لغة الصورة في نثريات الرويشان

هشام ورو


هشام ورو –
وأنا أطالع كتاب كل هذا البهاء كل هذا العناد للأديب خالد عبدالله الرويشان الصادر عن وزارة الثقافة اليمنية 2007م شعرت أني أمام حالة استثنائية في الأديب اليمني المعاصر وتساءلت هل أنا أمام حالة شعرية محضة أم أمام مقدمات وكلمات رسمية لوزير ثقافة لمرحلة ما , فقد اختلط فيه عندي الرسمي بالخاص مشاعر المثقف قبل فكر المسئول ¿ فأنا أقف بين يدي صور شعرية متداخلة تمتزج بالريشة واللون لكنها بنكهة النثر الذي جعل من قيمته السامية تطغى على أي لغة إبداعية أخرى فعلا هي لغة خاصة وأدب مفرد تفرد به الأديب خالد الرويشان وأجعلك تعاين ذلك عزيزي القارئ من خلال مشاهدات محسوسة فهاهو يتحدث عن ديوان اليمن للشاعر الكبير سليمان العيسى ويقول:
o ) شاب الجمر في يديه , وما شاب له قلب , أو وهنت عزيمة .)
أنها صورة الشعر بل هي روح الشاعر خالد الرويشان كما يحق لي أن أسميه تتجلى تلك الروح في حرفه الأنيق بأناقة قلبه الكبير الذي منحه لرسالته الثقافية السامية وفي كلمته في تكريم القاضي إسماعيل الأكوع خاطبه الرويشان خطاب التاريخ الذي جمعه ذلك العالم ووضع اصابعة على مكامن انجاز الأكوع بلغة جمعت في كلماتها القصيرة كل حياة الأكوع:
وحدك الآن , تعرف تجاعيد هذه الأرض , شجون آكامها , مواويل قراها ,..
هل ثمة قرية لم تعرفك في هذه البلاد
أو درب لم تصافحه عيناك , أو شعب لم تعاين أسى أحجاره , أو سهل لم تتنفس بهاه ,..
أو وجه لم تعش قصة أزمانه المتوارية .
اعتقد أن ثمة سر يختبئ وراء تلابيب الرويشان تجعله يهدي هذه الحروف بكل انسيابية بعيدة عن بروتكولات المنصب أو تكهنات السياسي فقد أدار حروفه العابرة بمداد قلبه الذي توزع بين عشاق الكلمة في ربوع هذا الوطن الجميل وأقول الجميل لأن الجمال صفة تلازم الأشياء لكن لا يراها إلا من حملت نفوسهم تلك المعاني , فما أروع حروف رجل البدايات التي خاطب بها الفجر والضوء والبهجة والغناء والعصافير فقد يكتشف المرء أن كل هذه المفردات حول هذه المفردات كلها تصب في لغة الجمال حين كرم بها الأستاذ أحمد جابر عفيف :
عندما يرسم الفجر خيوط ضوئه الأولى وسط الظلام ..ويشق الضوء طريقه منسابا في قلب غابات الغفلة , وعتمات الليل , فإن العصافير الطاوية الظامئة تبتهج في مهرجان من الزقزقات والغناء لا يهدأ إلا ليشتعل أواه من جديد , ولا يصمت إلا ليأخذ أنفاسه لتنهيدة عشق رائعة حالمة .
هنا أنا أتنهد وأقول ليتني كنت ابن الزمن الأول حتى أحضى بحروف الرويشان تداعب ماض يرسمه لمن تأثر بهم حد الحب .
وكي أكون منصفا أيضا لحروف الرويشان الناثرة ألقها في سماء الأدب اليمني المعاصر أود أن أقول أن الأقصوصة التي تحكيها لغته الشاعرة أنبأتنا أيضا أنه استخدمها بكل إتقان كي يضعني وأمثالي في حيرة حين أتناول حرفه بتأمل فتارة أقول أني أمام لغة شعرية وتارة أقول أني أمام حكاية زمن مضى في أروع معني الزمن الجميل لرجل جميل
وعن كتاب صنعاء للشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي اسماه الرويشان كتاب الضوء والصفاء يحدثنا عن تجليات بياض المدينة الحبيبة والضوء:
(كان ذلك عن ضوء المدينة الحبيبة ..فماذا عن صفاء الشاعر المحب ¿ كيف استطاع الشاعر أن يفلت من إسار ما يمكن أن يكبل الروح , ويعيق الرؤية والرؤيا والذاكرة , كي ينثر حبات اللؤلؤ المضيئة هذه ـ حبات قلبه ـ .)
وفي موسيقيته الرائعة تكتشف الشاعر والموسيقي البارع خالد الرويشان وهو يغني لنا بقلمه هديل الغربة في تكريم الشاعر والملحن الكبير عبدالله باوزير :
فنان أم أفنان وفنون ¿.
صوت سرب يمام مسافر
أم هديل حمام يقتات الغربة والبعاد¿
لا يكف عن الغناء,..
كأنه نبع غناء وعناء وحنين
هنا أتذكر أم كلثوم وهي تتماهى في أغنية الأطلال وأقول لو أن أم كلثوم على قيد الحياة لما ترددت لحظة في أن تغني هذا النص المفعم بالحنين والشاعرية والوفاء لقامة كبيرة من قامات الوطن .
اعتقد أني عرفت شخصيات لأول مرة أسمع عنها في كتاب كل هذا البهاء كل هذا العناد لكني في نفس اللحظة وقفت حائرا بين الاختيار لبعض المقاطع الأدبية التي أقف أمامها متأملا ذلك البهاء الروحي وتلك الدفقة القوية التي يوزعها الرويشان لمحبيه في ربوع الوطن ,قبل أن أختم هذه الحروف أود التأكيد أن أدب الرويشان الذي يعد مدرسة مستقلة في الأدب اليمني المعاصر لم يكن نتاج مرحلة ما بل نتاج متجدد قبل وبعد توليه قيادة شأن العمل الثقافي الرسمي الذي يعد بقعة بضوء يشار إليها بالبنان كلما ذكرت الثقافة اليمنية , ولا اعتقد أن الرويشان قد غاب عن ذلك بل هو في قلب المشهد الثقافي وإن لم يكن ذلك فيجب أن يكون .
ö مرة أخرى أعتذر لحروف الرويشان عن عدم الإلمام بكل شواهد الكتاب ذلك أن حروفه أكبر من تناولات عابرة لمستق

قد يعجبك ايضا