بعيدا عن شمال الجنوب.. جنوب الشمال!
–
عادل عبدالإله العصار
> في الشمال السياسي كان الجميع وحدويين حتى النخاع وفي الجنوب السياسي كان نظراؤهم كذلك وحدويين حتى الثمالة.. وشمال الجنوب جنوب الشمال كان حرس الحدود يبنون المتاريس ويحفرون الخنادق ويشحذون الأسلاك وينصبون البراميل ويلمعونها كل صباح…
في جنوب الشمال كان السيف الوطني الغيور يعانق العالقين بين دولتين ويذبح الأحلام من وريد التاريخ إلى وريد الجغرافيا.. وفي شمال الجنوب كان الخنجر الأممي الرحيم يصادر الحياة ويدمي القلوب ويجبز العقول على الإيمان باتساع الوطن شرقا وإلى الشرق يجب أن تسير الخطى وتتجه الأحلام..
وحدويون كانوا جميعا وحالمون كانوا جميعا.. نظام الشمال ونظام الجنوب.. مسؤولو الشمال ومسؤولو الجنوب ولأنهم كانوا كذلك ظل الوطن كذلك وظلت الخارطة كذلك والحدود..ظل الوطن بلا وطن والوحدة بلا وحدة.. وظلت الخنادق والمتاريس وفوهات البنادق تتراشق ورود الرصاص وتتهادى الجروح والآلام والدماء والدموع..
ولأنهم كانوا جميعا وحدويون كان كل ظرف منهم يتطلع لهزيمة واحتلال وإلغاء الآخر وإضعاف نفوذه والسيطرة على أكبر قدر من الوطن والمواطنين..
وحدويون كانوا جميعا ومن أجل الوحدة حمل الجنوب نصف الهوية ونصف الخارطة وذهب بعيدا نحو الشرق وحمل الشمال نصف الهوية ونصف الخارطة وذهب بعيدا نحو الغرب ليعودوا جمعيا بالقليل من الوحدة والكثير من التشطير والكثير من السلاح والمزيد من المسافات والحدود والخنادق واللاءات..
في شمال الجنوب جنوب الشمال اندلعت الحرب وعلاصوت الرصاص حتى مزق مشاريع الحلم بالوطن الكبير في كل قلب وعلى سارية العلم المنتظر صلبت الأحلام والتطلعات وبعيدا في طرابلس ليبيا جلس قادة الشمال الوحدويين مع قادة الجنوب الأكثر وحدوية حول طاولة المفاوضات لمناقشة المشروع الوحدوي الذي تسحقه جنازير دباباتهم في الوطن الذبيح..
من أجل الوحدة التقوا وظلوا يلتقون ومن أجل الوحدة كان كل طرف يتهم الطرف الآخر باحتلال مساحة ضغيرة أو قرية من قراه ويطالبه بسرعة الانسحاب..
الجنوبيون يحتلون قعطبة الشمالية.. الشماليون يحتلون كمران الجنوبية..!!
هكذا كان لسان حال زعماء وساسة التشطير الذين استطاعوا في أقل من خمسة عشر عاما- تحقيق ما لم يستطع تحقيقه الانجليز والعثمانيون والأئمة والسلاطين خلال مائة وخمسين عاما ظل اليمنيون فيها وخلالها شعبا واحدا وظلت اليمن موحدة الهوية والتاريخ والجغرافيا..
صنعوا مالم يصنعه الاحتلال لكننا كنا ومازلنا لانستطيع إلا أن نلعن الاحتلال ونتهم الاحتلال والأئمة والسلاطين بارتكاب جريمة التشطير ونتغنى بالثورة التي لم نحترم مبادئها وشهداءها وجسدنا أهدافها بجمهوريتين ونظامين يتقاسمان الشعب والخارطة والهوية ويحرص القادة فيهما على غرس ثقافة الحدود والبراميل ويجتهدون في سن القوانين والأنطمة الشطرية ويتفننون في استحداث وابتكار وسائل حمايتها لدرجة التفنن في ملاحقة البسطاء والحالمين واعتبار كل فل فكرة أو حلم أو رأي يخالفهم جريمة يعاقب عليها القانون وخيانة وطنية لا تغتفر..
كم نحن اليوم في حاجة لقراءة التاريخ السياسي والاجتماعي ومناقشته بموضوعية ومهنية علمية وليس يمزاجية سياسية ومراجعة وفهم ما شهدته اليمن من أحداث ومتغيرات على الأقل خلال النصف الثاني من القرن الماضي وإذا ما فعلنا ذلك فسندرك حجم وكارثية ما خلفته عشوائية السياسات ومزاجية المواقف وانعكاساتها السلبية التي نعاني منها اليوم على المستوى السياسي والثقاف