الواقع والأسطورة (11)

أحمد يحيى الديلمي –


أحمد يحيى الديلمي – –
الفن في‮ ‬موكب الثورة
‮> ‬كان لافتتاح إذاعة صنعاء دور هام في‮ ‬إخراج الفن والفنانين من أقبية الخوف إلى جانب أن خروج بعض الفنانين من صنعاء إلى مدن‮ ‬يمنية أخرى أعطاهم حرية أكبر للإبداع وصقل المواهب وتنمية القدرات الفنية‮ ‬في‮ ‬هذا الصدد ذكر الفنان الكبير محمد سعد عبدالله الظروف الذي‮ ‬جعلته‮ ‬ينتقل إلى عدن وكيف أن هذا الانتقال أعطاه الفرصة الكاملة لتطوير موهبة الغناء إلى جانب امتلاك قدرة العزف على أكثر من آلة وكانت عدن الحضن الدافئ للماس والقعطبي‮ ‬والعنتري‮ ‬وكان اللافت أن هؤلاء استطاعوا المزج والمواءمة بين الايقاع الصنعاني‮ ‬واللحجي‮.‬
على ذات الصعيد تحول الفنان القدير علي‮ ‬بن علي‮ ‬الآنسي‮ ‬إلى ظاهرة ما لبثت أن تحولت إلى مدرسة خاصة في‮ ‬مدينة تعز رغم أن والده كان‮ ‬يعارض بشدة فكرة أن‮ ‬يحترف الفن إلا أن الرغبة والهواية المتأصلة فرضت نفسها وقاومت كل الضغوط وظهر إلى الوجود الفنان علي‮ ‬بن علي‮ ‬الآنسي‮.‬
والفن في‮ ‬نطاق هذه الأسرة هواية وموهبة متأصلة ومتوارثة حتى الفقهاء كانوا‮ ‬يترجمون الهواية بالانشاد والموشحات ولا أزال أتذكر القاضي‮ ‬محمد الآنسي‮ ‬والد المهندس أحمد الآنسي‮ ‬وزير المواصلات الأسبق كيف كان‮ ‬ينغم الأذان بطريقة ابداعية لم أسمع شبيها لها إطلاقا‮ ‬كل هذا‮ ‬يؤكد أن الفنان الآنسي‮ ‬انحدر من أسرة فنية ووجد في‮ ‬تعز المناخ الملائم لتطوير الموروث المتراكم في‮ ‬أعماق ذاته وشكل أول ثنائي‮ ‬مع المرحوم الأستاذ علي‮ ‬بن علي‮ ‬صبرة‮ ‬كما هو شأن الفنان الكبير أيوب طارش عبسي‮ ‬فقد شكل ثنائيا إبداعيا مع شاعر الحلم والجمال المرحوم عبدالله عبدالوهاب نعمان‮ »‬الفضول‮« ‬بينما ظلت الحركة الفنية تتصاعد وتفرض نفسها في‮ ‬صنعاء محراب الفن ومركز انطلاقه الأول ودخل إلى حلبة السباق أفراد من أبناء الأسرة المالكة مثل عبدالكريم علي‮ ‬أحمد حميد الدين ومحمد حسين حميد الدين‮ »‬أبو نصار‮« ‬وآخرون حتى من سيوف الإسلام إلا أن الاثنين اللذين اشرنا إليهما سمحت لهم ظروف ما بعد قيام الثورة السبتمبرية المباركة بالخروج إلى العلن والانتقال من مرحلة الهواية إلى الاحتراف والظهور العلني‮ ‬في‮ ‬الاذاعة وفي‮ ‬وقت لاحق على شاشة التلفزيون‮.‬
ما‮ ‬يحسب لثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر الظافرة أنها‮ ‬غيرت النظرة إلى الفن والفنانين وكان للفنانين دور هام وأساسي‮ ‬في‮ ‬نهج المشاعر وإذكاء جذوة الثورة في‮ ‬النفوس إذ كان للقصائد الوطنية التي‮ ‬صدحت بها حناجر الآنسي‮ ‬والسنيدار والسمة والحارثي‮ ‬والمرشدي‮ ‬وفي‮ ‬ما بعد الفنانة المصرية فايدة كامل دور السحر في‮ ‬إيصال وهج الثورة إلى قمم الجبال وبطون الأودية وكل السهول والصحارى والقفار‮ ‬كان ايقاع وتأثير في‮ ‬ظل راية ثورتي‮ ‬اعلنت جمهوريتي‮ ‬أقوى من الدبابة والمدفع‮.‬
ومما سمعت وأنا أعمل في‮ ‬الإذاعة أن كبار الفنانين رابطوا في‮ ‬الإذاعة بشكل دائم وأثناء حصار السبعين‮ ‬يوما كان الفنان الآنسي‮ ‬وغيره‮ ‬يحملون أكياس الرمل وإقامة السواتر الترابية لحماية استديوهات الإذاعة من الضرب العنيف الذي‮ ‬تتعرض له إذ كانت مستهدفة أكثر من‮ ‬غيرها لأن الهدف كان إسكات صوت الثورة وهو ما دفع القيادة آنذاك إلى الاقدام على فعل احترازي‮ ‬تمثل في‮ ‬إدراج تعز إلى جانب صنعاء عند التقديم إذ كان المذيع‮ ‬يقول‮: »‬هنا إذاعة الجمهورية العربية اليمنية من صنعاء وتعز‮« ‬لأنها افترضت أسوأ الاحتمالات أن تسقط صنعاء فكانت تعز هي‮ ‬البديل المناسب خاصة لوجود الإذاعة هنا لا‮ ‬يمكن لأي‮ ‬يمني‮ ‬أن‮ ‬ينسى الفنان محمد البصير وهو‮ ‬يصدح‮ »‬جمهورية من قرح‮

قد يعجبك ايضا