الصراع حين ينتهك الطفولة!
علي ربيع
علي ربيع
علي ربيع
> ينعكس أثر المعطى الثقافي المكون للبنية الاجتماعية لأي مجتمع على أنماط سلوكه كافة دون النظر إلى أي قوة تأتي من خارج هذه البنية حتى لو كان مصدرها التشريعات والقوانين والمواثيق والأعراف الدولية وهي إشكالية تطال بآثارها كثيرا من البلدان النامية أو تلك التي تتناوب عليها الفوضى وعدم الاستقرار فضلا عن المجتمعات ذات التركيبة القبلية التي تمثل ثقافتها المتجذرة قانونا غير مرئي تسري أحكامه على الجماعات المنتمية إليه دون أن تضع أمامها أي تبعات أخلاقية من أي نوع.
> هذه المقدمة تحاول أن تلمح إلى إشكالية إنسانية بحتة في المجتمع اليمني تتعلق بالانتهاكات الموجهة لحقوق الأطفال خاصة في ظل الأوضاع المتأزمة التي تعيشها اليمن منذ أشهر ويختلط فيها الصراع السياسي بالممارسات العنيفة التي لا تفرق آثارها بين صغير أو كبير وكنت قد كتبت مطلع هذه الأزمة مقالا ينتقد المشكلة ويحذر الأطراف السياسية والقوى الفاعلة في الأزمة من خطورة انتهاك حقوق الأطفال خدمة لأهداف الصراع وحرصا على عدم تجاوز المواثيق الدولية في ما يخص الأطفال في ظل أحداث العنف والحروب وأشرت حينها إلى أن استغلال الأطفال لأي غرض يخدم الصراع السياسي هو فعل يعبر عن إفلاس سياسي وأخلاقي.
> لن نتحدث فقط عن الآثار النفسية التي تعرض لها ملايين الأطفال في اليمن جراء تداعيات الأزمة سواء من خلال تشريد أسرهم أو فقد أقاربهم ومعيليهم أو من خلال تدهور مستوى أسرهم المعيشي وانعكاسات ذلك عليهم نفسيا وبدنيا من خلال نقص التغذية ومن خلال غياب المناخ الملائم والآمن للترفيه واللعب أو الانتظام الدراسي بل نتحدث في عموم هذه الانتهاكات بحق الطفل المرئي منها وغير المرئي وهي كلها تؤثر سلبا على التكوين الوجداني والنفسي بل وتؤهل لخلق جيل كامل حافل بالشخصية الانتقامية العنيفة أو المضطربة والمعقدة.
> ومما يلحظه المراقب أنه في الأعياد الماضية قبل دخول اليمن في هذه الأزمة كان مزاج الأطفال في المدن منصبا في معظمه على شراء ألعاب معينة كالدمى والالكترونيات بما فيها السيارات والطائرات وألعاب الفيديو وغيرها من الألعاب المخصصة للتسلية الآمنة أما في الأعياد الأخيرة في ظل الأزمة فكانت الألعاب النارية والمفرقعات والمسدسات والرشاشات هي الألعاب الأثيرة لدى الأطفال ومن بينها ما هو خطر على الحياة خاصة العيون ولعل معظم ذلك التغير في مزاج الأطفال جاء بفضل أجواء الأزمة وتداعيات العنف وتعريضهم لمشاهد القتل والدماء والأسلحة التي يستخدمها أطراف الصراع ومستقبلا بالتأكيد سيرتبط كل هذا بتكوينهم النفسي والعقلي ويؤثر عليه.
> الأدهى والأمر هو استخدام الأطراف السياسية في الأزمة للأطفال بدوافع الحرب الإعلامية المتبادلة بغية التأثير الجماهيري فما الذي يعيه الطفل من جمل سياسية يتم تلقينه إياها أو خطابات عدائية عنيفة يدفع به لترديدها وحملها¿ أما قضية الزج بالأطفال في مظاهرات ومسيرات واعتصامات مرشحة في الأرجح لأحداث العنف والصدامات فهي جريمة مغلظة تعتدي على حق الحياة برمته لهؤلاء الأطفال ولعل هذا النوع من الانتهاكات كان ماثلا بقوة في مشهد الصراع وذهب ضحيته عدد من الأطفال فقدوا حياتهم أو تعرضوا لإصابات جسدية ونفسية عميقة.
> وفي اتجاه آخر برزت على السطح قضية تجنيد الأطفال في اليمن وهي في الحقيقة ليست بجديدة ولكن يبدو أنها وصلت إلى مربع التجنيد النظامي وليس لدي إحصائيات لكن كثيرا من التقارير الصحفية والحقوقية أشارت لذلك وحذرت منه لكن يبقى هذا الجانب مقدورا على الحد منه وتظل الإشكالية الحقيقية ماثلة في تجنيد الأطفال المستمر لصالح مليشيات مسلحة تتبع قوى قبلية تشارك في ساحة الصراع العنيف خاصة وأن المفاهيم الاجتماعية للنضج قاصرة ومتخلفة لدى هذه القوى ولا تعترف أن المعايير الإنسانية لاحتساب سن الطفولة تنطبق على من هو دون سن الثامنة عشرة ويغذي كل ذلك العرف الاجتماعي القبلي حول مفهوم الرجولة الذي يقضي بأن كل بالغ يعد مكلفا وجاهزا لحمل السلاح حتى لو كان في الثانية عشرة من العمر أو دونها فضلا عن محددات اجتماعية أخرى لها علاقة بالفقر والتفكك الأسري والتسرب من التعليم والهجرة إلى المدينة وكلها تساهم في استغلال الأطفال وتجنيدهم ضمن مليشيات القوى القبلية دون الالتفات للمواثيق الإنسانية لليونيسف بما فيها إعلان باريس بشأن تجنيد الأطفال ولعل هذه الإشكالية المؤسفة هي التي دعت مجلس الأمن في قراره بشأن الأزمة اليمنية أن يحذر القوى المتصارعة منها ويلفت الرأي العام في اليمن إلى أهمية تجريمها باعتبارها فعلا ينتهك الحق الإنساني.