الإسلام والديمقراطية *

بقلم: عبد الإله إصباح


بقلم: عبد الإله إصباح –

بقلم: عبد الإله إصباح

حظي موضوع الإسلام والديمقراطية بنقاش مستفيض من قبل النخب الفكرية العربية والإسلامية عموما ومن قبل الباحثين الغربيين الذين اهتموا بالإسلام كحضارة وثقافة وذلك منذ اللحظة التي تم فيها الاحتكاك بالغرب كقوى استعمارية أو كآخر متفوق ومختلف.وقد كانت جل هذه النخب الفكرية تتناول هذا الموضوع من منطلق الانبهار بهذا الغرب وبحضارته ومستوى التقدم الذي بلغه وانبهارها هذا دفعها إلى البحث عن العوامل التي مكنته من تحقيق هذا التطور الحضاري المبهر على كافة الأصعدة. وفي غمرة بحثها وانشغالها توقف بعضها عند النظام السياسي الذي يستند إليه كدول وكيانات وراح يجري مقارنات بين هذا النظام السياسي والنظام الذي ساد الدول العربية والإسلامية ومازال يسودها. ومن منطلق الإعجاب بهذا النظام وكذلك الاعتزاز بالذات انصرف بعض من هذه النخبة إلى تأكيد عدم تعارض الإسلام مع أساس هذا النظام مستحضرا في هذا الصدد مفهوم الشورى كمفهوم يطابق وبحيل على مفهوم الديمقراطية باعتباره هو جوهر النظام السياسي للغرب وركيزته.
والإيجابي في هذه المقارنة – بغض النظر عن مدى صحتها- هو النظرة الإيجابية للديمقراطية والموقف المنبهر بها الذي جعلها تبدو كقيمة وكهدف أسمى يتم التطلع إليه والسعي إلى تحقيقه على أرض الواقع. فإذا كانت الديمقراطية تقوم على الاختيار الحر للشعب في تحديد من يتولى تدبير مصيره فإن جزءا من النخبة العربية والإسلامية اعتبر أن الشورى هي بدورها تقوم على هذا الأساس وقد كان هذا الأمر في حد ذاته إيجابيا لأنه ساعد على ترسيخ مبدأ الاختيار الحر للشعب وجعل الإسلام لا يعارض مبدأ الديمقراطية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحقبة التي عرفت رواج هذه الفكرة هي حقبة اتسمت بمناخ عام من الإعجاب بالغرب والتطلع إليه تجسد في كتابات تعكس هذا الانبهار مثلما هو الحال في كتابات رفاعة الطهطاوي إنها الحقبة التي تم توصيفها من قبل البعض بحقبة النهضة المجهضة. وقد بدأت تروج في هذه الفترة مفاهيم أخرى معززة لفكرة الديمقراطية ومنها خاصة مفهوم الدستور بل تقدمت بعض النخب في أقطار عربية وإسلامية بمطالب في هذا المجال وبلورت مشاريع دستورية تقدمت بها إلى السلطات الحاكمة وكان مطلب الديمقراطية هو المحرك لها والباعث عليها ولم تكن هذه النخب تحس تعارضا ما بين مطلبها هذا وبين الإسلام كعقيدة. وكانت الأصوات التي تقول بهذا التعارض لا تزال قليلة وهامشية ودون تأثير يذكر.
وفي سبيل الانتصار لمبدأ الديمقراطية وتأكيد عدم تعارضها مع الإسلام وقطع الطريق على كل المحاولات التي استهدفت التبشير بأفكار مناوئة للنظام الديمقراطي خاضت النخب التنويرية معارك فكرية على جبهات متعددة اتسمت بوقعها الصادم الذي أحدث رجة في الوعي السائد وخلخل حالة اليقين التي كانت متمكنة من العقول إزاء وقائع وأحداث ومفاهيم مرتبطة بحقب من التاريخ الإسلامي.

الإسلام ونظام الخلافة
من أجل بناء علاقة إيجابية بين الإسلام والديمقراطية في وعي الشعب انتبه المثقف التنويري إلى ضرورة تحييد كل مفهوم قد يشوش على بناء هذه العلاقة ويكون عائقا أمام استنبات وترسيخ الوعي بضرورة الديمقراطية في كل سعي إلى التطور والتقدم. وكانت فكرة الخلافة من المفاهيم التي يتم الاستناد إليها في رفض المطالب المتطلعة إلى بناء نظام ديمقراطي باعتبار أن الخلافة تمثل جوهر الإسلام فيما يخص مسألة نظام الحكم وأن كل نظام يتعارض معها هو نظام يتعارض بالتالي مع الإسلام. تأمل المثقف التنويري في تاريخ نظام الخلافة هذا فوجده يتعارض كليا مع النظام الديمقراطي ومن ثم كان سعيه إلى إثبات أن نظام الخلافة لا يمثل الإسلام ولا علاقة له به إذ لم يكن هدف الإسلام ترسيخ نظرية في الحكم لأنه كان دعوة دينية وليس دعوة سياسية. وأن النظام الذي ترسخ بعد وفاة النبي على يد الخلفاء الراشدين كان نظام سياسيا قام على القوة والغلبة. وحروب الردة التي قادها أبو بكر كانت حروبا سياسية لغايات سياسية بغطاء ديني. بل اعتبر المثقف التنويري أن الفتوحات الإسلامية كانت مجرد استعمار توسل بالجيوش والقوة والإجبار ومكن العرب من بسط سيطرتهم على الشعوب الأخرى والهيمنة عليها كما تفعل كل الأمم القوية على مر التاريخ. كان المثقف التنويري الذي يمثله ويجسده هنا الشيخ علي عبد الرازق محكوما بهاجس قطع الصلة نهائيا بين الإسلام ونظام الخلافة العتيق الذي يكرس الاستبداد ويصادر حق الشعب في تقرير مصيره السياسي عبر الاختيار الحر لمن يدبر شؤونه في هذا المجال. ولذلك كانت خلاصته في كتابه المعروف “الإسلام وأصول الحكم” هي أن : لا شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلوا واستكانوا إليه وأن يبنو

قد يعجبك ايضا