تأملات.. المؤتمر الوطني للمياه.. مزيدا من التركيز
محمد عبدالماجد العريقي
محمد عبدالماجد العريقي
محمد العريقي
< تشكل في الفترة الأخيرة وعي وتشخيص موضعي وعلمي مستوعب للمشكلة المائيه في اليمن من منطلق الإلمام بالمعطيات الطبيعية والديموغرافية حتى تبلور مصطلح جديد يعطي الأزمة المائية بعدها الحقيقي والمتمثل في (أزمة إدارة.. قبل أن تكون أزمة موارد) وعلى هذا الأساس فإني أرى في العنوان الذي ينعقد تحته المؤتمر الوطني للمياه الذي يبدأ أعماله اليوم ولمدة ثلاثة أيام متتالية (المؤتمر الوطني لإدارة وتنمية الموارد المائيه في اليمن) عنوانا واقعيا وبالوقت المناسب.
والمؤمل بل والمفترض أن يرتقي هذا المؤتمر بمخرجاته إلى مستوى التنفيذ العملي حيث تصبح هذه المخرجات بمثابة أجندة عملية تنفذ من قبل الحكومة وكل مؤسسات وأفراد المجتمع بفترات زمنية متلاحقة خاصة وأن هذا المؤتمر قد أعد له منذ وقت مبكر بالاستعانة بمركز مشهود له بالمنهجية العلمية (مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية) وبدعم من الجهات المعنية ومنظمات مانحة وبمشاركة أطراف عدة وبحضور رفيع وإدارة لجلساته من قبل شخصيات كبيرة بحيث يكون مؤتمرا للبحث عن حلول ووضع النقاط على الحروف بمزيد من التركيز والتحديد.. أما ما قيل وما كتب عن قضية المياه فقد قرأنا وسمعنا الكثير فالمشكلة لم تكن بعيدة عن اهتمامات المختصين والمهتمين بهذه القضية بل إن التنبيه برز منذ أكثر من ثلاثين سنة عن خطورة سوء استخدامها وتنامي العجز بين ما هو متوفر وبين الطلب الحقيقي الذي يغطى من خلال السحب المفرط من المخزون الجوفي الذي تجمع على مدار آلاف السنين في أكثر من أربعة أحواض مائية بعضها نضب كحوض (تعز) وبعضها يرسل مؤشرات بحتمية النضوب إذا ما استمر السحب بهذه الكميات دون تعويض مثل (حوض صنعاء) ناهيك عن أحواض أصابها التملح مثل حوض (تهامة والمكلا).
بل إن النزاعات التي قد تصل إلى حد استخدام السلاح بين بعض أفراد التجمعات السكانية بسبب مصادر المياه (والجهات الأمنية مطلعة على هذا الوضع ولديها تفاصيل كثيرة بهذا الشأن مرورا بتنامي التجمعات السكانية الحضرية (مدن كبيرة) معظم سكانها .. من الريف هجروا قراهم وتركوا مهنتهم كمزارعين بسبب شحة المياه ورحلوا إلى المدن فحدث الخلل في التركيب الديموغرافي وتشكلت موجات الضغط على مصادر المياه في المدن ودمرت بسبب الإهمال بالريف وما زاد الطين بلة.. هو أن الموارد المتاحة من المياه السطحية والجوفية في الريف توجه لري القات على حساب المحاصيل الزراعية الغذائية فتقلصت مساحة الأرض التي تنتج الجبوب.
وما يزيد الأمور تعقيدا هو أن هذه الثروة الحياتية تتعرض لسوء الاستخدام والاستنزاف والتلوث وتعجز التشريعات الرسمية من ضبط جنون الأنانية والاستهتار مما يكشف عن أن هناك فجوة أو حلقة مفرغة لم تقم بدورها في تطبيق هذه التشريعات.
كل هذه المعطيات جعلت الصورة المائية نقية وواضحة للعيان وتم تداول تداعيات تجاهل خطورة هذه القضية في أكثر من لقاء وعقدت من أجلها العديد من الندوات وورش العمل وتحدثت عنها الصحف وكل وسائل الإعلام وأنشئت من أجلها وزارة وهيئة ومؤسسات ومع ذلك فالأمور تزاداد تعقيدا وهذا طبيعي في ظل زيادة الاستخدام من قبل سكان يزيد نموهم سنويا بنسبة 3%.. موارد مائية محدودة كانت تريح وتلبي طلب 7 ملايين من السكان قبل أربعين سنة تقريبا أما اليوم فنحن أكثر من 24 مليون نسمة والمستقبل حافل بالمزيد ولا بد أن يعيشوا «يشربوا وياكلوا» من هذا المورد.. وهنا نبحث عن الحكمة والإدارة والإرادة.. وليس هناك مستحيل أمام التدبير العقلاني للإنسان