موضة الشارع 

حمدي دوبلة



حمدي دوبلة

حمدي دوبلة

الأمر ليس عسيرا ولا يتطلب الكثير من الجهود والتضحيات.. وما على كل طامع في السلطة للوصول إلى مبتغاه سوى التوجه إلى الشارع والعزف قليلا على الأوتار الحساسة لمرتاديه البسطاء ودغدغة عواطفهم وقرع طبول معاناتهم ودفعهم للخروج عن المألوف وبالتالي اتخاذ دماء وأشلاء بعضهم جسور عبور مشرعة لتحقيق عظيم الطموحات.

هكذا للأسف الشديد بات ينظر بعض الساسة هنا وهناك إلى شئون الحكم والسياسة وطرق ووسائل تنفيذ أجندة وأهداف الأحزاب والتنظيمات أو على الأقل استثمار “موضة” الشارع لتحقيق أقصى درجات الاستفادة والتكسب السياسي.

وهاهم أرباب العمل الحزبي في السلطة والمعارضة على حد سواء يتبارون في العلن لمحاكاة هذه “الموضة” وبطلها الشارع المغلوب على أمره والمثقل بكل صنوف المعاناة في معادلة عكسية تلغي نهج الاقتراب من هموم الجماهير ومشاكلهم والظفر بتأييدهم الأعمى لهذا السياسي أو ذاك تبعا لما يقدمه من برامج وحلول وليس النفخ في “كير” تلك المعاناة والعمل الدؤوب لتوسيع نطاق البؤس والألم لتأجيج النقمة والغضب على الأوضاع القائمة حتى يصبح البؤساء أمواجا هائجة تأتي على كل شيء ويسهل ركوبها للوصول إلى المآرب والهدف من أقرب وأيسر الطرق.

وأخشى ما أخشاه أن تصبح “موضة” الشارع نهجا سياسيا معتمدا لدى الأحزاب والحزبيين الذين سيذهبون ووفق مقتضيات هذا النهج “السهل” إلى العمل فقط على تهييج وبث كل ما يمكن أن يزيد من نقمة وغضب الشارع على النظام القائم.. وتكمن الخشية هنا وفي إطار ممارسة هذه الموضة أن يركن السياسيون إلى الخنوع والاكتفاء بمهام صب الزيت على النار والتمترس خلف الأبواب المغلقة في انتظار ما ستؤول إليه تطورات الشارع وترقب الانزلاق الكبير في مهاوي الفتن والفوضى وتخلخل النسيج الاجتماعي وطغيان شريعة الغاب واستثمار هذه المشاهد وتضحيات المساكين للقفز في الوقت المناسب إلى الواجهة والظفر بالكرسي المنشود حتى وان كان هذا الكرسي في ذلك الوقت هيكلا متهالكا وليس أسفله حينها سوى الخراب والدمار والمزيد من الإشكاليات التي تستعصي على الحلول والمعالجات.

نعم إنها إرادة الشعب التي هي من إرادة الخالق العظيم الذي بيده ملكوت كل شيء والذي “يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء”.. فهل من المعقول أن تصبح هذه الإرادة المقدسة ألعوبة بين أيدي الساسة يتلاعبون بها كيف ما يشاءون.. والوسيلة المتاحة للضغط والمناورة والكر والفر بين خصوم العمل السياسي وتكتيكاتهم الدائمة لتحقيق الانتصارات والمكاسب¿!.. وهل من الأخلاق في شيء أن يتبارى السياسيون والحزبيون في ميدان “الرقص” على الآلام لإطراب عقول المساكين واستثمار وتوظيف تلك المعاناة وذلك البؤس لصالح هذا الحزب أو ذاك التنظيم¿! أليس الأحرى بسياسيينا أن يقفوا وقفه صادقة مع الجماهير والتعامل معها بما يليق من الاحترام والتقدير¿!

إن شعبنا اليوم بحاجة ماسة إلى من يعينه على مواجهة الأعباء وإيجاد الحلول المناسبة لمشاكله وانتهاج السياسات الحكيمة للنهوض به وتحسين ظروفه المعيشية ورفع صنوف المعاناة من على كاهله المثقل ويعول الكثير على قياداته وسياسييه للوصول إلى هذا الهدف الذي لن يتحقق على أرض الواقع إلا بتكاتف الجهود وحشد الطاقات وجعل مصالح الوطن ومواطنيه فوق كل اعتبار ولا يحتاج هذا الشعب الذي عانى الكثير من الصعوبات والمشكلات على مر العصور إلى مزيد من المعاناة ولا إلى من يعزف ليل نهار على أنينه المتصاعد لجني المزيد من المكاسب والمصالح الحزبية الممقوتة والضيقة.

قد يعجبك ايضا