إصلاح التعليم
عبدالفتاح علي البنوس
عبدالفتاح علي البنوس –
لا يختلف اثنان على أن العملية التعليمية والتربوية في بلادنا شهدت انتكاسة مدوية عقب قرار يمننة التعليم والاستغناء عن خدمات المعلمين العرب بصورة كلية فالقرار وإن كان في حد ذاته خاطئا بالكلية إلا أنه كان بالإمكان إخضاعه للدراسة والعمل على جدولة عملية الاستغناء عن المدرسين العرب عبر مراحل لضمان عدم انهيار المنظومة الرائدة للعملية التعليمية التي كانت قائمة وخلال هذه المراحل يتم تدريب وتأهيل الكوادر اليمنية وتزويدها بالمهارات المعرفية والأساليب التربوية السليمة لضمان مخرجات تعليمية متميزة مع الأخ بعين الاعتبار الاستفادة من خبرات المعلمين العرب ولكننا تعودنا على القرارات الارتجالية والعاطفية غير خاضعة للدراسة والتي في الغالب ما نتخذها عقب انجلاء طقوس الساعة السليمانية التي تتبدى أثناء الإغراق في مداعبة أغصان القات ولا أشك قيد أنملة بأن قرار يمننة التعليم اتخذ عقب «بذل القات» من قبل الحكومة ونتيجة لذلك وصل حال التعليم في بلادنا اليوم إلى مستوى مزر جدا إذ يجد الواحد منا أنه من المستحيل أن يصف ما يحصل في مدارسنا بأنها عملية تعليمية قياسا بالمخرجات التي تتحفنا بها.
ففي الوقت الذي كنا نعاني فيه من الأمية المنتشرة في أوساط المجتمع إذا بنا اليوم نعاني من أمية التعليم وهذه حقيقة أفرزتها السياسة التعليمية التي تعتمد على القرارات العشوائية والارتجالية فنجد المناهج الدراسية العقيمة التي لا تتناسب مع مستويات الطلاب علاوة على مضامينها غير المفيدة والتي لا تخدم الطالب في حياته العملية والمهنية لاحقا فتحولت المناهج إلى لوحات إعلانية لعرض الصور والأشكال والمجسمات بعد أن تم إفراغ المناهج السابقة من محتواها وزاد الطين بلة اعتماد وزارة التربية والتعليم على نظام الجزأين للعام الدراسي الواحد بحيث لا يلزم الطالب بمراجعة الجزء الأول عقب انتهاء امتحانات النصف الأول وهو ما أثر سلبا على مستوى التحصيل العلمي ولا أخفيكم أنني لمست حالة تذمر واسعة في أوساط الكثير من المدرسين على خلفية صعوبة المنهج الجديد وعدم استيعابهم للأساليب والطرق التي اعتمد عليها علاوة على انتقادات لاذعة من قبل العديد من الموجهين والمختصين للمناهج الحالية التي اهتم القائمون عليها بالمظهر الخارجي وأغفلوا جوهرها ومضمونها الداخلي ولا أعلم هنا ما هي المعايير التي اعتمدت عليها وزارة التربية والتعليم عند إقرار وطباعة هذه المناهج وخصوصا أن التقارير الميدانية المتعلقة بالمستويات التعليمية تشير وبوضوح إلى تراجع مخيف للعملية التعليمية وتدني مستوى التحصيل العلمي بشكل ملحوظ ويكفينا إن أردنا وضع النقاط على الحروف وقراءة واقع التعليم في بلادنا أن نقف أمام حقائق مرة ومؤلمة مرتبطة بالجانب التربوي ومنها أن نسبة هائلة من المعلمين العاملين في الميدان غير مؤهلين للقيام بالتدريس نظرا لهشاشة التعليم الجامعي وغياب التدريب والتأهيل للمعلمين ولذلك لا غرابة أن نجد من حملة الشهادات الجامعية من لا يستطيعون القراءة والكتابة بطريقة صحيحة وهناك من حملة الشهادة الثانوية من يجدون صعوبة بالغة في كتابة حروف الهجاء وما خفي كان أعظم وكل ذلك والحكومة تتحدث عن إنجازات في مجال التربية والتعليم والتي هي عبارة عن التوسع في بناء المدارس وكأن البلاد ناقصة مدارس وهو أمر يثير السخرية والاستهجان لأن وضع التعليم في اليمن بحاجة إلى إصلاحات جذرية تقوم على دراسات ميدانية من وسط الحقل التربوي يتم من خلالها ملامسة المشكلة بكل أبعادها وسرد الحلول والمعالجات الناجعة لها العملية التعليمية لا تحتاج إلى مبان ومنشآت جديدة بدرجة أساسية وإنما هي بحاجة إلى إعادة النظر في المناهج الحالية والأخذ بتوصيات وتقارير الموجهين والمختصين في هذا الجانب لأن المناهج الحالية تقود إلى بناء جيل جاهل متخلف كما أنها بحاجة إلى بيئة تعليمية مشجعة ومحفزة بيئة تتوفر فيها مقومات العملية التعليمية النموذجية ابتداء بالمعلم المؤهل القادر على العطاء مرورا بالمستلزمات والوسائل التعليمية وصولا إلى وجود الإدارة المدرسية الحازمة.
إن مخرجات المدارس والجامعات في بلادنا هي أكبر شاهد إثبات على اضمحلال العملية التعليمية والتربوية ولعل غياب المعالجات السليمة التي من شأنها تقويم الاعوجاج الحاصل هو ما أدى إلى استمرار هذا التدهور وتراجع مستوى التحصيل العلمي والمعرفي لدى نسبة كبيرة من الطلاب والطالبات وحتى اللحظة ما تزال وزارة التربية والتعليم غير مستوعبة للوضع التعليمي القائم وتظن أن مساحيق التجميل التي تستخدمها قد تغير شيئا من هذا الوضع المزري وهي لا تدرك بأن أهمية التعليم تحتم عليها التخلي عن الغرور والعناد والقرارات المزاجية والعمل على الانصياع للحقيقة التي تخدم المصلحة العامة للبلاد والعباد والبداية تكون بانتهاج سياسة تعليمية حديثة ومتطورة تمتلك ك