبدع فنا عذبا رفيعا مسكونا بلون الطبيعة لامس الوجدان وانساب إلى أعماق النفس.. وألحانه الرائعة تجاوزت الزمن وامتلكت من التجدد والرسوخ ديمومة تتحدى عوامل النسيان..
أعاد أحمد السنيدا لتراثنا الغنائي شبابه وبهاءه حجز له مكانا فسيحا في إنتاجه الغنائي فطوره وأبدع فيه وأعاد صياغته وقدمه بأسلوب العملاق القدير فنا خالدا يليق بتراث أمة ومكانة وطن وربما لن يجد المتأخرون ما يضيفونه لأن السنيدار فنان لن يتكرر بسهولة.
أحمد السنيدار قامة من قامات الفن اليمني الأصيل وقمة من قمم الابداع أحدث فتحا جديدا في تاريخ الأغنية اليمنية أكسبها الاحترام والقبول.. ألحانه المتميزة تظل ايقونة حياتية مرسومة على جدار الروح.. إنه الفن الحقيقي الذي لن يموت حتى مع ظهور بعض الفنانين محدودي المواهب والقدرات الذين اختطفوا الفن الجميل من أصحابه ويدعون أنهم يخدمون الاغنية وهم للأسف ينسفونها من جذورها ويشوهونها شكلا ومضمونا ورسالة.
لا أعرف عن أحمد السنيدار الكثير سوى أنه كان يعيش خارج اليمن.. ويبدو أنه فضل الغربة الطويلة زاهدا عن الفن والناس معا بعد أن وصل إلى نقطة اللاجدوى.. ربما لأنه اكتشف أن فنه الجميل وأحاسيسه المرهفة لا مكان لها في هذا البلد الذي يعيش أزمات وهموما متلاحقة.. فمن أزمة نظام الحكم إلى أزمة شكل الحكم وأزمة القبيلة وأزمة التطرف والارهاب إلى أزمة الحكام الطاحنة التي أوصلت المحكومين إلى فقر شامل جامع وحولتهم إلى أمة تائهة شاردة الذهن.. متكلسة الأحاسيس جرفت عوامل القهر والفاقة من مساحات القلب كل زوايا التفاؤل وجففت كل ينابيع المشاعر سرق الحزن منهم كل أدوات الفرح.. وأجبرهم على الصياح وترديد الشعارات السياسية التي ليس من بينها الغناء نعم قرر السنيدار أن يرحل تحت وطأة وشراسة الحاضر وقتامة المستقبل محتفظا برصيده الغنائي الضخم لعله يجد في الابتعاد عن وطن الحرائق ما يعطي نفسه السلام تاركا لغيره مواصلة الصياح.
ما يثير الكثير من الدهشة أن الكتابات عن الفنان أحمد السنيدار قليلة ولا تكاد تذكر ونادرا ما تقرأ عنه خبرا في وسائطنا الاعلامية وربما نسيه البعض تماما وسط هذه الضجيج والصخب الذي ملأ حياتنا وحولها إلى نقاط من المآسي والانكسارات.. وفعلا وصلنا إلى مرحلة الانحسار والانطواء في ظل انشغال الناس بتفاصيل الحياة اليومية وأصبح المجتمع مفككا ومنهمكا أسير معادلات سياسية وتحولات صعبة.
ومن المفارقات أن الوسائط الاعلامية الكثيرة والمتنوعة تمتلئ بكتابات كثيرة أيضا وتتناول أدق التفاصيل لشؤون أخرى لا علاقة لها بالفن أو الابداع.
انشغل الناس والكتاب معا بتلك التشوهات والعيوب التي برزت في المجتمع اليمني والعربي أيضا وأظهرت تناقضاته ونقائصه تعرت الحقائق وانكشف الوهم الذي عشناه سنين طويلة.
اليمن للأسف ومنذ البداية تعيش خارج الزمن ولا