العمل والنوع الاجتماعي

بقلم: عصام الرجواني


بقلم: عصام الرجواني –
هذه الورقة هي محاولة لرصد طبيعة الفوارق على مستوى تمثل كل من الجنسين لقيمة العمل.. وما هي طبيعة المحددات التي تحكم هذه الفوارق¿ وإلى أي حد يحضر العمل كمحدد للهوية الجندرية لكلا الجنسين¿.

إن العمل بشقيه سواء العمل المأجور أو غير المأجور قد شكل المفتاح الأساسي بالنسبة للدراسات والأبحاث السوسيولوجية حول النوع الاجتماعي. فأنشطة الرجل غالبا ما تأخذ قيمة أكبر من تلك التي نوليها لعمل المرأة وأنشطتها (1). فالمواضيع المركزية التي تثار في هذا السياق هي من قبيل العمل المأجور والرعاية والعمل المنزلي والتي تشكل عوامل رئيسية في تحديد التقسيم الجنسي للعمل وإعادة إنتاج التراتبية الاجتماعية المبنية على أساس الجنس(2). حيث النظرة السائدة هي أن الرجل بهيمنته الذكورية يصادر ويتملك عمل المرأة البيتي غير المرئي والذي لا يتم اعتباره عملا نظرا لعدم مردوديته المادية فالمقابل النقدي للعمل هو الذي يعطي للنشاط الذي يقوم به الفرد معنى وبالتالي فعمل المرأة لا يعتبر عملا من هذه الزاوية(3) كما يتم إقصاء المرأة في سوق العمل عن أنواع معينة من العمل بالإضافة إلى الأجور المتدنية وعدم وصولها إلى مراكز القرار(4).

إن تحليل التباينات على مستوى الآراء ومختلف التمثلات المتعلقة بالعمل على أساس متغير الجنس من شأنه الكشف عن العديد من الإشكاليات المرتبطة بكيفية حضور العمل في تحديد هوية الشباب الجامعي سواء في المرحلة الطلابية بمعنى مرحلة التكوين الجامعي أو مرحلة البحث عن عمل أو حتى تجربة البطالة أو العمل. حيث اكتفينا في هذا المستوى فقط بتحليل المعطيات التي استقيناها من خلال طرح أسئلة كالآتي: ماذا يمثل بالنسبة لك العمل¿ كيف ترى عمل المرأة¿ هل العمل محدد للرجولة¿ ومنه يمكن الحديث عن كون أن هناك تباينات واضحة بين الذكور والإناث تكشف لنا عن تمثلات اجتماعية تمثل بالأساس انعكاسا لثقافة مجتمعية تؤطر مسألة النوع الاجتماعي فمكانة المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية ومكانة الرجل أيضا تتبدى من خلال تمثلات الشباب الجامعي لقيمة العمل.

1. الفتاة الجامعية: بين البطالة والحق في العمل

من أجل فهم تمثلات الشابة الجامعية للعمل لا بد أن ندرج هذا التمثل ضمن سياق المجتمع العام وتمثلاته هو نفسه حول عمل المرأة بشكل عام. ففي تقديرات البنك الدولي بشأن نسبة مشاركة المرأة في العمل بخصوص منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعد منخفضة جدا(5). إن رغبة المرأة الحثيثة في المجتمع الحديث في ولوج سوق العمل تقف وراءها مبررات وجودية تتعلق برغبة المرأة في الوصول إلى نوع من المساواة مع الرجل على المستوى المجتمعي العام. حيث أصبح العمل خارج البيت مسألة محورية وقضية أساسية بالنسبة للمرأة في المجتمع المعاصر وواحدا من العناصر الضرورية لتحقيق الاستقلالية وبناء الذات الأنثوية كذات مستقلة عن التبعية للرجل في المجتمع الحديث(6).

وفي هذا السياق ومن خلال تحليل منطوق الواقع عبر الاستماع لمعطيات البحث الميداني تتكشف لنا رغبة الفتاة الجامعية في تحقيق ذاتها عبر ولوج سوق العمل وإذا كانت البطالة من الناحية الإحصائية يقابلها فترة النشاط فإن المرأة التي لا تتوفر على عمل لا يمكن اعتبارها في وضعية عطالة مادام المجتمع لا يقر بحق المرأة في العمل أصلا لذلك نجد أن الفتاة الجامعية يحكمها هاجس إثبات الذات وتحقيق الاستقلالية وأن كرامتها اليوم مرتبطة بولوج سوق الشغل. فهي إذن أمام تحقيق إثبات حقها في العمل وليس فقط إيجاد عمل ضمن شروط اقتصادية وسياسية صعبة تحكم سوق الشغل بالمغرب. وبالتالي إن لم يكن من حق المرأة أن تعمل فلا يمكن أن نتحدث عن البطالة حيث يمكن القول في هذه الحالة إن وضعية العطالة التي تعيشها المرأة هي بمثابة موافقة التقاليد والقيم والأعراف المجتمعية السائدة. وبالتالي فالعطالة هنا لا تقف خلاف الشغل بل هي خلاف الحق في العمل. بالإضافة إلى عدم مرئية عمل المرأة الذي لا يعتبر عملا لكونه غير مأجور فالمرأة إما عاملة أو ربة بيت معنى أنها ليست في وضعية عطالة وإنما تؤدي دورها الطبيعي في المجتمع وهي أدوار الرعاية والاعتناء بالأطفال والأشغال المنزلية. فأعمال المرأة غالبا ما تكون أعمالا لخدمة الجماعة بدون مقابل وكأنها مفروضة انطولوجيا عليها(7).

وبالتالي فتمثل الفتاة الجامعية هو انعكاس موضوعي لثقافة المجتمع ولذاكرة جماعية تسود فيها الهيمنة الذكورية ويهيمن فيها المنطق الأبوي البطرياركي وبالتالي فالفتاة الجامعية هي أمام رهانات متعددة فيما يخص مسألة العمل بمعنى هي بين رهان إيجاد عمل ضمن شروط سوسيواقتصادية يصعب معها إيجاد العمل ثم رهان إثبات الحق في العمل في مجتمع لازال لا يتقبل عمل ال

قد يعجبك ايضا