في تداعيات الخارطة القومية 

طه العامري


طه العامري

طه العامري
 

من المحيط إلى الخليج يتجه الوطن العربي بكل مقوماته المادية والمعنوية والحضارية إلى مربع (الفوضى) هذا ما توحي به كل المؤشرات الراهنة وبالتالي يكذب وواهم من يقول أن ما يجري تجسيد عن بدء تداعيات (التغير والإصلاح) ..!!
 
لكنها (الفوضى) بأنصع صورها تفرض نفسها كما يبدو على واقعنا القومي والقطري بدءا من (تونس) التي قلعت شجرة (الديكتاتورية) كما يقال ولكن زرعوا بدل شجرة (الديكتاتورية) غابة من أشجار (الديكتاتورية) الجديدة القادمة على اكتاف رواد التغيير فقانون (الاجتثاث) الذي بدأ في العراق وها هو يحط رحاله في (تونس) لا يدل على أن هناك تغييرا أو إصلاحا يمكن الرهان علىهما ولكن ما نراه هو ولادة مراحل جديدة من (الفوضى) هي أشد قساوة من (الدكتاتورية) وهذا ما قد يتضح في قادم الأيام وإن كانت أحداث تونس الدرامية قد أثارت إعجاب بعض (الواهمين) للأسف الذين سيدركون قريبا أن تداعيات المشهد التونسي لم تكن نتاجا لحاجة تونسية ولا تعبر عن نزق الجياع وسخطهم من النظام السابق وإن   أوحت الصورة بهكذا قناعات لكنها في المحصلة تعبر عن حاجات محورية سيدفع ثمنها الشعب العربي في تونس وها هي أحداث لبنان توشك أن تدخل المشهد التونسي في غرفة العناية الفائقة إن لم نحصد ثمار هذا المشهد (فتنة) تمزق أواصر النسيج الاجتماعي التونسي ما لم يعد المشهد الجزائري الذي برز على إثر انتخابات العام 1991م تجديد نفسه في تونس وإن بصور متفاوتة ..!!
ربما يعطينا المشهد التونسي دليلا وحيدا وهو سقوط (المعارضة العربية) وفشلها في السيطرة والتحكم والتوجيه بالشارع العربي وتلك حقيقة وحيدة نستشفها من أحداث تونس ما عدا هذا فليس هناك ما يمكن وصفه بالإيجابي في هذه الأحداث التي تؤكد حقيقة إفلاس النخب العربية وعبثية الشارع العربي خاصة حين يصل الحقد مداه من خلال الرغبة بتصفية كل من كان له علاقة بالماضي ولم يبق غير أن يطالب هؤلاء الشعب التونسي بالانتحار لأنه ترك النظام يحكمه طيلة هذه السنوات وهذه الثقافة تعبر عن حالة اغتراب بين النخب التي تولت إدارة الاحداث ووطنها وشعبها فالديكتاتورية يفترض معالجتها بالديمقراطية وإن كان النظام السابق قد عمل على اقصاء بعض القوى السياسية فإن المفترض أن يكون القادمون الجدد أكثر وعيا وديمقراطية وإلا فلا فرق بينهم وبين من سبقوهم خاصة وها هم يعتبرون الحزب الحاكم بكل جذوره الشعبية حالة (نكرة) ومطلوب رأسه وهذا السلوك لا يدل على أن القادمين ديمقراطيون إن لم يكونوا أكثر سوءا من السابقين.
إن للوطن العربي قوميا وقطريا خصوصيات ثقافية وحضارية واجتماعية وهي خصوصيات شكلت بتراكماتها الثقافية والحضارية سياجا حاميا لكل أطياف الفعل المجتمعي وبالتالي فإن (الهرولة) خلف مفاهيم (الغرب) الداعية إلى (التغيير والإصلاح) وهذه المفاهيم قد تنطبق وتنسجم مع عديد من المجتمعات لكنها قطعا لا تنسجم مع المجتمعات العربية بما فيها تلك التي قفزت قفزا لتأخذ بثقافة التقدم والتنمية ( الغربية) والتي تندرج اليوم في أجندة الأزمات العربية مثلها مثل أي قطر عربي آخر بدليل أن لا فرق بين تداعيات المشهد (اللبناني) وشقيقه (السوداني) ولا فرق بين ما يحدث في (تونس) وما قد يحدث في هذا البلد العربي بما قد حدث في (الجزائر) بذات النسق لا فرق بين ما يحدث في (اليمن) وما قد يحدث في دول الخليج العربي كذلك لا فرق بين ما تعيشه (الصومال) وما تعيشه (العراق) بذات الفرق لا يمكن التفريق بين ما يحاك ضد (مصر) وما قد يحدث لـ(سوريا) إن ظلت نوازعنا تأخذ بـ(موضة التغيير) الممنهج بدافع نشر (الفوضى) وحسب فما يحدث على الخارطة القومية ليس له علاقة بالإصلاح والتغيير وحتى (الديمقراطية ) كفكرة إن أخذنا بها وفق المفاهيم (الغربية) فإنها لن تكون علاجا لواقعنا العربي قوميا وقطريا بقدر ما ستعمل على تراكم المزيد من الاحتقانات ونشر المزيد من الفوضى والصور والتداعيات السلبية في مرحلة فقدان وعي على خلفية النزوع الفوضوي للتغيير حتى غدا (الانتحار) بمثابة (موضة) فعلها البعض وراح يقلدها البعض الآخر فيما وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة تعمل بدورها على تسويق مثل هذه الأفكار لدوافعها الخاصة نعم حتى وسائل الإعلام لم تعد تتعاطى مع الظواهر السلبية والإيجابية بقدر من الحيادية والمهنية والمصداقية بل غدت توظفها للأسف لخدمة أهداف سياسية يدركها كل مواطن عربي .. على خلفية كل ما سلف فإن الوعي العربي والنخبوي تحديدا بحاجة إلى مراجعة ذاتية ونقد ذاتي ووقفة مسئولة لمراجعة كل المفاهيم والقناعات بعيدا عن الدوافع والحسابات السياسية وبمعزل عن نوازع ورغبات الثارات السياسية والعقد الحزبية وبعيدا عن اجترار ثقافة (الماضي) بكل صوره السلبية والإيجابية بل على الجميع الانطلاق نحو آفاق حضارية جديدة مسئولة تعبر وتجسد حقيقة التغيير الذي لا يقتصر في الجانب السياس

قد يعجبك ايضا