التغيير الذي نريد 

علي ربيع



علي ربيع

علي ربيع

رغم وجود النخب المثقفة على قلتها والمكونات الشبابية البريئة من أيديولوجيا الحزبية ضمن ساحات الفعل التغييري في المدن اليمنية لكننا نقول بكل يقين إن القوى الاجتماعية التقليدية القبلية والمناطقية والمذهبية والأيديولوجية الراديكالية هي من تملك اليوم محددات لعبة التغيير وهي في الأساس مشكلة من مشاكل النظام الاجتماعي لأنها جزء منه ومركب أصيل في نسيجه وبالتالي كيف لمن يكون هو الداء أن يكون هو الدواء هل طرأ على هذه القوى أي انزياحات في الوعي تمكنها من الثورة على بنيتها والانقلاب على تاريخ هذه البنية المتجذر لتذوب في مجتمع مدني وحدته الأساس هي الفرد بما له من حقوق وعليه من واجبات أم أن التخلف يثور على التخلف في إهاب جديد¿¿

إن الثقافة الاجتماعية تخلق قوانينها الخاصة وليس العكس أي أن أي قانون مدني لا يمكنه أن يتغلب على الثقافة التي انبثق منفصلا عن معطياتها وبالتالي فالدساتير وأنظمة الحكم والقوانين والتشريعات لا تكفي وحدها لتغيير نمط الوعي الاجتماعي ما لم تكن هذه المنظومة نتاج الوعي الاجتماعي نفسه وانعكاسا لإيمانه بحاجته الاجتماعية لمثل هذا النوع من القوانين والتشريعات. وتأسيسا على هذا فالتغيير يفترض أن يكون مركزا على وعي الفرد لهدم المهيمنات الثقافية على وعيه وتشكيل هذا الوعي من جديد ليفرز ثقافة جديدة تنمو وتتغير بتغير معطيات هذا الوعي أي أنها تصبح ذات بنية ديناميكية تقضي على استاتيكيتها الماثلة في بنية الوعي الفردي والجمعي.

إن اليمن اليوم تتقاذفها اتجاهات عدة نتمنى أن يكون من بينها الاتجاه الذي يحلم به العقل المدني التواق إلى أفق جديد يقف على أنقاض البنى المتخلفة التي تحكمت في حركية التاريخ اليمني ووصمته بالصبغة التي نحن عليها اليوم ومن منطلق يؤمن بضرورة التغيير الاجتماعي أقولها بكل وضوح إن اليمن اليوم مثله مثل بقية الأقطار العربية بحاجة ماسة لثورة حقيقية لإسقاط النظام الاجتماعي الذي يمثل العقبة الحقيقية أمام التغيير صوب عهد الإنسان الخلاق والمجتمع الحي المنتج الذي يكون قادرا على التأثير في الفعل الإنساني والصنيع الحضاري.

وبقناعة مطلقة أقول أيضا إن العلامات المضيئة في تاريخ الأمة العربية على امتداد التاريخ لم تكن نتاجا حقيقيا لإرادة جماهيرية ولا شعبية بل كانت طفرة آنية يصنعها الحاكم الفرد بصفته المهيمن والأب وظل الله والمخول باسم الحاكمية – بتعدد مرجعياتها- لفعل ما يريد والشواهد ملء السمع والبصر للمدقق فالحاكم يهب ويمنح وينجز وبنوعية الوعي الذي يملكه الحاكم تكون هباته في المقام نفسه وفي التاريخ القريب لم يقم العبيد بثورة ضد العبودية في مصر وإنما منحهم إياها محمد علي باشا منة وتكرما على عكس ثورة العبيد في إيطاليا الذين انتزعوا مواطنتهم انتزاعا كذلك لم يثر الفلاح المصري على نظام الإقطاع  في مصر حتى جاء عبد الناصر ووهبهم الأرض وألغى الإقطاع هبة وتكرما بعكس الثورة على الإقطاع في أوربا والسبب في الحالين يعود إلى نوع المهيمنات الثقافية التي تشكل الوعي الفردي وتتشكل به في ظل النظام الاجتماعي ففي الامتداد العربي هناك استاتيكية ثقافية متعاضدة مع بناء اجتماعي لا يسمح لها بالحركة.

إننا حقيقة أمام واقع سياسي محتقن أشعله حماس شباب لديهم كل الحق في تحريك سواكن الواقع الاجتماعي شباب جرفتهم يوتوبيا الثورات العربية وحمى التغيير إلى فضاء مغلق حتى الآن والمعطيات تقول إن القوى السياسية  الناقمة على النظام  هي التي تتسيد الموقف وتدفعه ولم تعد الوطنية وحب التغيير سوى شماعة صدئة تعلق عليها هذه القوى أهواءها وتصفية حساباتها المسألة لم تعد مسألة حرص على اليمن ولا قضية ولولة عليه لقد أضحت قضية غرماء وحدهم غريم واحد وفي ما عداه فإنهم مختلفون في كل شيء فهل بالفعل هم قادرون على العبور باليمن إلى شاطئ آمن أم أن سقوط النظام لن يزيدهم إلا اختلافا وفرقة نأمل العكس وإن غدا لناظره قريب.

فالتغيير الذي نريده ليس تغيير النظام وحسب بل نريد تغيير منظومة الثقافة الاجتماعية التي تتحكم فينا منذ قرون ثقافة الأب المهيمن في محور الدائرة والشيخ المتحكم في القطيع نريد أن يكون المحور لسيادة الدولة والقانون وحسب لمجتمع مدني كامل المدنية لا تتحكم به إيديولوجية حزب ولا مزاجية فرد التغيير الذي نريد لا بشرى به ولا مرحبا إن كان سيأتينا على جثث الآلاف ودمائهم فلا يجب أن  تكون الكلفة  دما وأشلاء ولا صراعا قد يمتد لسنوات تأكل كل أحلامنا الوردية في اليمن الجديد الذي نؤمله من فعل التغيير.

والطريق ليست مسدودة كما يتخيلها من يريدها كذلك فقط يجب أن يحضر العقل بسرعة إن كان لا يزال ثمة عقل ويستعيد نشاطه ليفرض براءة اختراع أخرى نحو التغيير السياسي المفضي إلى تغيير اجتماعي مؤهل لتداو

قد يعجبك ايضا