أصالة العمارة الطينية

علي أحمد بارجاء

 - لقد كانت مادة (الطين) هي المادة التي استخدمها أسلافنا العرب في العمارة وبناء المنازل والمساجد وشيدوا منها قصورهم الفخمة التي ظلت باقية في بعض المدن فكانت شاهدا على حسن اختيارهم لهذه المادة التي تتميز -إذا
علي أحمد بارجاء –
لقد كانت مادة (الطين) هي المادة التي استخدمها أسلافنا العرب في العمارة وبناء المنازل والمساجد وشيدوا منها قصورهم الفخمة التي ظلت باقية في بعض المدن فكانت شاهدا على حسن اختيارهم لهذه المادة التي تتميز -إذا أحسن اختيار نوعها – بقدرتها على قوة التماسك وتحمل عوادي الزمان إضافة إلى أن تقادم الزمن يكسبها صلابة وتحجرا مما يطيل في عمرها وأمد بقائها مع مناسبتها للظروف الجغرافية والمناخية . والعرب سباقون في هذا المجال والمهندسون المعماريون السابقون كانوا أهل تجربة أكسبتهم الخبرة في اختيار المادة الطينية الملائمة والمواد الأخرى كالتöبúن ونحوه التي تعجن مع الطين لتضيف للطين تماسكا وقوة عند تشكيله ابتداء لöبúنا وتجفيفه بتعريضه لأشعة الشمس ثم طريقة البناء به وربط بعضه ببعض .
إن هذه الطريقة التي يستخدمها البناءون ظلت تنتقل من جيل إلى جيل يورثها الآباء للأبناء منذ القدم مما أكسب العمارة هوية عربية أصبحت مع الزمن تراثا يعد الحفاظ عليها في مادتها وشكلها دليلا على الانتماء إلى تلك الهوية وتأكيدا لها ولذا فإن المدينة التي حافظت على العمارة الطينية القديمة بصيانتها وترميمها وظل أبناؤها يستخدمون مادة الطين والتبن في البناء في هذا الزمان تلك المدينة لا تزال متصلة بأصولها وجذورها القديمة ولا تزال تحافظ على هويتها وتؤكد انتماءها إلى تاريخها وحضارتها العريقة ولا تزال غيورة على تراثها العمراني تصونه كما تصون أحداقها وتشعر بفخر واعتزاز أنها ما زالت تحتفظ للطين بكل الأواصر والوشائج التي تذكرها بأسلافها .
فالمدينة التي تحافظ على البناء بالطين تؤكد لزائرها بما لا يدع مجالا للشك هويتها التراثية بخلاف المدينة التي لم يعد فيها بناء طيني قديم أو حديث واستبدلت الحجر والأسمنت المسلح بالطين في عمارتها .
لقد خلق الله – سبحانه وتعالى – الإنسان من طين وجعله في أحسن تقويم فأي جمال بعد خلق الله ولعل اهتداء الإنسان للبناء بالطين إنما هو اعتزاز بأصل المادة التي خلق منها وإقرار بما فيها من سر تشكيلي جمالي .
وشتان بين بناء بني من الطين وبين بناء بني من الحجر والأسمنت المسلح في الطين استجابته للتشكيل والانحناء والزخرفة لما فيه من ليونة العنصر ورقته ناهيك عما بينه وبين الإنسان من ألفة روحية يجدها الساكن أو الزائر عندما يلج إلى داخل البناء أو ما يجده من متعة في النظر إليه من خارجه.
إن الإحساس بجمال المدينة المبنية بالطين الذي يجده زائرها إنما يولده فيه ما يشمه فيها من عبق التاريخ وأصالة تراثها المعماري فالأشكال الهندسية المصممة بها العمارة الطينية مساجد وبيوتا وقصورا وغير ذلك وما فيها من طابع إسلامي وألوانها الطينية أو المطعمة باللون الأبيض (النورة) أو الخالصة البياض يضفي لمسة جمالية أخاذة لأهلها أو لزوارها الذين يقفون مندهشين من تناسقها وتشابهها المختلف.
ومدن كشبام وسيئون وتريم والهجرين وغيرها من مدن وادي حضرموت تعد إلى اليوم متحفا حيا يمكن التجول فيه بالسيارة كما عبر أحد زوار مدينة شبام ذات يوم . ولا يزال وادي حضرموت إلى اليوم مقصدا مهما للسياحة العالمية لأنه لا يزال فيه للعمارة الطينية بقاء واستمرار . فإذا ما جاء يوم ما ولم يعد للطين في الوادي موطئ قدم ويوم تغزوه العمارة الأسمنتية عندها لن يطأ ذلك الوادي قدم سائح.
إذا كانت مادة الطين موجودة في كل مكان وهي رخيصة في سعرها وإذا كان الأيدي الخبيرة في البناء بالطين موجودة في بعض المدن فإن معوقات البناء بالطين – مع أنه يمكن تجاوزها وتذليلها – ستنحصر في الآتي :
1- انصراف الإنسان عن البناء بالطين وتفضيله للبناء بالأسمنت المسلح تقليدا للعمارة في المدن والعواصم الغربية والربط بين البناء بالطين وبين التخلف .
2- ضيق المساحة في المدن والعواصم عن استيعاب سكانها إذا ما تحولوا إلى العمارة الطينية.
3- جهل الإنسان بما يوفره البناء بالطين من جدوى اقتصادية واجتماعية وثقافية وملاءمته للظروف الجغرافية والمناخية لكثير من المدن وبخاصة غير الواقعة منها على ساحل البحر .
4- عدم وجود معاهد وأقسام في كليات الهندسة بالجامعات يتخرج فيها المهندسون والمهنيون المختصون في البناء الطيني .
5- انصراف الإنسان في ظل المدنية الحديثة والحياة المادية المسيطرة عن الاهتمام بعناصر ومكونات ثقافته وتراثه الحضاري وعدم النظر بجدية إلى معنى الهوية وضرورة المحافظة والغيرة عليها وتعزيزها في النشء وبخاصة بعد ا

قد يعجبك ايضا