بين (الموت) و(اللعنة) تضيع الإنسانية
عبدالله حمود الفقيه
عبدالله حمود الفقيه –
أتذكر أني قرأت قبل أيام في حائط أحد الزملاء منشورا ساخرا من أن أحد المفسبكين نشر على الفيس بوك تأييده لمقاطعة المنتجات الأمريكية من تلفون آيفون.
وهذا ذاته ما يتكرر باعثا على الشفقة والسخرية إذ تجد الكثيرين تصحو لديهم الكرامة فجأة وتبرز نخوتهم و(يضرب العرق العربي) والعصبية الدينية فيدعون إلى مقاطعة المنتجات الغربية الكافرة دون أن ينتبهوا أن كل شيء يحيط بهم من الأساسيات والترفيات من صنع الغرب (الكافر) الذي يدعون لمقاطعته ويلعنونه في المنابر والخطب ووسائل الإعلام التي لولاه لما وجدوها.
نستورد من الغرب كل شيء حتى (الملخاخ) نأكل ونشرب ونعيش عالة على الغرب ثم ننادى بمنتهى الغباء بمقاطعة منتجاتهم وكأننا لا ندري أن ذلك يعني أن نعود إلى حياتنا البدائية نركب الحمير ولن نجد الخيول طبعا ولا البغال ونفترش الحصير ونعيش في الظلام ونتخلى عن وسائل الاتصال والتواصل ولا أدري هل سنستطيع صنع السيوف والرماح مجددا أم لا وأكثر من هذا نموت جوعا لأن معظم -إن لم يكن كل – الأغذية نستوردها من الغرب والشرق المنتج كالصين مثلا…. سنعود قرونا إلى الوراء.
أتذكر مرة أنني مررت والزميل عبدالمجيد التركي من السائلة لنجدها قد امتلأت بشعار (الموت لأمريكا) بطريقة مستفزة ولا معقولة وتبعث على الضحك أسى وحزنا فهذا الشعار كتب على جدران السائلة التي لولا أميركا لظلت ممرا للمجاري والبيارات والأوساخ ولا شك في أن الطلاء الذي يستخدمونه في تشويه وجه العاصمة أميركيا بوجه أو بآخر كما قال أحد الأصدقاء في الفيس محقا-. شعارات تنادي بمقاطعتهم في مكان خدمونا كثيرا بإصلاحه وجعله ممرا يخفف عنا الزحمة ومكانا صالحا لاستنشاق هواء نظيف لكن هؤلاء يصرون على تشويهه بطريقة فجة بتلك الشعارات المكثفة التي ترمي الموت واللعنة في وجوه المارة وترسخ هذه المفاهيم في عقول وقلوب الناس.
كم هو محزن أن نتحول – باسم الله والدين- إلى دعاة موت ودمار ونظل نتجول في أروقة اللعنة بينما الناس يبنون حياة أفضل وأجمل وأرحم!
ثم لا أدري كيف لمن شعاره الموت واللعنة وعقله مفخخ بمئات الأفكار الناسفة أن يقنعني أنه يدعو إلى السلام والتعايش والبناء والحق والعدل و.. إلخ¿!
وأنا حين أقول هذا الكلام لا أقصد أبدا أن أميركا والغرب عموما ملائكة وبيدهم الخير كله وأنهم مبرأون من كثير من الدمار الذي يحصل في هذا العالم فمن المعلوم لدى الكثيرين ما فعلته وتفعله وستظل تفعله الأنظمة الرأسمالية من جرائم في حق الشعوب الفقيرة وكيف سعت عبر استراتيجيات الكولونيالية وما بعدها والنظام الاستعماري الجديد إلى تحويل العالم الثالث إلى مستهلك فقط وتنويمه وتخديره ومحاربة كل ما يمكن أن يفضي إلى تقدمه ونهوضه وتغذية الصراعات والتناحرات الدينية والمذهبية والقبلية والمناطقية وغيرها إلخ.
لكننا نكتفي بالصراخ وباللعنة وندعو الله أن يجعل أموالهم ونساءهم وأطفالهم غنيمة للإسلام والمسلمين ولا فرق في ذلك بيننا وبين من قالوا قبلنا: “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” فلم نحاول أن نرقى أولا إلى مرتبة تجعلنا قادرين على التخلص من هيمنتهم ووصايتهم علينا أن نصبح شعوبا منتجة وقادرة على أن تكون قوة تواجه القوى العالمية التي تستبد بالضعفاء والمتسولين والعالة على الآخرين أمثالنا الآن.
الغرب عانى أكثر مما نعانيه الآن طحنته الحروب الدينية والعرقية والمناطقية زمنا طويلا عاش قرونا من الظلم والقهر والجهل والتخلف والتردي .. لكنه حين أراد التحرر من كل ذلك وصل إلى ما وصل إليه ولم يكن ذلك إلا بعد تجارب ومحاولات وتحولات مرت عبر مراحل متعددة قادها رجال فكر وثقافة وعلماء على ضوء استراتيجيات وخطط علمية مدروسة ومقننة ومعظمها تستهدف تغيير الأنساق الثقافية والفكرية القارة في اللاوعي الجمعي ودفع الكثير من المفكرين والعلماء أرواحهم لذلك فلم يصل الغرب إلى ما وصل إليه في يوم وليلة.
ولكي نقول للغرب كف يدك عنا علينا أن نصل أولا إلى ما وصلوا إليه ولن يكون ذلك بالسب والشتم واللعن والتخريب والتدمير بل بالعلم وحفر قبر كبير نرمي فيه الماضي اللعين الذي يجرنا إلى الخلف ويعيق خطواتنا إلى الأمام بنبذ قيم الموت والكره والحقد واللعنة والخلاف والإقصاء والإلغاء والإيمان بوجود الآخر وغرس قيم ثقافة الاختلاف الأخلاقية والموضوعية والمنطقية والثقة بالنفس والتعامل مع الآخر الغربي بما يخدم مصالحنا ويعزز وجودنا وليس بالعداوة و