سياسة المطرقة والمسمار

عبد الكريم المدي


عبد الكريم المدي –
إن المتأمل لميراث وخطوات الحضارة الأوربية التي امتدت من قبل عصر النهضة إلى عصر المعلومة , سيدرك ودون أي عنت أو مشقة أنهم احتكموا لصوت العقل والمعرفة واحترام الآخر والإيمان المطلق بفكرة وحق التنوع والتعدد والمشاركة وتقديس العلم والمعرفة وإشاعة مبدأ الثواب والعقاب ولكن وفقا للقانون , إضافة لإحترام حقوق الأنسان بشكل لا يقبل أنصاف الحلول ولا يخضع للمزاجية , أو لـ ( القبúيلة ) وكسر ( العسيب ) و ( الهجار ) بخمسة ( أثوار ) ..
• بالطبع أوربا كانت قد غرقت خلال قرون في الجهل وسلطة الإقطاعيين والكنسية ومحاكم التفتيش والحروب الأهلية والقطرية والإقليمية لكنها استفاقت من ذلك الوضع وأسست لعهد جديد سبقت الإشارة إليه , حيث اخرجها من عوائق الذهنية تلك إلى آفاق العلم والحرية والديمقراطية واستثمار الإنسان .. أما نحن في وطننا العربي عامة وهذا البلد خاصة , فقد غرقنا في الخيالات والأوهام والجهل , حيث غدت الأساطير والشعوذة والكذب والكرامات والمعجزات هي المحرك لنا والفلسفة الحياتية التي ننطلق منها وفيها في بناء المجتمعات . ولعل أبرز عوائق ذهنيتنا العربية / اليمنية هو ميلها لكل ماهو وهمي وخيالي ووجداني وعاطفي .. واستعارة الأقنعة لكل مفردة وشعار من الشعارات تلك التي نرفعها ونزايد بها داخليا وخارجيا سيما تلك الشعارات المتلقة بـ ممارسة الديمقراطية والنظام التعليمي والقضائي والمساواة والحريات وكل شيء له علاقة بالعصر والتنوع والتعدد والنهوض ) ..
• لاحضوا معي وضعنا في اليمن وللتمثيل فقط , فإلى اليوم لم نتخذ الديمقراطية منهجا سياسيا واضحا وحقيقيا ولم نتخذ حكم الفرد نهجا ونظام حكم واضحا خاليا من المساحيق .. ولم نتخذ الشراكة نهجا ونظاما معقولا ومقبولا ولو في الحد الأدني .. ولم نؤمن ببعضنا .. ولم نحترم التعليم أو نبني أساسا وقواعد للتعليم ونسخر بعضا من الأموال الطائلة ومصروفات البذخ والبدلات جزءا من بدل ( جعالات ) أطفال عتاولة القوم ورجالات المناقات والصفقات وغيرهم لأجل البحث العلمي .. ولم نسخر أيضا للتعليم قليلا من الوقت والمساحة في وسائلنا الإعلامية التي توجه في غالبها الأعم للشتم والكذب وتلميع هذا الصنم أو ذاك , أو التوعية العامة .
• أقطع جازما أن البحث العلمي وتطوير النظام القضائي وخلق وعي علمي ومعرفي عصري لم يحظ حتى ما نسبته 10 % من النفقات وهذا ينطبق أيضا على ما يعطيه الإعلام من إهتمام لتلك الأشياء , سواء الرسمي أو الأهلي بمختلف وسائله التي غدت هذه الأخيرة أسوء من الأولى وأرفع منها درجة من حيث البلاهة والإساءة والتجهيل والتحريض وغيره ..
• للأسف الشديد لقد غدا الكثير منا , فاقدي الإحساس تماما .. فلم تحركنا غيرة المنافسة أو على الأقل تقليد الإيجابيات في الحضارات العصرية العلمية الحديثة , بقدر ما تحركنا فقط غرائز البقاء والتكاثر وإشباع البطون والشهوات والملذات ومن ثم توجيه سهام عدوانيتنا تجاه بعضنا وملء الفراغ المخيف الذي نعيشه بالمهاترات والمؤامرات والدسائس واكتشاف وسائل جديدة للتزيف ..
• هل تعلمون ماذا يصنعون مع الأطفال في دولة كالسويد مثلا التي تـعد , إحدى الدول الإسكندنافية الغارقة في الثلوج ¿ … فمن شدة اهتمام المشرعين ومؤسسات الدولة هناك بالإنسان وثقافته وتوعيته واستثماره فكريا وروحيا وعلميا فإنهم يهدون المولد ما أن يولد كتابا من الحكومة .. وهذا الكتاب بالطبع ليس مذهبيا ولا حزبيا ولا خرافيا .. إنه كتاب رمزي ينمي الوعي والمدارك والملكات لدى الأطفال وأسرهم ويربطهم بالمعرفة .. وبما أن السويد كسائر الدول الاسكندنافية بلد غني جدا لهذا تجدهم هناك يحثون الناس على المعرفة والعمل وحرية التفكير والتعبير وإبداء الرأي والإبتكار والبحث والتجريب و العمل والإنتاج والإبداع ,إدراكا منهم إلى أن الشعور الكامل بالرفاهية ربما يؤدي إلى الإنتحار الجماعي ولعل تلك الفلسفة والسياسة التي تتخذها دولة كالسويد تأكيدا واضحا للوعي والتقدم للجوانب المشرقة في الحضارة التي تعيشها مجتمعات كتلك المجتمعات الحضارية .
• على العموم لقد صرت – أنا كيمني ومتحزب أيضا أصبت وأخطأت خلال ما يزيد عن عام ونصف من الصراع السياسي والمؤامراتي- مؤمنا إيمانا عميقا في أن عين العقل تكمن في عدم المغالاة والتعصب وخاصة من قبل أي شخص محسوب على قبيلة الكتاب والمثقفين والصحفيين ومرهفي الحس , وصرت مقتنعا أن ذلك لا يخدم القضايا والمصالح الوطنية الكبرى , سيما إذا ما تحول هذا المثقف أو ذاك إلى قبيلة السياسي وانقلب على ذاته ( 2ú80 ) درجة ..
• صدقوني إن السياسية تـنسي المثقفين والشعراء والكتاب والمتنورين المحبة والتسامح والكلمة الطيبة واللغة الرقيقة والعدالة والإنصاف والحكم على الأمور

قد يعجبك ايضا