عتاولة شئون المال ونخبة التسـهيلات

د. محمد علي بركات

 - العديد من القائمين على شئون المال في الجهات الحكومية يشكلون بتصرفاتهم المتناقضة حالة متفردة بين أقرانهم من الموظفين في مختلف الشئون والأعمال .. فتارة يضيقون الخناق على معظم العاملين بتلك الجهات دون وجه حق في صرف مستحقاتهم ويضعون أمامهم العراقيل بمختلف الأسـاليب والأشكال ..
د. محمد علي بركات –
العديد من القائمين على شئون المال في الجهات الحكومية يشكلون بتصرفاتهم المتناقضة حالة متفردة بين أقرانهم من الموظفين في مختلف الشئون والأعمال .. فتارة يضيقون الخناق على معظم العاملين بتلك الجهات دون وجه حق في صرف مستحقاتهم ويضعون أمامهم العراقيل بمختلف الأسـاليب والأشكال .. وتارة يقفون حجر عثرة أمام إنجاز ميزانية المشـروعات المفيدة في أي مجال .. وييسرون في ذات الوقت إنجاز وصرف ميزانيات المشروعات الوهمية أو المشروعات المتعثرة التي يجنون من ورائها العمولات والفوائد غير المشروعة من الأموال .. وبالطبع يحدث كل ذلك دون إدراك لفداحة ما يرتكبونه من ممارسات غير سوية ودون التفريق بين المال الحرام والحلال ..
بل ودون أي شعور إنساني أو وطني بما يسببون من أضرار تعرقل سير العمل وتوقف تطوره إضافة إلى ما يتعرض له الموظفون من ظلم وامتهان جراء ما يواجهون من سـوء الأحوال .. وقد يدعم تلك التصرفات بعض المسئولين الذين تنالهم بركة أولئك القائمين على شـئون المال ..
وبينما يحل الظلم على العديد من ذوي الحظ العاثر وهم الأغلبية .. تحظى النخبة من ذوي المصالح المشتركة مع ذوي البركة وهم الأقلية .. تحظى بالموافقة الفورية على كل صغيرة وكبيرة سواء تتعلق بالمستحقات أو بغير المستحقات .. أو تدخل ضمن مقترحات المشروعات .. وهنا يتجسد الفساد في أوضح صوره .. وللأسف الشديد أن حلقات هذا المسلسل ما تزال عروضها مستمرة .. والظالم يتمادى في ظلم الآخرين ويبتكر كل يوم طرقا وأساليب جديدة تمكنه من ممارسة هوايته المفضلة بحنكة ومهارة .. بل ويربي تحت جناحه أعوانا ومساعدين يعينونه على تنفيذ مآربه وعلى تطبيق تلك الطرق والأساليب المبتكرة ..
وفي ظل استمرار عرض المسلسل إياه ( المتعوس يظل متعوس حتى لو علقوا على رقبته فانوس ) والمتخم عضو النخبة المباركة يزداد تخمة دون أن يفرق بين الحلال والحرام .. ويستمر التنسيق بين الفئة الضالة وبين المتخمين الفاغرين أفواههم الذين لا يشبعون ولا يقنعون بما ينهبونه هم وأقرانهم من المال العام ..
وتظل العلاقات الودية بين أولئك قائمة ( سمن على عسل ) حتى يختلفوا على تحديد نسبة توزيع الأموال المنهوبة فيما بينهم أو أن يطمع طرف منهم في الفوز بنسبة أكبر .. وعند ذلك تحدث المفاجأة وتفسد علاقة المفسدين ويتحول ( العسل إلى بصل ) ثم إلى حنظل مر ..
وربما تتكشف عن قصد أو عن غير قصد بعض المخالفات والتجاوزات .. وذلك لغرض التخلص ممن تطاول على الخروج عن اتفاق المصالح المشتركة بين ( عتاولة شئون المال ) وبين نخبة التسهيلات .. فيطير جراء ذلك الذي عليه العين من مركزه الوظيفي عقابا له على خروجه عن جماعة الفساد المالي وتلك هي النهاية المتوقعة لأمثاله من المارقين ..
قد تكون تلك الممارسات معروفة للكثير من أبناء الوطن ولكن دون شك فإن ذوي الشأن من أصحاب القرار يعلمون الكثير عنها بكل يقين .. ونتوقع المبادرة بكشفها أمام المختصين بهيئة مكافحة الفساد لتبادر بدورها باتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف ذلك العبث وإحالة ( العتاولة ) ومسـانديهم إلى القضاء .. ليكونوا عبرة لغيرهم من زمرة الفساد الذين ما زالوا يسرحون ويمرحون دون أن تطالهم يد القانون لينالوا العقاب الرادع جزاء ما اقترفوه من أخطاء ..
فهل يبادر المعنيون المطلعون على ما يجري من عبث بكشف المعروف والمستور من خبايا الأمور ..¿ أم سـيظل عرض مسـلسـل النهب والابتزاز مسـتمرا بكافة أبطاله من ( العتاولة ) والمساندين لهم دون وضع حد لهذا الظلم والجور ..¿!
نسأل الله العلي القدير أن تصحو الضمائر وأن يؤدي المخلصون دورهم الوطني دون أن يخشوا في قول الحق لومة لائم .. وأن يتذكر ( العتاولة ) ومن والاهم قدرة المولى سبحانه وتعالى الحي الدائم الذي يمهل ولا يهمل الكفيل بخذلان كل ظالم .. فالحساب لا محالة قادم .. ولا شـك أن لكل ظالم ومحتال وكل آكل للمال الحرام نهاية مزرية .. وتلك هي القضية .

قد يعجبك ايضا