مشهد لا يقبل الغبار
جميل مفرöح
جميل مفرöح –
مشهد من الروعة فيه ما يدهش ومن الوفاء ما يعجب ومن الإيثار والتضحية ما يخلب فيه من البسالة والقوة والاعتزاز والنبل ما لا ينقطع ولا يشوبه استدراك أو علة مما يلزم الإجلال والتقدير والثناء.. مشهد فيه من الدروس والعبر والوصايا ما لا يقدر بثمن ولا ينساه الزمن.. فيه ما لا يكاد يقف على وصف أو شرح من الانتصار لقيم والتسامح وحقيقية الانتماء ليس إلى تربة الأرض وحسب وإنما إلى عزة الوطن ونصاعة وجهه وتاريخه المحتشد ببراءات الابتكار وخصوصيات الانتهاج على امتداد مراحله ومنعطفاته وتقلبات أحواله التي تعود بفضل أبنائه وحكمتهم أن تؤول إلى لافتات تكريم وتشريف مهما كانت تلك التقلبات والظروف ضيقة الحدقات وعويصة المخارج.. مشهد يعتمره اليمني تاجا والتاريخ إكليلا نادرا مطرزا ليس بالعقيق اليماني وإنما بالمجد اليماني الذي لا يضاهى رفعة ولا يساير خصوصية..
أعلم وقارئي يعلم أن ما أعنيه من مشهد لا يكاد يجهل أو ينسى لأنه معنى جديد لسلوك متجدöد لا يجيد الاحتكام عليه إلا نحن اليمانيون بكل فخر وبأقصى مدى من الاعتزاز.. إنه مشهد الاحتفال الرسمي البهيج والمبهج الذي اختطف من بين جدران مبنى دار الرئاسة بصنعاء يوم أمس أنظار اليمن كل اليمن واجتذب أحاسيس العزة والافتخار ومشاعر الزهو والبهجة والانتصار من كل شبر وكل نفس في محيط هذا الوطن الذي تنفس الصعداء حين وجد أنه لا يزال في أبنائه من يأبى أن يترجل هذا الوطن بتاريخه ومجمل منجزه عن صهوة العزة والكرامة أو يتجرد من صفات القوة والإباء أو يتبرأ من قيم العدالة والديمقراطية والحرية التي فاخرنا وعلينا أن نظل نفاخر بها جيلا تلو آخر ما امتد الزمان وما تراكمت أسفار التاريخ.. مشهد انتزع الاحترام والتقدير من أحاسيس ومشاعر كل من راقب وشهد وتابع تفاصيله داخل وخارج الوطن داخل وخارج الإقليم الذي لم يتعود كثيرا أو ربما مطلقا على مثله في أروقة وفضاءات السياسة المعاصرة..
أعلم بأن الجميع يدرك أن مغزى ووجهة وصفي وموئل كل هذا الإعجاب الذي أؤكد قصوره ونقصانه هو مشهد احتفال الاستقبال والتوديع الذي تتالت أحداثه ومؤثراته يوم أمس في دار الرئاسة وغزت أصداؤه ولا زالت إلى اليوم وأعتقد أنها ستظل كثيرا تغزو مديد الأنحاء والأصقاع من منابر القرار والسياسة والنظم والأنظمة السياسية والاجتماعية على مساحة كبيرة من جغرافية الاهتمام السياسي والحياة اليومية.. مشهد احتل دور البطولة والبسالة والتماسك والقوة فيه رمزان من رموز هذا الوطن الذي يثبت من حين لآخر أنه لا يزال معطاء عطاء من لا يبخل عطاء من يجود بلا منة حين تتاح المنة.. هكذا وعلى هذه الصورة الخلابة شاء الزعيمان البطلان أن يبدو ويكون في حقيقته المشهد الرائع.. مقدمين بنا كلنا وبوطننا كله هدية سخية وجزاء عظيما وفاء لمن راهن على نجاحنا وفكاكنا من كل ألم بنا وفرادة صفاتنا وسماتنا ودرسا ثمينا قويا لكل من راهن خاسرا حاسراعلى عكس ذلك.
ذلك المشهد الذي قدمه للعالم أجمع الزعيمان المناضلان الأخوان عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية وعلي عبدالله صالح الرئيس السابق هو المشهد الذي لم يكن لي ولغيري أن يتوقع إجادته وتطبيقه بهذا النحو على الرغم مما آمنا ونؤمن به من تجسد للديمقراطية والحرية في أشكالها المعاصرة وهيئاتها النموذجية بأي مستوى من المستويات وأي حال من الأحوال.. لقد أدهشني كما أدهش الآلاف بل الملايين من الخلق داخل وخارج الوطن ذلك المشهد المدني الراقي بكامل تفاصيله حتى أنني حاولت كثيرا أن أتأكد أنه يحدث في وطني في اليمن الغالي الذي يستحقه ويستحق أكثر منه حين يتوفر على رجال لديهم من الإيثار والوفاء ما نلمسه ونعيش على مقربة ومرأى منه في ذلك المشهد التاريخي العظيم.. بل وأكثر من ذلك فقد تأكدت أنه يحدث وربما لمرته الأولى في المنطقة العربية.. وبحضور عدد كبير من رموز ورجالات السياسة وممثليها من بلدان وشعوب أخرى ليجعلني ذلك أزداد طربا وافتخارا وعزة..
تمنيت لحظتها لو أستطيع أن أظهر على العالم كله من أية نافذة بحجم دهشتي وفرحتي لأقول لكل من له أذنان تسمعان.. هذا هو اليمن هذا هو الوطن الذي أنتمي إليه وهذان اليمنيان الأبيان اللذان يتبادلان العناق ونصوص الوفاء والثناء ويتهاديان راية الوطن هما زعيمان عربيان الانتماءيمنيان النبات أي من ذات الأرض التي نبت بها أنا كم تمنيت لو أن الزمن لحظتها يجمعني بمن تجادلت معهم في أكثر من مناسبة وجلسة ولقاء داخل وخارج الوطن وعدوني إما مزايدا أو متعصبا أو مهووسا بحكمة اليمانيين التي لم يدع الزمن بتقلباته وأحداثه وخطوبه ونقلاته ذرة من غبار على وجهها كم تمنيت لقاءهم لأثبت لهم جميعا ما أدعي..
أخيرا.. إنه