طالب المعرفة.. وحاطب الكتب..!
عبدالله الصعفاني
مقالة
عبدالله الصعفاني
عبدالله الصعفاني
فلان أحمر عين.. حاذق.. هو من التيوس ومعه فلوس.. مهتم جدا بالديكور.. سيزور معرض صنعاء الدولي للكتاب مرة واحدة ولكن بثقة وقدرة.. ولم لا يفعل ذلك والمكتبة عنده ديكور مهم.. وجزء من أثاث البيت.
* وفي المقيل سيشير بأصابعه الممتدة من الخنصر إلى الإبهام إلى ما اشتراه من كتب.. مستبعدا أن يسأله أحدهم: ولكنك لا تقرأ.. وحريص على تمثيل دور يونس شلبي في مسرحية “العيال كبرت” فالمرء عادة لا يتعرض للأسئلة المحرجة في بيته.. والوجه يخجل من الوجه.
* فلان الآخر قارئ من الدرجة الممتازة.. يؤمن بأن “خير جليس في الزمان كتاب” سيزور هو الآخر المعرض أكثر من مرة وسيعود بذات حسرة المولعي العائد من المجزرة بعد مروره على سوق القات.
* الثالث عمل حسابه لكنه سيقع بين تكاثر (الضباع على خراش الذي لم يدر ما يصيد..) وبين ترتيب أولويات الإجابة على السؤال: ما هو الأحق بالاقتناء.. روايات دستويفسكي وتولستوي وهمنجواي وكتب الفارابي وابن رشد وابن عربي.. أم جلن زيت وكيس الدقيق..¿¿ منú الأولى بالرعاية الأيام لطه حسين وسجن العمر للحكيم والعيش على الحافة لشكري عياد واعترافات روسو أم شوال الرز وقطمة السكر وقصعة الحليب..¿¿
أما تحت أي تصنيف سنتزاحم.. أرجو أن نعمل جميعا على إثبات أننا بالزحام طلاب معرفة وليس حاطبي أوراق.
* اليوم اليوم وليس غدا.. سأتوجه إلى معرض الكتاب.. لن أنتظر مثل كل مرة حتى اليوم الأخير للمعرض طمعا في التخفيض.. أما لماذا فليس لأن زميلنا راجح الكول دفع معاش أكتوبر مقدما.. وإنما لأن للكتاب هيبته واحترامه.. وسوق الكتاب لا يجب أن تنطبق عليه حذاقة سوق الخضار.
* والرجاء من الأخوين وزير الثقافة ورئيس الهيئة العامة للكتاب أن يتعاملا مع المتحمسين باحترام.. فيسارعان إلى طمأنة أصدقاء الكتاب بأن جديد المعرض رقم (24) هو الاتفاق مع الناشرين على عدم المبالغة في الأسعار كما حدث في معارض سابقة.
* القارئ يتمنى أن يقتني ما يحتاجه من الكتب بأسعار تعبر عن فهم أن الكتاب خدمة فكرية.. زاد معرفي.. يستحق أن ينعكس دعمه في صورة جادة يبرز فيها الاعفاء من الجمارك.. الاعفاء من الضرائب.. الرسوم المحدودة للنقل.. والإيجار المعقول لمساحات العرض.
* ولن يخلو الأمر من الفائدة المشتركة بين المشتغلين بالكتب والناشرين.. وبين القارئ الذي سيجدد انتماءه إلى القراءة ويتحرر.. ولو قليلا.. من سيطرة حوالي ثلاثمائة قناة فضائية تتغلب عليها التفاهات والعري.. وللدكتور فارس السقاف رئيس الهيئة العامة للكتاب أقول: الذي أوله شرط أوسطه نور وآخره فواتير..
* ومعرفتي بما يردده الناس أنهم لا يهتمون.. قليلا أو كثيرا.. حول أن هناك تنظيم أو خدمة البحث الالكتروني.
الزائر للمعرض مستعد للتعب للوصول إلى العناوين التي يرغب في اقتنائها.. فمثلا..الداعي لكم بالتوفيق سيدلف البوابة الداخلية للمعرض بالرجل اليمنى.. ثم سيتوجه إما يمينا أو يسارا دونما إغفال للمناطق الوسطى للمعرض.. وإذا كانت الدنيا زحمة سأعتمد على نفسي.. وإن كانت خاوية لا سمح الله فسيقول لي البائع: هل أستطيع مساعدتك¿ وفي الحالتين فالسعر سيكون الفيصل بين الشراء وبين الفرجة المصحوبة بخيبة الأمل.
* ولن ينجح معرض الكتاب الرابع والعشرون بالنسبة المأمولة بأخبار يتيمة أو بأجواء كرنفالية أو تصريحات.. وإنما بإدراك القائمين عليه أن الباحثين عن المعرفة هم من الذين أدركتهم لعنة الفقر.. بينما لا تعني الأسعار لحاطبي الكتاب للديكور شيئا.. أمر خطير أن يتحول اقتناء الكتب إلى مشكلة متصلة بأسعارها.. وأمر أخطر أن تتعقد مهمة اقتناء الكتب في أمة عربية أكثر من نصفها أميون.. أمة عجزت أن تترجم منذ عصر المأمون حتى الآن ما ترجمته دولة أوروبية مثل أسبانيا في عام واحد.
* أرجو أن تتعاملوا مع هذا الطرح بفهم حقيقة أن الذين ركبوا قطار الحضارة أمم تقرأ في القطار والمترو.. تقرأ في المطارات.. على الشواطئ.. وحول حمام السباحة.
ولقد أكسبتهم القراءة المعرفة والقدرة على تحليل الظواهر وإجادة خوض معارك الحياة.
* على أن من المهم عدم القفز فوق حقيقة الحاجة لأن يكون الكتاب بمتناول الصغير والكبير.. المرأة والرجل.. بأسعار لا تكون عائقا.. وليس افضل من المشتغلين بالثقافة والكتاب لفهم العلاقة بين الباحثين عن الثقافة وبين احتراف الفقر.
* وليكن في علمكم وحلمكم أن من شأن المغالاة في أسعار الكتب في المعارض ما يعطي المصداقية لوزير الدعاية في أيام هتلر الذي كان يمسك مسدسه كلما سمع كلمة “مثقف”.
ولا خطر في إغلاقه على هذا النحو فالتجول بالسلاح في عاصمتنا صار ممنوعا.
وعاصمتنا بقرار المنع ومعرض الكتاب أجمل.