عن المذبحة المنتظرة لمصنع الغزل والنسيج 

الدكتور عبدالعزيز المقالح


الدكتور/ عبدالعزيز المقالح

د/عبدالعزيز المقالح
كأني ببعض من الذين يتحدثون صباح مساء بأنه لا خروج عن الثوابت لا يتابعون الأساليب الذكية والماكرة التي تسعى جاهدة ودون توقف إلى هدم هذه الثوابت من خلال هدم ما يرتبط بها من إنجازات قائمة والتي كان وجودها يملأ السمع والبصر . ومن تلك الإنجازات المرتبطة بثوابت الثورة وبأحلام التغيير مصنع الغزل والنسيج الذي لم يكن يقوم بدور إيجابي في توفير صناعة الأقمشة المحلية عالية الجودة فحسب وإنما شارك عماله وموظفوه في الدفاع عن الثورة وكانوا في طليعة المقاومين عن المكاسب الاقتصادية والمعنوية التي تحققت بعد الثورة وتشكöل المحافظة عليها جزءا من المحافظة على الثوابت الأساسية بعد أن صارت جزءا من حياة الناس ومن المناخ العام كتداول الليل والنهار وما يرتبط بهما من الفصول الأربعة .
لقد كان مصنع الغزل والنسيج في صنعاء بمداخنه التي ترتفع إلى عنان السماء معلنة دخول هذه البلاد عالم التصنيع كان معلما بارزا من معالم الحياة الجديدة ومدخلا إلى إثبات قدرة اليمنيين على العمل لتحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي . وقد نجح المصنع إلى حد كبير في أن يغطي إنتاجه جانبا من احتياجات المواطنين من الملابس وبأثمان زهيدة تتناسب مع دخولهم المحدودة وصار هذا الإنتاج في فترة من الفترات يغطي احتياجات الجنود وطلاب المدارس وما يزال قادرا على أن يقوم بتلك المهمة وتتسع إسهاماته وأن ينتج أنواعا من الأقمشة تفوق من حيث الجودة والمتانة ما يتم استيراده من أقمشة أجنبية سريعة الهلاك لأنها مصنوعة من خيوط بلاستيكية.
وفي السنوات الأخيرة وبفعل فاعل أو بالأصح فاعلين متعددين بدأ المصنع يتراجع وبدأت حركته تتباطأ وعجلاته تصدأ وعماله يشكون ويتذمرون ولا من يسمع وأصبح هذا المعلم التاريخي الذي مثل منذ تشغيله علامة من علامات التطور نحو المستقبل الصناعي في حالة يرثى لها وبدأت فئران المصالح وتدمير المنجزات الوطنية تلتف وتدور من حول أرضه الواسعة والبحث عن أسباب واهية لإحالته على المعاش وإلقاء مكيناته في الزبالة كخطوة أساسية نحو بيع الأرض التي يقوم عليها في تصرف غير مسئول وفي حالة غير مسبوقة في انتهاك المنجزات وإلغاء آثارها من فوق الأرض دونما اعتبار يذكر للوطن والتاريخ والأحلام التي رافقت إنسان هذا الوطن في أن تستعيد بلاده أزمنة تصنيع البرود والوشي اليمانييúن .
إن الأسئلة التي تدور على ألسنة المواطنين أكثر من أن تحصى ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أين سيذهب عمال المصنع وعاملاته بعد أن تتم تصفيته وبيع أراضيه ¿ وكم أسرة ستفقد دخلها من موظفي المصنع ومن السعاة والفراشين وغيرهم ممن ارتبطت حياتهم بالعمل فيه ¿ ثم أين سينتهي الحال بالذكريات النضالية التي ارتبطت بهذا المصنع وبالمقاومة التي كان عمال المصنع طليعتها بعد أن تحول إلى ثكنة عسكرية لرد الغزو البربري عن المدينة¿
أسئلة كثيرة لا ننتظر الرد عليها من وزارة الصناعة ولا حتى من رئاسة الوزراء وإنما من أولئك الذين لا يزالون يرفضون بل يقاومون أي إجراء يهدف إلى الخلاص من المصنع وكأنه عاهة في وجه هذه المدينة وفي وجه الوطن . لقد كان أحد الزملاء وهو شاعر مبدع حين نمر بالمصنع يشم في الدخان الذي يتعالى من مداخنه السامقة رائحة العصر وتكوينات هذا الدخان في الفضاء ترسم الصورة البديعة والمنتظرة لهذا الوطن الذي يتآمر عليه أبناؤه بقسوة لا يقدر عليها أشد الأعداء وأكثرهم حقدا ومرارة وما الإعداد لمذبحة هذا المصنع سوى مقدمة لاغتيال بقية المصانع المماثلة بما فيها مصانع الاسمنت.
 
سماء علي الصباحي في (آنات قصيرة جدا..):
سبق أن أصدرت الكاتبة المبدعة “سماء علي الصباحي” مجموعتين قصصيتين هما (اختيار) و(اثنان.. اثنان فقط) وفي مجموعتها الثالثة (آنات قصيرة جدا..) إضافة إبداعية إلى هذا الفن السردي الذي لم يتقيد بأي شكل والذي صار بعض مبدعيه يكتبون نصوصا تتماهى مع الشعر وتقترب من مواقعه مع الاحتفاظ بمسافة توحي بأنها ما تزال سردا مكثفا. المجموعة الجديدة صادرة عن دار (أزمنة) في الأردن.
تأملات شعرية:
الصباح الذي مر بالأمس
فوق المدينةö
كان حزينا
وخطواته في الفضاء
وفي الأرض
كانت حزينهú.
ما الذي يجعل الصبح
يبدو حزينا ومكتئبا
غير كارثة لا تطاق
ومذبحة سوف تدúمöي المدينهú¿!

قد يعجبك ايضا