خواطر من الهند (٢)
جمال عبدالحميد عبدالمغني
جمال عبدالحميد عبدالمغني –
بعد وصولنا مطار مومباي أقلتنا سيارة القنصلية اليمنية إلى الفندق المحدد لإقامتنا والذي يبعد عن المطار أكثر من ساعتين ربما بفعل الازدحام المهم لن أتحدث عن وصوف مطار بومباي إذ أن عقدة ما قد ترسخت في نفسي من ذكرى المطارات ليس حسدا بل إشفاقا بمطار صنعاء وغيره من المطارات اليمنية التي نسميها (دولية) زورا وبهتانا.
> في الطريق من المطار إلى الفندق تجاذبنا أطراف الحديث مع السائق الهندي (شكير) الذي أصبح يجيد نوعا ما العربية إلى جانب الهندية والانجليزية بفعل عمله في القنصلية اليمنية منذ ٥١ عاما هذا السائق المثقف والمخلق أيضا وضح لنا بعض المعلومات عن مدينة بومباي الواسعة والمترامية الأطراف قال: إنها المدينة الأكبر في الهند ويسكنها ٨٢ مليون نسمة وفيها مدينة السينماء الهندية (بوليود) وأضاف معلومة جديدة علينا بأنها المدينة التي لا تنام وحدثنا عن تعدد الديانات والطقوس كعبادة الأبقار والفئران وغيرها من المعتقدات التي يصعب حصرها شاهدنا بعض هذه المعالم والممارسات المثيرة للدهشة في الأيام التالية برفقة الملحق المالي بالقنصلية الرائع (بكيل عاطف) لكن ثمة مشاهدة لفتت نظري في الشوارع وهي القدسية التي تحظى بها الأشجار في شوارع المدينة حيث أصبحت بعضها تغطي واجهات المباني لضخامتها وعندما عرفنا السبب بطل عجبنا فالأشجار مقدسة وتملكها الدولة ولكل شجرة رقم مسجل في سجلات بلدية المدينة ويحرم قطعها نهائيا وتفرض عقوبات شديدة على من يرتكب حادث سير يسبب تلفا أو ضررا معينا لإحدى الأشجار أما أصل المعتقد فإنه يرجع إلى التراث الديني الهندي (الهندوسي) بأن الأشجار تجلب الأمطار.
> ظلت معلومة السائق عن أن بومباي (المدينة التي لا تنام) مرسومة في مخيلتي إذ كيف لمدينة أن تواصل نشاطها على مدار الساعة وهل هناك تنظيم حكومي يحدد أوقاتا لممارسة النشاط خلال ساعات النهار لشريحة من المواطنين والشريحة الأخرى خلال ساعات الليل¿ قررت وربما رغما عني أن أتأكد من هذه المعلومة بنفسي وصادف أن الفندق الذي أقمنا به واقع على حي تجاري فمكثت طوال الليل أرقب هذه الظاهرة كل ساعتين أو ساعة أفتح الشباك وأنظر إلى الشارع فأرى النشاط مستمرا حتى بعد صلاة الفجر شاهدت الحركة مستمرة وكأن مناوبين جدد قد حضروا لمواصلة النشاط الذي بدأه من قبلهم.
> محمد الشيبة ينقذني من خطأ جسيم كنا نتمشى في أحد الشوارع بعد العصر ونحن على الرصيف المزدحم نتجاذب أطراف الحديث كادت قدمي تقع على أحد الآلهة كما يعتقد عابدوه وكان هذا الذي يسمونه إله عبارة عن تمثال صغير الحجم موضوع بجانب إحدى الأشجار لم أشاهده فتنبه العزيز محمد الشيبة – مدير اليمنية بسحب يدي وتنبيهي لأنه لو زلت قدمي لحدث ما لا يحمد عقباه من أتباع ذلك الصنم الصغير.