كل شيء جاهز 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

د/ رؤوفة حسن
حسنا أنت من الطبقة الوسطى حتى وقت قريب تعيش في حالة يسار تجعل الحياة ممكنة. كانت مهارتك العلمية وشهاداتك العالية طريقة إلى التثبت بين أبناء هذه الطبقة وكنت تتعاطف مع الفقراء لكنك في أمان. لكن الزمن غدار والريال الذي يعتبر مصدر دخلك الرئيس ينزل سعره في أسواق العالم يوما بعد يوم ومكانتك تتقلقل. المستقبل صار هاجسك اليومي وما سيحدث للأولاد وبقية العائلة التي تعتمد عليك يبدو عبئا أكبر مما تحتمل. ومساحة الفقراء تزداد وقدماك تبدوان على حافة الهاوية تقترب منهم لم تعد ميسورا صرت مستورا بالكاد. وصار البحث اليومي عن عمل آخر ضرورة ومصدر الدخل الإضافي حاجة ملحة. ورمضان قادم على الأبواب ليكشف لك وأنت تستعد لتلبية قوائم المشتروات المعتادة والمطلوبة لهذا الشهر أن الحالة صارت صعبة والغلاء يأكل كل أشكال عاداتك المريحة. فما الذي تستطيع الاستغناء عنه ¿ مرتبك الذي كان يغطي ويزيد صارت حاله فاضحة ورغم أن السلع الصينية الرخيصة هي الحل لكن المأكولات ليست من السلع الرخيصة. و ليس بإمكانك تقليل استهلاك الغاز والعودة إلى نظام الحطب فمع القحط صار الحطب بسعر يقارب سعر الغاز. ولن تستغني في رمضان عن الشربة أو السنبوسة أو الرز أو الخبز أو الحليب أو الزيت والقائمة تطول. ويزيد الحمل عبئا فواتير الماء والكهرباء والهاتف. صار عليك أن تقدم كل يوم فرمانات عائلية من نوع “لاتفرطوا في استخدام الهاتف” أو “لا ضرورة للاستحمام اليوم”. وتقوم الليل بدوريات مراقبة لتتأكد أن كل لمبات الكهرباء مطفأة أثناء نوم الجميع. ما الذي يحدث في اليمن¿ لم تكن شريحة الذين يمكن إطلاق صفة الطبقة الوسطى عليهم قد اتسعت بعد وكان الحلم أن تتوسع لأنها التي تحمل راية الديمقراطية وتضمن الولوج المستمر إلى عالم التمدن والاحتراف والمهارات والدولة الحديثة لا يزال حلما حديث عهد. لكن المجتمع بصعوبات الحياة التي يعيشها اليوم والانهيارات الاقتصادية المتتالية المحلية والخارجية تقلل مساحة وجود هذه الطبقة لتتسع مساحة طبقة الفقراء الذين كانوا أساسا يزيدون عن نصف تعداد السكان إلى مساحة اكبر. وتظهر هذه الطبقة الصغيرة الثرية وهي تزداد ثراء أنها لا تتوسع فليس في وسطها تسامح ولا قبول لأحد ولا استعداد للمشاركة أو التنازل ومصالحها فوق كل شيء. كل هذا وأكثر تكشفه على نحو فاضح فاتورة المشتروات للتجهز لشهر رمضان. الحالة تعبانة ياليلى جاء هذا الشخص اليوناني مكلفا من مفوضية الاتحاد الأوروبي ليقوم بعملية تقييم للمشاريع التي مولتها أو تمولها هذه المفوضية. انها زيارته الأولى وقد قطع الفيافي والقفار من أقصى اليمن إلى أدناها متتبعا هذه المشاريع وكانت ظاهرة تزايد السكان وخاصة الفئة العمرية التي تقل عن 18 عاما تزيد بالنسبة له عن أي خيال. قال حتى اكبر الدول الغنية لا يمكنها أن تتحمل هذه الزيادة المريعة في العدد فسيكون ذلك على حساب كثير من أوجه الإنفاق اللازمة للتطوير وضمانات المستقبل للأجيال. والحقيقة أن سكان المدن من الشريحة الوسطى اقتصاديا يتجهون إلى تقليل عدد الأطفال ولكن حجم الإعالة لا يخف كثيرا فأفراد العائلة المتبقون من أمهات وآباء كبار في السن وأخوة غير متعلمين وأقارب يجور عليهم الزمان يشكلون حالة من الإعالة الإضافية يتحملها الأفراد القادرون حتى يفقدوا القدرة. إن شبكة الأمان الاجتماعي التي يفترض أن تكون قد نشأت في محل المبالغ التي تم اختصارها بعد الجرعات من مبالغ الدعم الحكومي التي كانت معتمدة لم يلمس الناس أثرا لها. و لا تمت الاستفادة من المبالغ العائدة من مصالح القطاع العام التي تم بيعها وخصخصتها لأن شريحة الأثرياء الصغيرة في غياب الحساب والعقاب إلتهمتها. كل شيء جاهز بهذا الوجه أو بذاك احتياجات رمضان لا تقبل العبث. والزوجات والأمهات لا يتسامحن في المتطلبات التي يرينها ضرورية. وسواء لجأت إلى القرية لتقضي الشهر هناك أو بقيت في المدينة لآن لا منفذ آخر أمامك فالخلاصة أن فاتورة هذا الشهر مطلوبة مقدما وليس هناك من مجال للهروب. وقد قالوا أن سعر الريال انخفض لأن التجار اشتروا قائمة كبيرة من الاحتياجات الرمضانية من السوق العالمية كالعادة فتأثر الاقتصاد اليمني. وقنعنا بهذه الإجابة رغم أننا نعرف أن هذه القائمة هي نفسها لكل عام ولم نسمع من قبل تأثر الاقتصاد الكلي بها. الشيء الوحيد الذي يخفف عنا هو أن شهر رمضان الذي نصفه بالشهر الكريم هو كريم بالفعل فبمعجزة ما ييسر الله الحلول ويستطيع الأزواج أن يتغلبوا على خجلهم وترددهم فيمددون مع صاحب البقالة فرصة إعادة جدولة للديون ومع الأصدقاء غير المتزوجين إمكانية الحصول على دين مؤقت ومع أمين الصندوق طريقة لاستلام المرتبات مقدما. ويقولون للزوجات في النهاية كل شيء جاهز.
raufah@hotmail.com

قد يعجبك ايضا