الحكمة والحوار طريقنا إلى حاضر مستقر ومستقبل آمن
علي عباس الأشموري
علي عباس الأشموري –
تظل الحكمة اليمانية صفة تفرد بها اليمنيون عبر التاريخ – وهبة من الله تعالى – أخبرنا بها القرآن في قصة النبي سليمان «عليه السلام» ووصفنا بها النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وبذا تحولت الهوية اليمنية «مضافا إليه» للحكمة كوسام شرف تقلده اليمنيون منذ القرن العاشر قبل الميلاد بنص الآية القرآنية على لسان الملكة بلقيس «يا أيها الملأ أفتوني في أمري.. إلخ الآية» والملأ هنا هم مجلس الأقيال «عددهم ثمانون» كان يختص بتعيين الملكة ويعمل كمجلس شورى لها ولقد مثل النداء دعوة للحوار والتشاور للرد على رسالة النبي سليمان عليه السلام وبمواجهة خطر قادم باتخاذ قرار جماعي في هذا الشأن.
ولما كان الحوار هو النهج الذي تم على أساسه تجنيب البلاد فساد الملوك وحماية أعزة أهلها «بنص القرآن» في معادلة انتصر فيها صوت العقل على القوة والبأس الشديد المحفوف بمخاطر الهزيمة والإذلال لذا فإن الحوار هو الحكمة الذي انتهجه اليمنيون والذي كان من أهم عوامل النصر والثبات وتجاوز الأزمات عبر التاريخ مرورا بالملك سيف بن ذي يزن وموقف اليمنيين من كنيسة أبرهة الحبشي فالإسلام برسالة مناصرة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ودخولهم في دين الله أفواجا وحتى تاريخنا الحديث والمعاصر كسلسلة مترابطة حلقاتها.. لقد انتصر اليمنيون في 26 سبتمبر 1962م على الإمامة تجاوزوا حصار صنعاء.. وانتصر اليمنيون في ثورة 14 أكتوبر 1963 على المستعمر البريطاني واستمر النضال حتى الجلاء في 1967 ..
وعليه فإن مستقبل اليمن الحقيقي ومن خلال التجارب السابقة لم يحققه حزب أو تنظيم سياسي معين أو شخص بذاته بل حققته فئات الشعب كافة وفي إطار جماعي مبني على الحوار والنضال الشعبي ولقد رأينا كم كان الشعب اليمني عظيما عندما حقق وحدته عام 1990م في زمن الفرقة والشتات العربي.. وبإجماع رسمي وشعبي أذهل العالم بتحقيق هذا المنجز العظيم.
وبرغم أن الأوضاع التي آل إليها الوطن خلال عام مضى قد مثلت محكا واختبارا للحكمة اليمانية في معادلة متجددة انتصر فيها اليمنيون وضربوا مثلا رائعا ونموذجا فريدا في اتفاقهم على مبادرة الأشقاء الخليجيين كمخرج آمن لانتقال السلطة سلميا من السلف إلى الخلف وقد دشن اليمنيون هذا الانتصار باختيارهم لقيادتهم الجديدة يوم 21 /فبراير الماضي بانتخابات حرة ونزيهة وتدافعوا بجموع مليونية شهد لها العالم كانت أصواتهم ثقة للمشير عبدربه منصور هادي ورغبة في إنهاء الأزمة وفي إطار الحكمة أيضا والفخر بالديمقراطية ومن أجل تثبيت دعائم الديمقراطية كخيار وحيد انتهجه شعبنا وناضل من أجله على مدى عقود من الزمن أقيم حفل لتوديع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتنصيب الرئيس الجديد كسابقة ديمقراطية فريدة في المنطقة العربية غير أن حكمة الاتفاق والوصول معا إلى الوضع الآمن والقيادة الجديدة ليس نهاية للأزمة وإنما كان بداية للحل وهذا يقتضي أن نبادر بالحوار الأخوي البناء وطريقنا إلى ذلك العقل السليم والضمير الوطني المتفهم وأن نقبل بالجلوس على طاولة الحوار كعملية ضرورية لتشخيص كل التحديات التي تواجه الوطن وبرؤية وطنية كفيلة بتقريب المسافات بين كل من فرقتهم حروب السياسة ومسالك الحزبية والتعصبات المذهبية.. وإعادتهم بمودة ورضا إلى جادة الصواب وكلمة سواء نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى.
إن شفافية الحوار المبني على قاعدة التسامح والإخاء والبناء وإقفال دفاتر الماضي تعكس الحب الصادق للوطن وتبني جسور الثقة المتبادلة والتلاحم المصيري وهي مجموع قوة المرحلة الجديدة التي تنطلق برؤية مستقبلية مبنية على حسن النوايا والمضي قولا وعملا إلى بناء اليمن الجديد.
وبما أن الهدف من الحوار هو مناقشة قضية الوطن فإن هذا يستدعي إشراك جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية وإشراك الشباب والحراك الجنوبي والحوثيين ومنظمات المجتمع المدني وجميع شرائح المجتمع اليمني دون استثناء لأن توسيع المشاركة يعد ضمانة مستقبلية للتوافق الوطني كمرتكز أساسي تلح عليه جميع القوى الإقليمية والدولية من أشقاء وأصدقاء وخطوة مشجعة على طريق تحقيق الأمن والاستقرار.. وإزالة المظاهر المسلحة.. وإنهاء التوتر السياسي والانقسام العسكري ولضمان نجاح مؤتمر أصدقاء اليمن المزمع عقده في الرياض..
ومن المهم أن نعرف أن الوقت عامل مهم لإنجاح أي اتفاق سياسي واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.. واقتناص الفرصة المناسبة لتحقيق الأهداف.. ولهذا فإن الشباب هم القلب النابض للوطن وجزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي لذا يجب عليهم اختيار الوسيلة المناسبة لتمثيل أنفسهم سياسيا وتقديم رؤيتهم في كافة القضايا المطروحة ونأمل من حكومة الوفاق الوطني وفخامة الرئيس الإنصات إلى مطالب الشباب وتفهم مشكلاتهم والعمل على تح