جمر الكتابة

محمد القعود

محمد القعود –

لأنك مثخن بطقوس الكتابة..
ومشتغل بهمومها النبيلة
وموغل في تضاريسها المتعبة/المغرية
تجد نفسك فجأة وقد قررت أن تترجل عن صهوة الكتابة لتغسل من أعماقك كل غبار التعب ولتضمد كل الجراح التي احتلت مساحة شاسعة من أعماقك من جراء الكتابة .. ولتخرس كل أصوات الألم وأصداء الشجن التي تضج بها أوردتك والتي منحتها معاناة الحرف حرية البوح بكل طبقات الصوت.
> تقرر لحظتها أن تفر من الوقوع – الدائم- في أسر الكتابة نحو وجهات كثيرة للصمت .. نحو برار واسعة مترفة بالسكينة .. نحو أمكنة عديدة ينتحر فيها الضجيج.
إنها لحظة نادرة تغريك بالاستسلام لها وإعلان العصيان عن مواصلة الاحتراق في حضرة الكتابة والركض المحموم والنزيف المتواصل في دروبها المليئة بغصات التعب ومتاهاتها الشائكة بالأسى والذهول..!!
> إنها لحظة مغرية للتنفس برئة خالية من غبار الهموم والوجع وبارود الأسئلة.
> لحظة نادرة تشدك إليها أهداب الحقيقة التي تحرضك أكثر على تفجير قرارك وتوقيعه ببصمة الإصرار.
> إنها لحظة مكللة بالبراءة أضاءت لك أشياء كثيرة لتتأملها ببصيرة نافذة.
لقد صببت رحيق قلبك لتفوح وتتفتق أغصان الكتابة برؤاك وأحاسيسك ومشاعرك المنتمية إلى البقاء والضوء والفرح.
وأحرقت دمك في مصباح الكتابة لتضيء كل ما حولك بصورة متوهجة ومشرقة بكل ما هو رائع وجميل .
> ولكن في احتراقك الدائم ونزيفك المتواصل هذا في تضاريس الكتابة الملغمة بالمواجع وفتنة الارتحال في مجاهلها والتوغل في آفاقها.
ماذا حصدت من مواسمها وماذا قطفت من أغصانها..¿
ماذا كان الصدى من هذه الكتابة..¿!
ألم تقطف التعب وتصبح مدمنا عليه… ألم تتضرج حياتك بألوان المواجع والمرارة..¿!
ألم تلق عواصف القبح تبارز أغاني براءتك..¿!
ألم تغرق في وحشة الألم وأنت بوابة الضوء نحو إشراقة الفجر وأغاريد المحبة والفرح..¿!
> قررت أن تعلق فوق مشجب النسيان عشقك للكتابة .. وأن تعلم أصابعك حياكة الصمت بدلا من حياكة الحروف.
وأن تنفي رغبتك بالكتابة إلى ظل بعيد .. علك بذلك تلتقط أنفاسك وتكف عن مواصلة إدمانك لحريق الدم والتعب.
> ولكنك في منفاك الاختياري تجد نفسك محاصرا بالحنين إلى عشقك الأول .. كأنك كنت كالمستجير من الرمضاء بالنار..
حاولت التوقف لبعض الوقت لتستريح فوجدت راحتك في مواصلة تعب الكتابة وإدمانك لهمومها..
ولحظتها تهب كالمذعور لترتمي في نحر عشقك بشوق كل العصور وتعانق أصابعك الحروف وتتلذذ – كما كنت – بجمر الكتابة!!.