هل يتم انتهاز الفرصة النادرة ¿

د. محمد جابر الأنصاري *


د. محمد جابر الأنصاري * –
د. محمد جابر الأنصاري *
إنه زمن التوافق والتصالح. هذا ما تؤكده الأوضاع السياسية في مصر أكبر بلد عربي والبلد القائد والرائد في عموم المنطقة العربية.

صحيح أن “الإخوان” ظلوا لعقود يناضلون من أجل الاعتراف بهم وبحقهم. ولكن من حيث الواقعية السياسية التي ينبغي أن يتحلى بها “الإسلاميون” هناك الجيش وهناك قرابة نصف المصريين الذين شاركوا في الانتخابات لهم موقف آخر وهنالك نسبة كبيرة من الناخبين لم تشارك وهنالك المجتمع الدولي بمختلف مكوناته الذي يراقب الأوضاع المصرية ويراهن على نجاح الإسلاميين المعتدلين.

وإنها لفرصة تاريخية فاصلة إذا استطاع الطرفان: القوى المدنية والقوى الدينية تجنب المواجهة بينهما التي بدأت تلوح في الأفق والتوافق حول صيغة مشتركة جامعة تجمع الطرفين ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي والإسلامي كله كما عبر عن ذلك المشير طنطاوي بإشارته إلى “وسطية” الإسلام.

ويبدو أن الرئيس المنتخب د. محمد مرسي ليس بعيدا في مواقفه وتصريحاته عن هذا التوجه.. ونرجو أن يبقى على هذا التوجه السليم.. وأن يكون قائده ورمزه وإذا أمكن التحرر من الماضي والنظر إلى المستقبل المشترك كان ذلك أمل الجميع.

لقد تم فرض “العلمانية السافرة” على المسلمين جميعا بسبب قوة أوروبا العلمانية في ذلك الوقت وأيضا بسبب ضعف السلاطين العثمانيين في عهودهم الأخيرة وهو ما يمر به “الاسلاميون المتأدلجون” مرور الكرام وينسب الأمر إلى “خيانة” العرب الذين تعرضت أوطانهم للتقسيم والتجزئة بين الدول الاستعمارية بسبب ضعف “القيادة” التي كانت تجمعهم وتحميهم حيث كانت “المسألة الشرقية” مصدر اهتمام الغرب الاستعماري وكل بلد غربي ينتظر حصته التي يريدها من تلك التركة العثمانية.

وإذا كانت تركيا الجديدة قد عادت إلى عالمها الإسلامي فعلى الرحب والسعة ولكن علينا أن نفهم التاريخ كما وقع فعلا وهو أن أتاتورك قد فرض العلمانية بدعم أوروبي على مجتمع مسلم بالإكراه.. وثمة إشارات في تركيا إلى هذه الظاهرة وإن لم تكن “رسمية” وفي البلاد العربية كلها- إبان القوة الأوروبية تم الأخذ المتدرج بالمفاهيم الأوروبية وكان أمل “المصلحين” في الشرق اللحاق “بالتقدم” الأوروبي كما كان طه حسين يعبر عن ذلك في ثقافتنا العربية.

وبالنظر للموقف الفكري الخاطئ الذي وقفته أيديولوجيات الخمسينات من الإسلام بالفصل التام بين الإسلام والحياة وحصره في أضيق نطاق اتخذت التيارات الفكرية الدينية المحدثة موقفا أشد خطأ من ذلك الموقف بتأكيدها المغالي على الشمولية في الإسلام بما يجعل منه نظاما شموليا وفكرا شموليا هو براء منه. في الإسلام شمول سمح خاضع لموازين دقيقة في التمييز بين المتباينات لكنه يأبى الشمولية ويحاربها ونخطئ إذا وصمناه بالشمولية المطلقة لأن ذلك يجعل منه نظاما منغلقا أمام تجارب البشر التي استوعبها بكل رحابة صدر في عصور ازدهاره.

ليس في الإسلام شمولية اعتباطية لا تفرق بين مظهر وجوهر وبين شهادة وغيب وبين دنيا وآخرة “وكل شيء عنده بمقدار.. عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال” “سورة الرعد: 8- 9”. ونرى هذا التمييز بين مستويات الإيمان “والكفر” في صلب العقيدة الإسلامية كما حددها القرآن الكريم: “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء” “سورة النساء الآية 48”. ويعود القرآن الكريم ليؤكد على هذا المعنى بالألفاظ ذاتها “سورة النساء الآية 116”.

فنلاحظ في هذا النص القرآني التمييز بين الشرك “وما دونه” من اعتقادات خاطئة. والتعبير “ما دون ذلك” تصريح بوجود مستويات لا بد من التمييز بينها في صميم العقيدة وإنه لا خلط في الإسلام بين مستوى وآخر: “والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان” “سورة الرحمن الآيات 7- 9”.

ومن نافلة القول الإشارة إلى أن “الميزان” في هذه الآيات القرآنية ليس ميزان البيع والشراء فحسب وإنما هو ميزان الوجود والتعادل الكوني كله. وإذا كان الله سبحانه قد وضع لخلقه ميزانا بمثل هذه الدقة والتعادل أفيجوز في شرعه أن يطغى دين على دولة أو غيب على شهادة¿ أو إيمان على عقل¿ أليس من واجب المسلمين قبل غيرهم إقامة الميزان بالقسط في شؤون دنياهم وآخرتهم ودينهم وسياستهم¿ وتنبيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للمسلمين: “أنتم أعلم بشؤون دنياكم” يمثل معلما من المعالم الفاصلة بهذا الصدد لا يمكن القفز عليه أو إسقاطه بين دنيا وآخرة.

فإشارته عليه الصلاة والسلام إلى “دنياكم” تمييز لها عن الآخرة التي هي من عالم الغيب بينما الدنيا من عالم الشهادة الذي “يشهده” الوعي الإنساني ويلم بأسسه. ومن

قد يعجبك ايضا