حديث »الألم والرصاص«

خالد الصعفاني


 - .. قمت البارحة بعمل لم يسبق أن خططت له أو فكرت فيه من قبل, ولم يكن ذلك إلا نتاج  لقاح اصطناعي بين فضول الطفل وعمق المتأمل فكانت الخلاصة جديرة بالاهتمام عندي وأحببت أن لا أحرم القارئ منها ..
خالد الصعفاني –

قمت البارحة بعمل لم يسبق أن خططت له أو فكرت فيه من قبل, ولم يكن ذلك إلا نتاج لقاح اصطناعي بين فضول الطفل وعمق المتأمل فكانت الخلاصة جديرة بالاهتمام عندي وأحببت أن لا أحرم القارئ منها ..
.. انتهيت من جولتي بجوار سور حديقة الثورة المقابل لوزارة الداخلية وجدران الوزارة نفسها حيث شهدت الحصبة وصوفان الحرب الضروس داخل مدينة سام صنعاء .. أما الانطباعات فكارثية وكانت تتزاحم في رأسي على طريقة تسابق سمك السلمون في هجرتها لأعلى النهر حتى ومجاميع الدببة تنتظر لها بأمل وثقة عند حافة كل منحدر ..
.. تأملت في بقايا وآثار الطلقات النارية فوجدت حديدا و»حجر وقيص « تأثر بضربات الرصاص وتلقت هذه على تلك ضربات منوعة بين صغير بقطر سنتيمتر وأخرى تكبر عنها أربع أو خمس مرات .. وحينها قلت يا لطيف ألطف , هذا الحديد وهذا الحجر يشكوان فكيف سيكون الحال لو « حنبت « تلك الطلقات في رأس أو عظام أحدهم من المحتربين حينها أو المفارعين أو حتى الذين يدبون على الأرض طلبا للرزق ..!!
.. جدران تأثرت وتكسرت و» مونة « اخترقت الحجر والبشر وشظايا متناثرة شهدت على حماقة اليمني وتعاسة اليمني وغياب الحكمة عن بعض أهل الحكمة .. تراشقوا الموت بطريقة الفراشات وهي تجري مسرعة للنار .. وضحايا ذهبوا « بلاش « ليس من أجل الوطن ولكن ضده ..
.. أبدع البناة في جدران وزارة الداخلية ورص سور الحديقة ونمت الأشجار فارعة الطول هنا وهناك لكن بقي العقل اليمني هو الحلقة الأضعف فكانت النتيجة احتراب تكسرت معه حياة أهل الحي وشواهد مميزة كساعة الشيخ عبد الله رحمه الله في جولة الداخلية – التلفزيون ونفق تلك المنطقة وواجهات الوزارة التي يفترض أنها تبعث الأمن والنظام في حياة الناس ..
.. كان واضحا لي حينها صوابية قول اليمني قديما « مخرب غلب ألف عمار « , وكان من المنطق أن استذكر أن مشكلتنا مع السلاح لن تنتهي إلا بإنهاء حالة التسلح في هذه الأمة وأنه لن يقوم للقانون قائمة في بلد الإيمان والحكمة إلا إن أخرجنا أداة الموت هذه من أيدي العامة وأصبحت عصا خاصة بالدولة .. اليوم أصبح لكل شخص أكثر من عصا والكثير من « الصمول « تشجع على مقارعة الدولة وإدماء رأسها أقدامها بالطريقة التي لم تتجل في الحصبة فقط بل في الأحداث المتعاقبة في مأرب والجوف وعدن وأبين وصعدة ونحوها ..!!
.. بدا لي أن قدرتنا على التخريب أكفأ وسرعتنا نحو الهدم أكبر .. وعندما نختلف لا يوقفنا عقل ولا يردعنا شرع ولا نحتكم إلى عرف أو معروف .. نتطاول على بعضنا باستعلاء كبير وندوس في كل ذلك على حقوق العامة ونسرق أحلام الكثير من البسطاء إذ كيف سيجري تعويض أحدهم دفع من دم قلبه لمسكن متواضع أو أثاث أو مشروع أقل تواضعا ووجد كل ذلك أثرا بعد عين ..!
.. وحين أكملت الجولة كنت أتساءل وأنا أمشي تحت حر شمس هذه الأيام .. يا ترى .. هل سيأتي علينا يوم تكون الدولة ملكا للدولة .. هل هذه الدولة قادرة على منح الأمان والاطمئنان والعدل لليمنيين بلا استثناء .. هل ستتحول جهود اليمنيين جميعا لبناء مشروعهم الحضاري في بناء الدولة المدنية الحديثة حيث لا صوت إلا صوت النظام والقانون وصوت المصلحة العليا للشعب كله .. وهل سنستفيد من العيب الذي حصل وهذا هو الدرس الأهم ..!
أخيرا:
اختبرنا صوت الألم وحديث الرصاص في أحداث العامين الأخيرين من عمر الوحدة اليمنية .. كما خبرنا صوت الألم وأحاديث الرصاص في عقود حياة ما قبل الوحدة لعقود ولا زلنا نتذكر دواهي ما حصل وكارثية ما جرى .. هل تعلمنا وفهمنا .. القوى الكبرى ارتكبت حماقة الحرب الشاملة المدمرة مرتين وبعد بلوغ الدم « الركب « كان أهم دروس الحياة قد وصل ووصلوا إلى حكمة اليمني الغائبة دوما « الجهل طول الزمان عيب «..!!

قد يعجبك ايضا