ثورة الأدب تخليص الإنسان من القيود والأغلال التي تعيق تفكيره , فلا بد أن يكون مختلفا

صدام الشيباني


صدام الشيباني –
ثورة الأدب تخليص الإنسان من القيود والأغلال التي تعيق تفكيره , فلا بد أن يكون مختلفا عن الواقع الثقافي المعيش

يقيم الشاعر اليمني في نفسيته كثيرا , فهو لا يتحرك منها , إلا لتحديد موقف مما حوله , حبا أو كرها , ويعمل على تقييم ما حوله , من أشخاص , ونصوص , وتوجهات حسب الفكرة المسبقة التي كونها عن هؤلاء . ومع ذلك يشهد صراعا داخليا عميقا عند استيعابه للمتغيرات حوله , وذلك لانعدام الموجهات الفكرية الثقافية التي تضع الشاعر في مرحلة ( الأنفع – والأصلح) للواقع المعيش .
مع انعدام التوجهات الفكرية والثقافية يعيش المبدع اليمني حالة سديمية , وذلك لتناقض المواقف , وتداخل الآراء والحيوات , وتلاحق الرؤى , فلا يستطيع أن يقف موقفا محايدا ينظر فيه الى الرؤى الصائبة , ويعمل على دعمها ومناقشتها , والرؤى الخاطئة , ويقوم بتصويبها بسبب حالة الاضطراب هذه , وتبقى مع ذلك مساحة الفراغ كبيرة في نفسيته , يعمل على ملئها بمواقف , وإحساسات سرعان ما تتحول الى أزمات يومية , وشخصية , مع المحيط الأقرب له .
لأن النظام التقييمي الذي يحكم عقل المبدع قائم على العلاقات الوجدانية الى المستوى الذي يلغي عمل العقل تماما , وهذا ليس على الاطلاق لوجود قلة من المبدعين الذين يعملون عقولهم في لحظات كهذه , والعلاقات العاطفية دائما ما تقف عند لحظات الإطراء والمديح وتجعل منها المرتكز لظهور الذات وإبداعها , لأن أزمة المبدع ذاتية ناشئة من الأزمات الاجتماعية , فإن عوامل المديح تحقق له نوعا من الحضور الذاتي الذي يعوضه عن فقدان السلطة التي يسعى الى تحقيقها في حياته .
يتحول البحث عن المديح والإطراء الى نسق داخل الثقافة , بحيث يهفو المرء الى الأشخاص الذين هم على شاكلته نفسيا , وهذا يعمق النسق الإطرائي , وتغرق الحياة الثقافية الابداعية بالنصوصية المهترئة , والثقافة الشخصية التي نراها تطل بقرونها بفعل التدافع اللحظي لحركة المبدعين / الشعراء على وجه الخصوص .
يكون هذا نوعا من الميول اللاإرادية عند الشاعر , والرغبات النفسية للتجاذب مع الرؤى والأفكار والشخصيات , وتعطيها المبررات لإقامة علاقات جديدة , يفرضها التواصل , والرغبة في إقامة الحوارات غير المعلنة مع الآخرين لتتحول الى ميول عصابية ثم الى عنصرية معلنة تجاه الأنماط الثقافية .
إن العنصرية الابداعية التي أتحدث عنها اليوم , وتقترب من مساحة الثقافة اليمنية العامة , بأنها تقيم علاقات جديدة علاقة (التجانس) تجانس الشخصيات مع بعضها , وتجانس النصوص , وتجانس الميول النفسية . فبعض الأدباء يتبع خطابا شعريا مخصوصا ( قصيدة البحور الشعرية ) مثلا , يقومون بعلاقات مع هذا النمط من الشعر , ثم يتركون بقية أنواع الخطابات الشعرية ظنا منهم أن هذا النوع من الشعر هو الذي يعكس الذات العربية , ويختزل فيه قوة الخطاب الشعري العربي , والاتجاه اليه حفاظ على نوع من الهوية العربية الابداعية , رافضا الأشكال الأخرى , لأنها من وجهة نظره تنال من الهوية العربية , وهذا المفهوم ليس صحيحا لأن الذائقة العربية تتطور حسب الزمن الذي يغير من صيغ الخطابات .
وقس على ذلك أصحاب الأنماط الأخرى , إذ ينغلق كل نمط على نفسه رافضا إقامة أي حوار مع نماذج الشعر الأخرى , وهذا يعني أن الحقول الابداعية في القصيدة اليمنية تنشأ في دوائر مغلقة على نفسها , غير قابلة للحوار مما يسبب ضمورا في حركة الشعرية في النص .
إن من أخطر العنصريات التطرف الأدبي , وذلك بأن يستقل كل ادباء جنس أدبي – الشعر مثلا – عن ادباء جنس أدبي آخر , كالقصة . فالشعراء مغلقون تماما في النصوص الشعرية , ولا يقرأون في السرد , ولا يرغبون في متابعة النقد , والقصاص لايهتمون بالنتاج المسرحي أو الشعري , فكل جنس أدبي مستقل عن الجنس الآخر , وهذا يعني أن حركة التجديد والتكامل الجنسي في الأدب غير موجودة , وهذه أعاقت حركة الابداع اليمني كثيرا عن الابداع العربي .
لقد تكونت الصداقات في مجموعات منعزلة عن بعضها , وهذا تطرف مقيت , تنشأ بوجوده العصبويات والجماعات , في حالات مرضية مصادرة للآخرين ولإبداعهم , بكل صلف . وقد رأينا كيف يسخر الشعراء من القصاص ….الخ ويلغون تميزهم الكتابي .
مع هذه العنصرية ضاعت الموضوعية تماما , وأصيب أصحابها بالعمى الثقافي , فهم يحبون الحب الشديد ويكرهون الكره المبغض , فلو كره الشاعر شاعرا آخر أو قاصا انهال عليه بألفاظ السخط والمصادرة , والغى حضوره بمفردات الشتيمة , وأسقطه من الأدب , وإذا أعجب شاعر بآخر أحضر له كل مرادفات المدح والثناء , وصنع منه رمزا ثقافيا ووطنيا , وقدس نتاجه , وهو في الحقيقة ليس بالمستوى الممدوح . إنها العنصرية الذاتية القائمة على العلاقات . وهذا يعني ان مساحة الاختلاف غائبة تماما , وإيجاد مشروع الاختلاف دا

قد يعجبك ايضا