أملنا في التغيير
علي ربيع
علي ربيع –
إن التغيير الاجتماعي لن يكون بالسهولة التي يعلبها للاستهلاك الجماهيري مجمل الخطاب الإعلامي فهناك إرث قرون من السطو على إرادة الإنسان وتغييبه والخطورة الحقيقية ـ مع هذا الميراث الهائل الذي يحفل به الوعي الجمعي ــ تكمن في أن يصبح فعل التغيير رهنا لمشيئة القوى الاجتماعية التي تدعي وصايتها على هذا الميراث لأنها تعتقد أن بقاءها يستند في الأساس على مدى إخلاصها في الذود عن هذا المقدس التاريخي. > وما يحدث الآن في واقعنا السياسي ليس سوى سباق محموم بوعي أحادي واحد تتصارع أجنحة قواه المتخلفة للهيمنة على أكبر قدر ممكن من هذا الموج المتلاطم من الأميين وأنصافهم وأرباعهم وهذا في مؤداه النهائي ليس سوى عبثية الديمقراطية على أرضية معطيات واقع كهذا وليس غير لأن الأغلبية حين تمنح أصواتها لا تبحث عمن يتجاوز بها واقعها الاجتماعي بقدر ما تبحث عن السلطة التي تهادن منظومتها الثقافية والاجتماعية وتتصالح معها. > ومن هنا دأبت النخب المثقفة والسياسية على استساغة أوهامها لتمارس انتهازيتها واستغلالها وتطور من أساليبها الخداعية لجماهير المستضعفين بدلا من تقديم العون والأخذ بيد المجتمع نحو واقع جديد ينتصر فيه لعقل الفرد وإرادته من خلال بنائه معرفيا وعلميا وصولا إلى مجتمع يتمتع بالندية الاجتماعية باعتبار معيار العلم والمعرفة والثقافة الكلية المتساوية. > لا نريد أن يكون الصراع المحتدم في هذا المفصل التحولي من تاريخ اليمن صراعا بين أجنحة الماضي نريده صراعا مصيريا تنتصر فيه إرادة الحداثة الاجتماعية بمفهومها الإنساني على حساب البنية الاجتماعية الراهنة المتغولة والثابتة وما لم يكن ركاب التغيير في هذا الاتجاه فلا معنى لأي نشوة واهمة بالانتصار. > ولابد من التنبه لسيل الشعارات التي تنطق اليوم باسم الحرية عبر خطابات هلامية تكتفي بتأطير معاني الحرية في دائرة البواعث السياسية التي تقف خلفها دون أن تعبأ بالجوهر الحقيقي الذي تدل عليه مفردة الحرية وهي انتقائية عبثية تستصرخ وعينا من هذا الخطر المحدق بالمفاهيم القيمية كما تستلزم تداعياتها حضورا قويا يجب أن تنهض به النخب المثقفة لإحباط عملية السطو مجددا على نتائج فعل التغيير بما يحمله من قيم إنسانية سامية تستهدف في مقامها الأول تحرير الذات الفردية وإطلاق قدراتها الخلاقة. > إن اليمن اليوم على مشارف فعل تغييري لا يكفي فقط الاستبشار به بقدر ما يستوجب العمل الدؤوب لتحقيق مقاصده الحقيقية في تفكيك بؤر الاستحواذ والتملك لإرادة الفرد وتحريره من السطوة الغالبة التي يمارسها اليوم سدنة الميراث التاريخي لتسطيح فعل التحول أو عكس مساارته المنشودة. > فيقينا لا توجد منطقة وسطى بين الدولة واللادولة فإما هذه وإما تلك صحيح أن الزمن لا يمكن أن يعود إلى الوراء لتصحيح أخطاء الماضي لكن هذا هو أملنا في المستقبل هذا هو أملنا في التغيير والمواطنة هذا هو أملنا في اليمن الجديد الذي لا نعرف كيف يمكن أن نصل إليه في ظل تشتت الحاضر وقصور الوعي السياسي في بلد تتعدد فيه الولاءات للشيخ والمنطقة والحزب والأيديولوجيا والدرهم والدينار وقد كشفت لنا الأشهر الماضية كثيرا مما كان لا يطفو على السطح الاجتماعي من أمراض اجتماعية لا تزال تتحكم بذهنية البشر. > إننا نقرع أجراسنا في ظل المتراكم القاسي من هذه الغشاوة ولن تكون مملكة الصمت ملاذنا الأخير وكل أمانينا أن ينتهي هذا المولد العبثي عاجلا فهناك أسر تتضور ومصالح تهدر وأمامنا إرث طويل من التخلف يجب أن نكافح لنخرج من بين ركامه سالمين باتجاه الدولة المدنية والمواطنة المتساوية في العيش الكريم الآمن وفرض هيبة القانون أما السلطة فلا تدوم لأحد فيوم لك ويوم عليك ويوم تساء ويوم تسر.