أيام مختلفة 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

د/ رؤوفة حسن
بعض الأيام تسير بشكل روتيني ممل مهما كانت مصاعبها فإن تكرارها يجعلها أياما عادية لا تسجلها الذاكرة سوى حدث أو يوم واحد. وبعض الأيام يصبح لها مذاق خاص بسبب المباهج التي تحدث فيها فتسجلها الذاكرة كحدث خاص وتجعل لها الروح معنى يبرر الوجود والعيش نفسه.
وتجربة الزواج وإنجاب الأبناء والبنات واحدة من الأمثلة للتكرار والندرة. التكرار في المسؤولية والعناء فكل يوم سهر وإرهاق وجهد لا ينفد وهموم وبكاء وعقول يانعة لا تقبل أنصاف الحلول وتكاليف لا تنفد حتى تكره كل أم وكل أب اليوم الذي تزوجوا فيه واليوم الذي أنجبوا.
فحتى مجرد الجلوس يحول الأب والأم إلى نوع مكمل من أثاث المنزل يقفز فوقك الأطفال وهم صغار كي يتحدثوا عن متطلباتهم وهي سهلة في نظرهم فهي مجرد قائمة بالمشتروات وخاصة الألعاب ليس أكثر ومهما كانت عليه حالة الميزانية فالموافقة ولو على بعضها ستتركك تعود بشرا لا فرشا أو كرسيا بالنسبة للجالس عليك أما بدون قبول ولو في حده الأدنى فإنه يفتح مجالا لسماع أصوات عويل وبكاء مر ودموع خصبة وكأن ذلك نهاية الكون وهو كذلك بالنسبة لهم فتصبح المراضاة والتحايل هي الوسيلة الوحيدة للتهدئة.
ويكبرون فتكبر مشاكلهم وتزيد متطلباتهم تلاميذا فطلابا فخريجين وعرسانا ثم أمهات وآباء بأطفال كيفما كانوا فهم البهجة العائلية الخالصة للأجداد. ولكن هذا السيناريو الصعب المكرر المتعب الممل لماذا يتحمله الأزواج والزوجات¿ يقولون أنهم ينسون ذلك فورا بمجرد فرحة في عيون الصغار وضمة حب خالص لا تعرف الرياء. وهذا ما يبرر كل شيء ويعطي للحياة معنى.
يوم القبلة والحضن ونظرة العرفان واحد من الأيام التي تبقى في الذاكرة وتمسح كل عناء قبلها.
والأمر هو نفسه على المستوى الفردي فكل منا يمر بأيام مكررة مؤلمة وأيام نادرة سعيدة من اجلها نستمر ونبذل الجهد. ففرحة النجاح مثلا تبرر كل المصاعب قبلها وتشجع على مجالات فوز اكبر فهي أيام نادرة تخلدها الذاكرة ولا يبقى من كل شيء سواها يسبب الحنين عند الكبر ويجعل الماضي رومانسيا ورديا لأن ما أوصل إلى ذلك قد صهرته الذاكرة في عالم النسيان.
أيام ما لا تأتي فرادى
يقال أن المصائب لا تأتي فرادى وهو حق على مستوى الفرد والجماعة والشعب بكامله. فهناك مواسم للمحن تزيد الأيام مرارة وصعوبة وقسوة ولا تنقشع سحب الكآبة إلا نادرا.
وهناك أيام للفرد كلما ظن أن حلقات أزمته قد قاربت على الفك زاد فوق المشكلة القائمة مشاكل جديدة تجعل المصاعب السابقة الباقية تجثم على القلب أقل من المشكلة الجديدة.
ويقال كلما ضاقت حلقاتها انفرجت وأن بعد العسر يسرا ويقول الواقع أحيانا أن جبل العناء الشاهق لا يسمح بالعودة والاستمرار فيه يدمي القدمين من أشواك جراحه التي لا تنتهي. لكن لا مفر ولا مهرب بل شرب الكأس حتى قعره. ومثلما يخيم الظلام وغياب الشمس في بعض البلدان بالأشهر ثم تأتي الشمس فلا تغرب لأشهر أخرى ففي الحياة وقفات شبيهة ولولا الإيمان ما كان للاستمرار من معنى.
يوم خاص.
أمر هذه الأيام بساعات متواصلة من حلقات القمة اللازمة لاختبارات الحياة القاسية. ليس هناك ما يعزي ويخفف من الآمها سوى الاعتقاد أن الحمد لله على ما قسمه والرضاء بارداته هو الذي يجعل هذه الحلقات عند الله محسوبة في ميزان الحسنات وعليها أجر يسمح بتجرعها بمقياس من الصبر لا بد أن يكون هو ما عاناه أيوب الصابر.
وفي الحالات الشبيهة ليس هناك سوى الدعاء والتوجه إلى الله ليرفع العناء. فالبشر من حولك يحاولون ومعاناتك تمض قلوبهم لكن ليس من يده في النار كمن يده في الماء. والحمد لله على كل حال.
قال لي زائري الأول متسائلا وصعوبة استقباله عندي تفوق المعاناة القائمة كيف لم نعرف¿ وقلت من يرغب في حالة مثل هذه في تلقي المحادثات المطولة أو الرد على رسائل المشاركة أو الاستقبال للزوار الذي يحتاج إلى شروط الترحيب وتبادل الحديث وكظم الألم وتجاهل الواقع.
قال إنها تجربة تنحفر في الذاكرة وبعد مرورها تزيد من قوة الشخصية وحساسيتها تجاه الحالات المماثلة وأشكال المعاناة الأخرى أينما حلت وكيفما مرت. وقلت في أعماقي بصمت وهل أنا ناقصة معاناة ليتحقق هذا البناء للشخصية كم بقي في العمر لنظل نبحث عن تطوير أنفسنا وتغييرها ونحن بذلك قليلا ما نفيد في تغيير الواقع من حولنا لكنه كان حوار صامتا فلم املك له بعد تفسير.
أكره أن أشرك القراء والأصدقاء في أحزان فردية وأتجنب الحديث عن الذات فيما يتطلب منهم مجهود كبير من التعاطف والمشاركة في الألم. فربما يكون الفرح والسعادة مدعاة المشاركة لأن الناس بحاجة أليه الآن في اليمن أكثر من أي شيء آخر ويكفيهم من غير ذلك ما لديهم.
ليعذرني القراء لهذا المقال الكئيب عن حالة بوح لم يعتادوها معي واعدهم في المرة القادمة أن مقا

قد يعجبك ايضا