لعب على الأوتار
محمد نور الدين
محمد نور الدين –
يشكل الأكراد في منطقة الشرق الأوسط الشريحة الإسلامية الرابعة من حيث العدد بعد العرب والأتراك والإيرانيين . لقد خرج الأكراد بعد الحرب العالمية الأولى بلا وقائع تفيدهم بعدما رسمت القوى الكبرى خرائط تقسيم المنطقة بحيث احتفظت إيران بدولتها القومية وكذلك تركيا فيما تناثر العرب الخارجون من السيطرة العثمانية إلى دول صغيرة ضعيفة . أما الأكراد فوزعتهم القوى الاستعمارية بين ثلاث قوى كبيرة هي العرب (العراق وسوريا) وتركيا وإيران . وفي المسار التاريخي للأكراد برزت الحركة الكردية بصورة قوية وعنيفة في بلدين هما تركيا والعراق فيما كانت الحركة الكردية في إيران وسوريا أقل حيوية لأسباب مختلفة . وتمكنت الحركة الكردية من الوصول إلى أهدافها شبه كاملة في العراق حيث كانت أول من حصل على حكم ذاتي عام 1970 . ولكن التطور الأبرز كان مع “العراق الجديد” الذي نشأ مع الغزو الأمريكي حيث اعتمد النظام الفيدرالي في الدستور وتحولت منطقة شمال العراق إلى فدرالية كردية أقرب إلى الدولة المستقلة في معظم القضايا .
وكانت تركيا هي البلد الإقليمي المهتم أكثر من غيره بالوضع الكردي في العراق وفي المنطقة عموما وذلك لأن الحركة الكردية في تركيا كانت تموج بحركات التمرد والعصيان منذ بدء تأسيس الجمهورية في العام 1923 . واستمرت هذه الحركة إلى أن بلغت ذروتها مع تأسيس حزب العمال الكردستاني عام 1978 ومن ثم انتهاجه العمل المسلح في العام 1984 لتحقيق مطلب الدولة الكردية المستقلة في جنوب شرق تركيا . ولم تخفت الحركة الكردية المسلحة في تركيا منذ ذلك الوقت حتى هذه اللحظة وإن كانت تعرف بعض فترات الهدوء .
ومع تفجر الأوضاع في سوريا قبل عام ونصف العام لم يكن الوضع الكردي بهذه الأهمية لكي تسلط عليه الأضواء إلى أن ظهرت الأنباء عن انتشار مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري المؤيد لحزب العمال الكردستاني في المناطق السورية الشمالية التي تشهد أغلبية كردية .
وارتفع الصوت التركي منذرا بالتدخل العسكري في مناطق الشمال السورية لمنع نشوء بنية عسكرية لحزب العمال الكردستاني هناك . وبادرت انقرة إلى إجراء مناورات عسكرية تأكيدا لجديتها في التدخل العسكري في حال تأكد الوجود المسلح ل”الكردستاني” هناك بل اتخاذه الأراضي السورية منطلقا لعمليات داخل الأراضي التركية حيث يشكل الشريط الكردي داخل سوريا قلقا لأنقرة من أكثر من زاوية .
أولا لأنه في حال تقسيم سوريا فإن تشكيل ممر كردي على امتداد الحدود مع تركيا سوف يقطع الرابطة الجغرافية التركية مع العالم العربي ما يفضي إلى تحول في التوازنات الاستراتيجية والعلاقات الحضارية بين العرب والأتراك .
ثانيا لأن مثل هذا الشريط سيشكل عامل ضغط على الداخل التركي في ظل عدم حل تركيا للمشكلة الكردية في داخلها التي تعتبر الأخطر على وحدة الأراضي التركية . خصوصا أنه بخلاف شمال العراق فإن الجهة التي يحتمل أن تسيطر على شمال سوريا هي نفسها المسيطرة في جنوب شرق تركيا أي حزب العمال الكردستاني .
ثالثا لأن إقامة كيان كردي في شمال سوريا سوف يشكل المحطة الثانية في مسيرة الأكراد بعد شمال العراق نحو إنشاء كردستان الكبرى حيث ستكون المحطة الثالثة حتما في تركيا التي يبلغ عدد أكرادها نحو ال 15 مليون نسمة . وليس من داع لتكرار القول إن المشكلة الكردية يستفيد الغرب منها ويغذيها ويلعب على أوتارها . الواضح أن الواقع الكردي في شمال سوريا لن يعود كما كان عليه قبل بدء الأزمة السورية سواء بقي النظام الحالي أم حل نظام آخر بدلا منه أو ذهبت سوريا إلى التقسيم . والمنطقة دخلت بالفعل على الصعيد الكردي مسارا جديدا يضع الجميع ولا سيما تركيا أمام استحقاق التحدي الجديد الذي تبدأ مواجهته ومعالجته من الداخل قبل أن تمتد يد الخارج إليه تحريضا وتلاعبا.