ثقافة السلاح

نبيل نعمان


نبيل نعمان –

نبيل نعمان
> تعد ظاهرة السلاح في اليمن أحد أكبر المشاكل التي تحول دون إحداث تغيير جوهري في بنية المجتمع والسير به في اتجاه النمو والتطور.
لقد غدا تمجيد عادة حمل السلاح خلال السنوات والعقود الماضية بل والدفاع عن هذه الظاهرة بمثابة ثقافة راسخة لدى أجيال متتالية تسلحت بالكلاشينكوف وأخواتها بدلا من التسلح بالعلم والمعرفة وتشرب مبادئ وقيم المدنية من حرية وديمقراطية وعدالة ومساواة وتكافؤ فرص وغيرها حتى أضحت هذه الثقافة أصيلة لدى الكثيرين تتجلى في المنطق كما في الممارسة.
عقود من تجميد حمل السلاح أضر كثيرا بمسار التطلعات المتواضعة.. تنموية وسياسية واجتماعية.. كون الثقافة الجامعة للمشروع النهضوي تضمحل وتتقلص حد التلاشي مقابل طغيان ثقافة السلاح ليغدو نصيب الفرد منه ثلاث قطع موزعة بين الخفيف والمتوسط والثقيل وهو أعلى نصيب فرد يحققه اليمني على ما عداه من مؤشرات ومراتب في جوانب حياتية كثيرة.
فلا غرابة والحال كذلك أن تفشل العديد من المحاولات لمنع أو حتى تقنين مظاهر حمل السلاح في المدن الرئيسية لأن الحاضن والحامل لهذه الظاهرة بات متأصلا في العقول منتجا ثقافة مغايرة لا تدعم أي توجهات مدنية وكابحة لأي محاولات تمهد الطريق إليها عوضا عن كونها معوقة لكل نهوض أو تنمية تبعا لما تشيعه من حالة اللااستقرار الدائم.
الآثار المترتبة على ظاهرة حمل السلاح كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية و وحتى فكرية إذ يغدو المسلح فاقدا للتفكير السليم والسوي لا يجد الحلول إلا بتحسس كتفه أو جنبه وفي أحسن الأحوال وسطه ينتشل منها أداته التي باتت تفكر بدلا عنه وتحيله إلى شخص مسلوب الإرادة والتفكير في صياغة حلول منطقية وعقلانية.. ولطالما تجد أناسا يتحدثون بعد وقوع الكارثة بأنهم فعلوا ذلك وهم مسلوبو الإرادة لأن السلاح يعطل الملكات العقلية السوية.
الحديث عن نبذ حمل السلاح وتركه في البيوت وتوق البعض ممن أدمنوا عليه.. التخلص منه والتحدث بدونه بل والتحرر منه.. ربما نعم أنه ينم عن رغبة لكنه لا يعني تحولا جوهريا في الثقافة لأن لا شيء حتى الآن يؤشر إلى إمكانية حصول ذلك بالنظر إلى كون تغيير العقول يحتاج إلى عمل دؤوب وعميق لتغيير هذه الثقافة .. هذا في حال ما توافرت الإرادة الذاتية لدى الناس أولا وأخذت الدولة زمام المبادرة في ترسيخ وإعمال لقانون وإشاعة ثقافة مغايرة تنبذ حمل السلاح.
إن المآسي التي خلفتها هذه الظاهرة لا تعد ولا تحص في أوقات الأزمات أو في أيام الاستقرار فوراء محل قطعة سلاح مأساة أو جريمة تجر وراءها ويلات وويلات من ثارات واقتتال وغيرها وهذا وحده يكفي لجعل هذه الظاهرة ممقوتة ومستهجنة ولا يمكن القبول بها اليوم في وقت تصاعدت فيه دعوات قيام الدولة المدنية في بناء الدول هناك أمور أساسية قبل الحديث أو السير في خطوات التحول والنهوض لا بد من إيجاد الحلول لها والسلاح في اليمن يدخل في هذا الإطار إذ أن تسوية الطريق للدولة المدنية يبدأ من هنا.. من تغيير ثقافة حمل السلاح وهو أمر ليس بالهين لكنه بات ضرورة حتمية إذا ما أريد لأي مشروع أن ينجح سواء أكان اقتصاديا أو تنمويا أو سياسيا أو اجتماعيا.
إزالة المعوقات والكوابح عن طريق المستقبل بداية المشوار إلى الدولة المنشودة ونبذ ثقافة السلاح أولا لأن الحرب والسلم يبدأ في عقول الناس كما يقول ميثاق الأمم المتحدة فهل ستتحول الدعوات لنبذ حمل السلاح إلى ثقافة تستطيع أن تكون حاملا للمشروع النهضوي الذي ننشده لمستقبلنا في اليمن¿

قد يعجبك ايضا