أزمة اليمن .. وموقف الرياض المتميز

علي ناجي الرعوي

مقالة


علي ناجي الرعوي –

مقالة

علي ناجي الرعوي
تستحق القيادة السعودية كل ذلك الثناء والتقدير الذي يتردد اليوم على ألسنة معظم اليمنيين الذين دفعت بهم أزمتهم الطاحنة وتداعيات الأوضاع الصعبة التي يمر بها وطنهم إلى قراءة كل المواقف الصادرة من قريب أو بعيد أو شقيق أو صديق فقد وجدوا من خلال هذه القراءة وأساليب القياس أن الموقف السعودي كان متميزا على كل المواقف الأخرى في تعاملاته مع تطورات الأزمة اليمنية وتداعياتها الملتهبة.
حيث جاء ذلك الموقف منزها من الدوافع الذاتية ومغلبا للمنطق الذي تمليه مصلحة الشعب اليمني ومجريات الحفاظ على وحدته الوطنية وسلمه الاجتماعي واستقراره الداخلي الذي يعد احد مرتكزات الاستقرار في المنطقة بأسرها .. وبفضل التعامل المتوازن الذي اتبعته المملكة والنابع من روح الإخاء وعلاقات الجوار ووشائج القربى والرحم ومسؤولية الشقيق نحو شقيقه فقد أمكن للرياض القيام بدور محوري لاحتواء تفاقم الأزمة اليمنية وبما جنب هذا البلد حالة الاندفاع التي اتسمت بها الأحداث في ليبيا وسورية ليقدم اليمن بذلك تجربة متميزة للانتقال السلمي للسلطة.
ومن المؤكد أن الاتفاق على الآليات والمحددات التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة والتي تم التوقيع عليها برعاية خادم الحرمين الشريفين قد شكل الإطار الناظم لمسارات المرحلة الانتقالية والمهام التي يتعين انجازها في هذه المرحلة وفي المقدمة من ذلك أبعاد الأصابع عن زناد البنادق وإعادة فرقاء العمل السياسي في اليمن إلى مربع الحوار الذي كلل بإجراء الانتخابات الرئاسية التوافقية وتشكيل حكومة مشتركة من المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأحزاب المعارضة ليتحمل الجميع مسؤولية بناء اليمن الجديد بدرجة متساوية لتنتصر الحكمة على طبول الحرب التي أراد البعض إشعالها خدمة لأجندته ومراميه التوسعية.
وهو ما فطن إليه الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي الذين استشعروا من وقت مبكر أن بعض الأطراف الإقليمية الطامحة إلى نشر الفوضى في المنطقة لن تتوانى عن استغلال أية فرصة لإحباط مسارات التسوية السياسية للازمة اليمنية فعملوا على ردم كل الفجوات التي كان يمكن أن تتسلل منها تلك الأطراف المتربصة التي حاولت إفشال المبادرة الخليجية تارة بالغمز واللمز بأن هذه المبادرة جاءت لتخدم طرفا على حساب الطرف الآخر وتارة باللعب على وتر التجاذبات وإثارة الخلافات بين القوى السياسية اليمنية بهدف جرها إلى مستنقع التصادم من جديد.
ولاشك أن المملكة العربية السعودية قد أيقنت قبل غيرها أن ما تحقق من تقدم على الصعيد السياسي في اليمن هو قابل للانتكاس في أية لحظة ما لم يعمل جميع أصدقاء اليمن على تبني خطة للنهوض بهذا البلد اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا وبما يمكنه من استعادة عافيته واستقراره وتجاوز كافة معضلاته ومشكلاته التي تفاقمت بشكل متصاعد وكارثي بفعل الأحداث الملتهبة التي شهدها مطلع عام 2011م.
وليس بغريب على المملكة مثل هذا المواقف الأخوية الصادقة تجاه اليمن فالمتابع لمسيرة العلاقات بين البلدين سيجد تماما أن المملكة لم تتأخر يوما عن تقديم ما تحتاجه جارتها الشمالية من دعم وعون واسناد في كافة الظروف والأحوال وقد تجلت ملامح هذه الحقيقة بأنصع الصور في تلك التحركات التي بذلتها القيادة السعودية من اجل الترتيب لانعقاد المؤتمر الوزاري لمجموعة أصدقاء اليمن الذي استضافته الرياض في النصف الثاني من شهر مايو الماضي.
ورغم أن ذلك المؤتمر كان بمثابة منتدى سياسي لتقييم عملية الانتقال السلمي للسلطة في اليمن فقد حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين على الإعلان في هذا المنتدى عن تقديم المملكة مبلغ 3.25 مليار دولار أمريكي لدعم جهود التنمية في اليمن حيث أرادت بذلك الإعلان الاستباقي تحفيز كافة الدول والمؤسسات المانحة التي ستجتمع نهاية الشهر الجاري بالرياض إلى رفع مساعداتها وإسهاماتها في خطة الإنقاذ التي يحتاجها اليمن الذي يعاني من أقصى درجات الفقر والبطالة فضلا عن تدني المستويات المعيشية لمواطنيه الذين تضاعفت متاعبهم في الفترة الأخيرة بفعل التأثيرات القاسية الناجمة عن تداعيات الأزمة السياسية والحرب على الإرهاب وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين من الصومال والقرن الأفريقي إلى الأراضي اليمنية وبما يسمح لهذا البلد على اقل تقدير من تنفيذ خطته قصيرة الأجل والتي يسعى من خلالها إلى استعادة استقراره السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي والتغلب على كابوس الانهيار الذي يطارده والدخول لمرحلة من التوازن تسير به نحو المستقبل الآمن والمزدهر.
وما لم يتحقق هذا الهدف من مؤتمر المانحين فإن الحلول المطروحة لمشكلات اليمن ستبقى ناقصة أو منقوصة.

قد يعجبك ايضا