تأملات :الشجرة الحزينة 1-2
محمد عبدالماجد العريقي
محمد عبدالماجد العريقي
محمد العريقي
قبل أن تدخل قرية (ارتل) جنوب غرب أمانة العاصمة ستشاهد مزارع صغيرة متناثرة هنا وهناك في تلك المساحات المحدودة تقف أشجار الفرسك والرمان والبرقوق كغرباء وأقلية مطوقات بشوارع اسفلتية ومباني من الأحجار الخرسانية القاسية والبلوك الأسمنتي المتحجر والسيارات الحديدية المساهمة بالإزعاج والضوضاء ومع ذلك فإن تلك الأشجار التي افتقدت الحنان والرعاية حتى ممن يمتلكها فتبدو صامدة على تربة صلبة بدون أي خدمة هناك بيئة مصغرة بيئة السعادة والهدوء.
لم تبال العصافير الصغيرة من ضجيج السيارات حول تلك المزارع تراها تسرح وتمرح من شجرة إلى شجرة ومن غصن إلى غصن وتطلق أصواتها الجميلة منادية لبعضها البعض حتى الكلاب لم تهتم بحركات الناس فتراها هي الأخرى تقفز وتركض من مكان إلى آخر بحثا عن بقايا أطعمة يحضرها بعض الزوار الذي يأتون ليتنفسون الهواء النقي تحت الأشجار.
جلست مع أفراد أسرتي ذات يوم تحت ظل الأشجار هنا فمر من أمامنا مسنا من سكان تلك المنطقة فقلت له :
لماذا هذه المزارع مهملة وتربتها يابسة قال لي :
من قال لك أن هذه مزارع .. هذه بقايا أرض زراعية كبيرة كانت بدايتها في ميدان السبعين حتى قرية (ارتل).
الآن هذا ما تبقى السكان أغرتهم الأموال فباعوها أراضي سكنية ويواصل يقول :تصور كنا زمان نحرص على تسوير مزارعنا ونحافظ على أشجارنا ونجني ثمار ونبيع ومرتاحين الآن الكثير ممن يملكون الأرض الزراعية هم بأنفسهم يذهبون إلى الجهات المختصة يطالبون بإنزال مخططات بشوارع جديدة وكبيرة من أجل أن يبيعوا الأرض بمبالغ كبيرة .
بعد هذا كله نقول نحن نعيش في اكتئاب وإحباط ونكاد نختنق من الضوضاء والفوضى وتيبس الفكر والتفكير وارتفاع نسبة الحمقاء والنكد .
طبيعي أن يحدث هذا والمساحة الخضراء تتقلص من أمام أعيننا لا يمكن أن يبدع الإنسان ويعيش هادئا وصافي الذهن ورصين الطباع بدون أشجار وطبيعة خضراء ومياه وجو نظيف .
حتى المدن الخليجية التي نصبت وسط الصحراء استجلبت لها التربة والأشجار من باكستان والهند وحولوا لها مياه البحر بمليارات الدولارات .. وقالوا عندنا أشجار وحدائق ومتنزهات .. هذه أشياء ضرورية للعقل والروح والعين والصحة .
الخبراء يجمعون أن زرع الأشجار يؤدي إلى تحسين نوعية حياة الناس وإلى جعل المجتمعات أكثر سعادة .
تقول ما رجريت ليبسكومب مديرة البرامج الحضارية في مجلس الأشجار في بريطانيا أن الأشجار تساعد على خلق أنماط من الحياة أكثر صحة وتجعل الناس أكثر هدوءا .
هذا في بريطانيا ..ما عسانا نحن نقول وقد تركنا التغني ( بالماء والخضرة والوجه الحسن).