مشاهد يومية إخراج : عبدالرحمن عبسي 

عبدالرحمن بجاش



عبدالرحمن بجاش

{ ماذا حدث¿ هل معقول ما حدث¿ هل من المعقول أن تصل الجرأة بإنسان إلى درجة أن يقدم على قتل أبويه¿ إöذا فهو زمان ماذا نسميه¿ سموه أنتم وعلينا معرفة الأسباب.

لم أكن أتخيل ولا أتمنى ولا أتوقع ولا يمكن حتى مجرد أن أسمح لنفسي أن أعد سيناريو لنهاية جاءت فاجعة لöرجل فنان دمث عامل صامت بل يكاد يكون بل هو كذلك أحد أعمدة إذاعة صنعاء الرئيسية وكم هي الأعمدة التي تهاوت في المكان لكن بنهايات وأقدار طبيعية لا أحد يعترض عليها لكن أن ينتهي الفنان عبدالرحمن عبسي هكذا فهي الصاعقة النازلة على الرؤوس وسحقا لزمن عنوانه قتل الأبناء لآبائهم!!

وعبدالرحمن عبسي هو الاسم الذي طالما شنف آذاننا «إخراج عبدالرحمن عبسي».

وعبدالرحمن عبسي مثل جيلا كاملا حمل على عاتقه الارتفاع بإذاعة صنعاء إلى مستوى آذاننا وصرنا عبيدا لها منذ اللحظة التي فتحناها على «هنا صنعاء».

سلسلة طويلة من المبدعين في الإذاعة منهم منú رحل ومنهم منú لا يزال يعطي : ثابت الغياثي رحمه الله عبدالله هديان عبدالباسط المبرزي رحمه الله عبدالعزيز شائف عبدالقادر الشيباني محمد الشيباني عبدالله السوسوة دهمش شرغة السياني فابن شمسان العيزري نوال عاطف زهرة طالب رحمها الله الزبيدي فايع العابد والأمير سلطان وعبدالله الدبعي المحبشي رحمه الله الرداعي البحري الشرفي الكهالي أسماء كثيرة توجت بها رؤوسنا منهم وراء المايكرفون ومنهم وراء الآلة هم الجنود المجهولون الذين لا نسمع عنهم إلا حين يذهبون.

وأولئك الذين ذهبوا في الإذاعة والذين لا يزالون يواصلون بمجملهم مبدعون لم تلههم الأضواء عن أن يقدموا الجديد والمفيد.

ولعله من المفيد الإشارة إلى أن إذاعة صنعاء تحملت كل أعباء المراحل فمن سبتمبر 1962م إلى الحرب التي حاول بها منú حاول إعادتنا إلى ما قبل 1962م حتى انتصرت اليمن بإنهاء الحصار كانت الإذاعة قبل التلفزيون منú حمل صوت الجديد إلى البلاد كلها وكان لأصواتها ابتداء من الدكتور المقالح إلى حمران إلى الأجيال المتعاقبة الفضل في أن يظل صوت اليمن مسموعا في كل المراحل وكانت الإذاعة كلما ضربت من الجبال المحيطة هب الفنيون يصلحون ما يخرب ويعيدون للصوت قوته عبر الأثير.

ومن إذاعة صنعاء غنى الفنانون للجديد ودافعوا عن البلاد بطريقتهم : الآنسي السنيدار الحارثي المعطري وكلمات المطاع وعلي صبرة والمقالح كانت زاد المقاتلين.

ومن إذاعة صنعاء وجه نعمان المسعودي صوت التوجيه المعنوي بواسطة أحمد الجحدري «إلى أبطال قواتنا المسلحة» رسائل الصمود إلى المقاتلين في الجبال والأودية ومنها شن عبدالرحمن مطهر رسائله حربا على الجهل في عقول الأطفال وظل يحارب مع مسعدة حتى النهاية التي لم نكن نريدها!!

وتظل إذاعة صنعاء تعطي بلا كلل ولا ملل تتعاقب فيها الأجيال بدون من ولا «أنا» بل تعطي وتذهب وكل جيل يسلم للذي يليه.

وعبدالرحمن عبسي كان حامل كل هذا إلى جانب زملائه الفنانين الفنيين لم تسمع له شكوى ولا أنينا.

العبسي ستبكيه المسجلات قديمها وحديثها فقد صار زميلا عزيزا لها طوال حياته.

لم ألق مرة واحدة عبدالرحمن عبسي غير مبتسم لم ألقه على الإطلاق يشكو أو يئن لم ألقه إلا مرحبا ودودا معتزا بأدائه بالإذاعة بزملائه مؤمنا بأنه يؤدي الواجب وما عليه من دور ضمن الفريق الأكبر «الوطن» بإنسانه.

وعبدالرحمن عبسي عرفته – أيضا – مرافقا للفنانين وجدته كثيرا بمستودع الشرق الأوسط بشارع علي عبدالمغني إما آتيا ليسجل لفنان شريطا جديدا أو لشراء رولات للإذاعة أو لسماع أسطوانة أو لإضافة جديد.

وخلال سنوات طويلة وكان والده ينحت الصخر في مجاله على سيارته المرسيدس من أولئك السائقين القدامى المتحدثين باللغة الإنجليزية ممن كان يشار إليهم بالبنان من أيام عدن حتى صنعاء بالمرسيدس ينقل السياح وكبار رجال الأعمال وكنت كلما ألتقي عبدالرحمن – رحمه الله – أقول له : يا أخي ربشتونا أنت ووالدك منú منكما الأب ومنú منكما الابن حيث كان والده لا يزال شابا وإن كان لا يزال – أيضا – فندعو له بطول العمر بمحمد عبدالباري العبسي أنجب عبدالرحمن المبدع الفنان الأكثر خلقا وهدوءا وإنتاجا لا نملك في الأخير سوى القول : لا حول ولا قوة إلا بالله وعزاؤنا في ما تركت من إرث في الإذاعة في قلوب الزملاء وعقولهم.

لا نملك في الأخير إلا أن نقول : هنا صنعاء رحمك الله يا عبدالرحمن.

وبرغم هول الفاجعة إلا أن الحضور الكبير والكبير جدا لتشييع العبسي جعلني أؤمن أكثر بأن الذاكرة الجمعية لا تنسى منú يحترم نفس

قد يعجبك ايضا