لنعش بما نملك لا بما نريد

جمال احمد الظاهري


جمال احمد الظاهري –

دوام الحال من المحال هكذا تخاطبنا الدنيا عبر ايامها المتوالية مذكرة ايانا بين فترة وآخرى أن الدوام الأزلي اختصاص إلهي لا يمت إلى الجنس البشري أو أي جنس آخر بصلة وأن هذه الحال المتقلبة من الفروض الإلهية وليس (السنن) كما يقول آخرين ومن فروض الكونية التداول والتسليم والاستلام وما انتقال الادوار بين الاجداد والابناء والاحفاد إلا الانموذج الاصغر الذي يدل على ما هو أكبر وأوسع تأثيرا منه.
هكذا هي الحياة (دواليك) تسليم واستلام يدرك ذلك القليل من البشر ويتعامى عنه تحت وطأة الضغوط والمغريات الأكثر والأعم فنجد أن هؤلاء لا يعملون حسابا لمثل هذه المسلمات المنطقية وحين يأتي الدور عليهم نجدهم يتشبثون ويستميتون في تعلقهم بما حازوه من جاه وسلطان ليس لأنهم لا يدركون مقادير الخالق وما جبل الناس عليه وقامت الحياة على اساسه وإنما لأن هناك من يمسخ معرفتهم هذه عبر التملق والتبجيل وإضفاء الصفات الإلهية على بعض من يرجون منه منفعة أو خدمة هي في الغالب غير شرعية أو فلنقل أنهم ليسوا من مستحقيها.
لماذا ينزع البعض من بني الانسان إلى هذه الاساليب¿ ولماذا لا يقنع الواحد منا بما هو عليه¿ هذا أمر آخر فبالرغم من عبر التاريخ ودروس السير وما جاءنا من السلف من محاذير لمثل هذا السلوك نجد أننا نقع في ما وقع فيه اسلافنا ونكرر نفس الأخطاء ونعجز أمام المغريات والطمع فنكرر نفس المسلكيات التي نمقتها ونسöف في انانيتنا وانتهازيتنا ونعمل على مسخ كل ما هو جميل من القيم ونعبث بحياة غيرنا ونضلل من ائتمنا واسترشد بنصحنا وكأننا لا نؤمن بغير ذواتنا ونجري مقاديرنا التي هي في الأساس اختصاص سماوي لو اقتنعنا به لنلنا بالطرق المشروعة ما سعينا إليه عبر الزيف والنفاق واختلاق المشاكل والاقتتال .. بل أن البعض لا يعجبه ولا يرضيه أن تسير المقادير عبر الطرق العقلانية السلمية التي ستؤدي الغرض المرجو منها دون اجبار أو إكراه لأحد لماذا¿ لأنه اعتاد على قهر الآخر أو لأنه لا يؤمن بسلمية الحياة واعتاد على إعمال شريعة الغاب فيتغلب عليه السلوك البدائي وكأن ثقافة القرون الغابرة لم تهذبه ولم تؤثر في شخصيته.
النماذج في هذا المضمار كثيرة ولا تقتصر على نماذج الحكم غير الرشيد الذي طغى على تفاصيل حياتنا وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد في حياتنا اليومية من وصل إلى سن الشيخوخة – مرحلة العقم- التي لا تجدي آلياتها نفعا مع ما وصل إليه غيره من الشباب من ابتكار لآليات وطرائق عصرية في القيادة والتغيير لهذا نجده مكابرا يجهد نفسه في تقمص دور الشاب العصري فيحمل نفسه ومن حوله تبعات كان في غنى عنها وعن افرازاتها لا لشيء فقط كي يرضي غروره أو كي يشبع شغفه (البدائي) الذي يحول بينه وبين التحضر في محاولات مستميتة لإقناع الآخرين بأنه ما يزال قادرا وجديرا بالتصدر للأمور وأنه صحاب الامتياز المطلق الذي يقود (القطعان) الجديدة كما يعتقد غير آبه بما وصل إليه الشباب (القطعان) كما يظنهم من فهم وعصرية وتحضر في آلياتهم ووسائلهم ومستوى إدراكهم لما يريدون فيما هم عازمون عليه.
الشباب هم أيضا لا يسلمون من هذا التقمص فنجد أن هناك من يحاول ايهام أو اقناع الغير بأن ملكته وعقله وخبرته تفوق سنه فتجده ينزع إلى مزاحمة الشيوخ فيما هم أهل لتوليه من الأمور فتكون النتيجة أنه أي الشاب يبتدع الحيل ويجترح المشاكل في سعيه لتولي مقاليد الأمور التي لا تناسب سنه وتجربته ومكانته الاجتماعية في سعي محموم لا يردعه فيه رادع غير آبه لما سيصيبه وينال من غيره من الاعباء والتبعات.
لماذا كل هذا ¿ لماذا لا يقتنع الواحد منا بما هو عليه ولماذا لا نقنع انفسنا بوجوب تقبل ما نحن عليه ونساير الحياة بما نملكه وليس بما نريد أن نحوزه أليس هذا من الواقعية ويساير الفرضية الإلهية التي يقلبها البعض جاعلا منها سنة إلهية قابلة للاحتيال عليها¿ ثم متى سنفيق من هذه الغفوة وندرك خطأ ما نحن عليه وندرك أن الأيام دول وأن المتصرف فيها هو الخالق الذي يداولها بين الناس وأن الحياة بأيامها وسنينها تتسع للجميع فلا تزاحم ولا اقتناص فرص من متصاب أو انقضاض من شائب عجوز ونسمح للارادة السماوية بأخذ مكانها بالتي هي أحسن كي نتجنب الخسائر والمحاذير التي تردي.
أليس من الأولى أن تأخذ الحياة دورتها الطبيعية فيعيش الشيخ الكبير المرحلة التي وصلها برضا وقناعة دون مكابرة أو سرقة لمن يليه ويستمتع الصبي والطفل بحلاوة اللهو واللعب بعيدا عن تكاليف الحياة والتزاماتها ويفخر الشباب بعطائهم وقدراتهم دون أن يلاقوا من يكبحهم ويلجم تطلعاتهم المشروعة ويصنعون مستقبلهم الذي يرسمون معالمه بأنفسهم دون وصاية ممن هم أكبر منهم سنا أو مكانة أليس من الأولى بكبار السن أو من أخذ حصته في القيادة والأمر والنهي أن يعترف

قد يعجبك ايضا