ضمانات حرية الفكر
صدام نجيب الشيباني

صدام نجيب الشيباني –
ليس جديدا الحديث عن الحرية في العالم العربي , فقد شهد القرن العشرون جدلا واسعا لتحديد مفهوم الحرية , بعد تبلور فكرة الدولة القومية , على أيدي شخصيات أثارات نقاشات مختلفة في العالم العربي , مع ما كونته من مشاريع فكرية سياسية , وقد رفعت شعارات كثيرة تنادي بحرية الفكر في العالم العربي , منها بلدنا .
لقد تحدث عبد الله العروي عن الحرية في ( مفهوم الحرية ) التي أخذ مفكرو الغرب الوقوف عندها لجعلها لصيقة بالدين المسيحي , وان العالم العربي الإسلامي لا يعرفها خاصة في رده على ستوارت ميل الذي قال بأن الدين الإسلامي هو الذي وضع أسس الاستبداد للعرب , فقد كان رد العروي أن أسس الحرية نابع من المنهل الديني , الذي بدا فتح أبوبه التوجه الصوفي في الفكر , عندما قال الحلاج : ( انا المطلق ) على ان هذه الصيغة هي بوابة الحرية .
ولو نظرنا الى الحرية التي تحدث عنها جون ستيوارت ميل في كتابه ( عن الحرية ) لرأينا أن المقصد الأهم في ذلك هو أن يتخلص الفرد من طغيان القادة السياسيين , وأن يسعى الفرد الى تحقيق سلطته الكاملة , على نفسه بعيدا عن السطوة الاجتماعية , إذ المجتمع هو الذي يصنع بقاءه حسب شروطه الثقافية والفكرية , أيضا لو قارنا ذلك مع ما طرحه سلامة موسى في حرية الفكر وأبطالها عبر التاريخ لظهر لنا جليا الاستبداد العقائدي الذي يتلبس لباس السياسي , في ممارسة الهيمنة , إذ تمارس السلطة الحاكمة سياسيا واجتماعيا ودينيا أنواع القمع والتنكيل بمن يختلف عنها فكريا , ويؤدي ذلك الى إلغائه من خريطة المكان .
والحرية نظريا يمكن حمايتها بوضع القواعد والقوانين والدساتير التي تحافظ على بقائها , ومع ذلك سيكون ما طرح كما في السابق , هو من قبيل زرع مفهوم في واقع عربي مليء بأساليب القمع والاستبداد السياسي والاجتماعي والديني , وهذا ليس جديدا , بل يتناسخ بفعل الزمن .
إن ما يخص بلدنا من الحرية والفكر هو الإيمان بأن التعددية الفكرية والسياسية والثقافية هو الملاذ الوحيد الذي يجنب البلد إراقة الدماء , ويوقف الحروب المستمرة عبر العقود , وإن التعددية لا تقوم إلا إذا تساوت المناهل الفكرية في الحصول على حق إبداء الرأي وفق برامج وآليات انطلقت جميعها من قاعدة معرفية متنوعة , تضمن للمجتمع حرية الاتفاق والاختلاف , مع ما هو كائن او متصور , وأن الاحتيال بالسيطرة على التعددية يلغيها ويلغي معها الحرية الفكرية المقصودة .
لقد اختلفت الأحزاب السياسية اليمنية كثيرا في النظر الى الحرية , اليسار والقوميون والاسلام السياسي , كل يزعم أنه أحق بهذا المفهوم , كلهم مارسوا سلطة القمع ,والاحتيال والتضليل , وصادروا شعارات الحرية التي نادى بها المثقف , أو بالأصح احتالوا على المثقف وسلبوه قدرته على التأثير باسم حرية الممارسة التي أرادوها , وهذا أدى الى ترهل مصطلح الحرية وغياب منطلقاتها الفكرية , وأدخلها مرحلة الشعاراتية , لا أقل ولا أكثر .
إن الحديث عن الحرية معناه الحديث عن المعاناة القادمة , لأن أغلب الممارسات الفكرية اليوم تنذر بأزمة حقيقية , وذلك بتحول الهيمنة الى أطراف فكرية لا تؤمن بالحرية والتعددية , بل هي قائمة على الأحادية , ومع ذلك ترفع شعار الحرية وتصادره في اللحظة نفسها . إن الحرية مرتبطة بتحقيق البرامج الاقتصادية والثقافية , من مبدأ التعدد . إذ يمكن للمرء ان يختار أسلوب الحياة التي يراها مناسبة له , وإذا انعدمت الوفرة الاقتصادية انعدمت أصوات الحرية , ففي مثل هذه الحالة نرى كيف يسلب الناس حريتهم بالولاءات الشخصية الضيقة , أو الأسرية أو العائلية , مستغلين حاجة الناس الى لقمة العيش , كما نرى ذلك في تصرفات مراكز القوى , التي تنادي بالحرية وهي تستعبد الشعب في لقمة العيش .
إن حرية الفكر معقودة بالثقافة , والثقافة مرهونة بقدرة التحولات الاجتماعية على صناعة الحدث الثقافي , الذي يغير قاعدة الثوابت والمتغيرات , في الثقافة , ولأن بلدنا ليس فيها فعل ثقافي مؤسسي , فعال , أو شخصي – نخبوي- نهضوي أصبحت حرية الفكر حلما منشودا , يراوده الشباب الذين أتوا بعد جيل نهاية الأيديولوجيا ,وإذا بهم يشهدون تدافعها بفعل ثورات العالم العربي الأخيرة .
وحرية الفكر ثورة على مراكز القوى التي تتحكم بالثورة , والثروة , وتدمير لعروش الطغيان التي جعلت المواطن اليمني , يعيش غربة في بلده , وفي عزلة عن المنطقة العربية , وثورة على مراكز القوى التي نهبت البلاد , ومقدراتها بإزاحتها من عروشها , وإبراز قدرات الشباب على التفكير في تحديد مصائر البلد .
حرية الفكر ثورة على الجامعات التقليدية التي أخرجت مئات الآلاف من الخريجين الذين بصعوبة يستطيعون قراءة أبجدية الحياة , ثورة على الجهل الممنهج الذي يقدمه أساتذة بشهادات مزورة , لا يجيدون حتى البكاء على أنفسهم , حرية الفكر ثورة التعليم المنتج الذي ي