دولة اعترفت بالثورة والأمم المتحدة تقر الوفد الجمهوري


إعداد/ شوقي العباسي –

في صباح يوم 27 سبتمبر 1962 أذاع راديو صنعاء إعلان مجلس قيادة الثورة برئاسة عبدالله السلال إسقاط الملكية وإعلان قيام «الجمهورية اليمنية» وظن الثوار في ذلك اليوم أن ثورتهم نجحت في قتل «الإمام البدر في القصر».. غير أنه اتضح لاحقاٍ أن الإمام قد نجح في الفرار.

اعتراف عربي ودولي بالثورة
هذه الثورة سرعان ما تم الاعتراف بها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأيضاٍ بعد قيام الثورة قدم الاتحاد السوفيتي الدعم والاعتراف بالنظام الجمهوري الجديد في شبه الجزيرة العربية ولكن رغم كل تلك المغامرات التي حاول فيها الأعداء إجهاض الثورة من قبلهم والاستعمار البريطاني من جهة إلا أن قوة وشموخ انتصارها قد توج بقيام ثورة 14 أكتوبر 1963م بفضل المناضلين الأحرار الذين كان لهم شرف النضال في الكفاح المسلح ضد النظام الاستعماري وأيضاٍ الدعم البطولي من قبل ثوار 26 سبتمبر والذين كان لهم الدور في رد الجميل الوطني في دفاعهم عن ثورة 14 من أكتوبر والتي قادها أول شهيد لها راجح بن غالب لبوزة.
وبعد ثمانيع وأربعين ساعة اعترفت مصر بالثورة اليمنية وحكومة المشير السلال ثم اعترفت روسيا ووراءها اعترفت الولايات المتحدةلكن السعودية وبريطانيا والأردن عارضت الاعتراف بالثورة في اليمن وبدأ الصراع بين مصر ومعها روسيا وبين السعودية ومعها بريطانيا حيث استدعت السعودية الأمير الحسن شقيق الإمام أحمد من نيويورك ولحق به الإمام البدر ليبدآ معاٍ مقاومة النظام الجمهوري الجديد.
عبدالناصر ومساندة الثورة
حينها كان السادات في مصر مسؤولاٍ عن اليمن والخليج العربي وعمل على إقناع عبدالناصر بالتدخل.. ويؤكد عبدالله إمام في كتابه «عبدالناصر والحملة الظالمة» أن قرار دخول مصر إلى المصري لمساندة الثورة لم يكن قراراٍ فردياٍ من عبدالناصر بل كان بإجماع مجلس الرئاسة المصري.. وتجمع المصادر على أن السادات كان الأكثر تأثيراٍ على عبدالناصر الذي كان متردداٍ في دخول الجيش اليمن حيث وصل عدد القوات المصرية في اليمن نوفمبر 1962 نحو عشرة آلاف جندي وبدورها قطعت السعودية العلاقات مع مصر وأصبحت الدولتان في حالة حرب القاهرة تقاتل إلى جانب الجمهوريين والسعودية تقاتل بالمال والسلاح إلى جانب الملكيينومع حلول منتصف ديسمبر من عام 1962م كانت ثلاث وأربعون دولة قد اعترفت بالنظام الجمهوري بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
التدخل الإسرائيلي ضد الثورة اليمنية.
قالت صحيفة السفير اللبنانية بعض ما كتب عن المساعدات الإسرائيلية لمحاربة النظام الجمهوري في اليمن وفقاٍ لما نشرته 1988/12/12م نقلاٍ عن كتاب محمد حسنين هيكل (سنوات الغليان) أنه عندما أدلى السيد عدنان خاشقجي بشهاداته في وقائع فضيحة (إيران غيت) سنة 1987 وهي الفضيحة التي جرى فيها بيع سلاح إُسرائيلي لإيران وحولت فوائضه إلى جماعات الكونترا في نيكاراغوا لفت الأنظار قوله أنه التقى بـ شيمون بيريز ( مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها ورئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجيتها فيما بعد) وتعرف إليه لأول مرة في باريس سنة 1963وقد تأكد فيما بعد أن إسرائيل شاركت فعلياٍ في عمليات اليمن وتولت إسقاط أسلحة وذخائر لجيوب الملكيين المحاصرين في جبال اليمن وكانت تمارس هذا النشاط من قاعدة جيبوتي الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي في ذلك الوقت وهي موقع حاكم في مواجهة اليمن على الشاطئ الآخر للبحر الأحمر وكان الاسم الرمزي لدور إسرائيل في عملية إسقاط الأسلحة والذخائر والمؤن على مواقع المرتزقة في اليمن هو (مانغو) وإلى جانب ذلك قامت إسرائيل بنشاط على جبهة أخرى فقد استطاعت إقناع أعداد من اليمنيين اليهود الذين هاجروا إليها لكي يقوموا ببعض (العمليات الخاصة) في المجهود الحربي ثم يكون عليهم بعد ذلك أن يتسللوا لكي يذوبوا وسط الجماهير اليمنية في المدن أو القرى.
كما أظهرت الوثائق أن بريطانيا أقنعت إسرائيل بأهمية تقديم الدعم للطرف المعادي للثورة وكما جاء في هذه الوثائق أن المخطط كان يهدف إلى تكثيف وجود القوات المصرية في اليمن بهدف إضعاف الجيش المصري داخل مصر ليسهل ذلك لإسرائيل الانفراد به وهذا ما حدث فعلاٍ في حرب حزيران / يونيو 1967م لأنه كلما كان هناك عدد أكبر من القوات المصرية في اليمن كلما كان ذلك في صالح إسرائيل.
وقد نشرت إحدى الصحف أن عازار وايزمن أحد المسئولين الإسرائيليين و كذلك رئيس الوزراء في ذلك الوقت ليفي أشكول استحسنوا هذه الفكرة عندما عرضت عليهم وبالتالي عملوا على دعم الطرف المعادي للثورة ووصلت مساعداتهم له حد أنهم أنزلوا معدات بطائراتهم إلى أطراف اليمن كما جاء في تلك الوثائق. هذا إضافة إلى ما قامت به بريطانيا من فتح قواعد للملكيين في عدن وتسخير وسائل إعلامها بما في ذلك إذاعة عدن لمهاجمة الثورة وقدمت المساندة الكاملة: العسكرية والمادية لكي توقف أولاٍ الثورة ضدها في الجنوب وفي نفس الوقت لجر مصر وتوريطها بشكل أكبر ليتحقق الهدف الإسرائيلي وهو كما قلت إضعاف الجيش المصري داخل مصر.
اهتمام المجتمع الدولي
ونظرا لأن المشاركة النشطة في الحرب لكل من الأردن والمملكة العربية السعودية من جهة والجمهورية العربية المتحدة من الجهة الأخرى قد أصبحت مثار اهتمام المجتمع الدولي فقد أعلن السكرتير العام للأمم المتحدة السيد يوثانت حينها في أبريل 1963م قيامه بتعيين الماجور جنرال الهولندي كارل كارلسون فون هورن الذي كان رئيسا للمنظمة المشرفة على الهدنة في فلسطين والتابعة للمنظمة الدولية للقيام بالإشراف على الترتيبات اللازمة لتنفيذ اتفاق تم التوصل اليه بين كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة لإنهاء تدخلهما في الحرب اليمنية.
ومن جهة أخرى وجدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة أن هيبتهما على المحك إذ أنهما أخذا على عاتقهما تحقيق الانسحاب المصري السعودي المتزامن من اليمن ولم يشأ أي منهما أن يفقد مصداقيته في الشرق الأوسط كنتيجة لإخفاقه في حمل الطرفين على تنفيذ ما اتفقا عليه ولذلك فقد جلب العام التالي 1964م معه مزيدا من الضعط الدولي الثقيل على الأطراف المختلفة المشتركة في الحرب الأهلية اليمنية التي استمرت حتى نهاية العام 1967م وبلغ ضحاياها عشرات الألوف.
الدبلوماسية اليمنية
الدبلوماسية اليمنية في ذلك الوقت بذلت جهوداٍ مكثـفة وحـثـيـثـة ومتواصلة من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من اعترافات الدول بالنظام الجمهوري الجديد لتكون سنداٍ إضافياٍ ورافداٍ مهماٍ للجهود المبذولة في الأمم المتحدة لكسب الشرعية الدولية أيـــضاٍ …حيث استطاعت الدبلوماسية اليمنية آنذاك بقيادة أول وزير خارجية بعد الثورة الأستاذ محسن العيني الحصول على اعترافات الكثير من الدول وتركت في أوساط الأمم المتحدة وعملت على تضييق الخناق على الوفد الإمامي الذي لم تكن له قضية يستطيع الدفاع عنها كما ان التحرك السياسي للبلاد في هذا الاتجاه لم يقتصر على نيويورك بل في بعض العواصم الأخرى وخاصة في داخل عواصم الدول التي ساندت الثورة واعترفت بها مباشرة دون تأخير خاصة وأن النظام الجمهوري يحاول كسب اعترافات المجتمع الدولي والتي انقسمت إلى دول معترفة به وغير معترفة بل إن بعضها مناوئة له وكانت من المجموعة الأولى والسباقة في هذا الطريق هي مصر بعد يومين من قيـام الثـورة وروســــــيا في 2 أكتوبر 1962م وأخريات وكذا الـــــولايات المتحدة 19 ديسمبر 1962م ( وفي ديسمبر 1962م اعترفت الولايات المتحدة بالجمهورية العربية اليمنية وكانت إلى جانب إيطاليا وألمانيا الاتحادية من أوائل الدول الأجنبية الغربية التي اعترفت بالنظام الجمهوري ).
الموقف البريطاني من الثورة
أما الموقف البريطاني من مسألة الاعتراف بالنظام الجمهوري وتخوفه من تأثير النظام الجديد على مصالحه الحيوية في عدن …يتضح من خلال الوثائق التي نشرت عن الثورة اليمنية وموقف بريطانيا منها حيث كانت أول المنزعجين لأن نجاح الثورة في صنعاء هو نهاية لبريطانيا في الجنوب ولذلك فقد سارعت إلى مقاومتها من خلال التحريض عليها وجعلت عدن قاعدة لمقاومة الثورة.
يقول هيكل في كتابه :سألني أرسكين تشيلد رز: لماذا تريد حكومة اليمن اعترافاٍ بريطانياٍ سريعاٍ بها هل تظن أن هذا الاعتراف ضروري لحكومة اليمن¿ قــلت له ( أي هيكل ) حكومة اليمن بيدها الحق تريد تحديد موقفها تريد أن تكشف النوايا المحيطة بها ومن هنا إصرارها على متابعة موضوع اعتراف بريطانيا بحكومة الثورة في اليمن حتى تخرج منها بموقف قاطع يكشف نواياها وكانت بريطانيا تـقايض مسألة اعترافها بالنظام الجمهوري مع مسألة تنازل هذا النظام عن حقوقه المشروعة في الشطر الجنوبي من الوطن ولكن كان رد النظام الجمهوري معاكساٍ تماماٍ لتلك الرغـبة الـبـريـطانـــية .
وبالاعتراف الأمريكي بالنظام الجديد الآنف الذكر لحقه في اليوم التالي قبول الوفد الجمهوري في الأمم المتحدة والتي كانت نهاية المطاف في أن حقق الجانب الجمهوري بجهوده الحثيثة والمخلصة اعتراف الأمم المتحدة بممثلي الجانب الجمهوري كممثل شرعي لليمن لدى الأمم المتحدة وخروج ممثـلي الملكية عن قاعة الجمعية العامة وعلى صدورهم وسام الهزيمة والفشل الذريع في كسب هذه القضية ( وكان لاعتراف أميركا من ذلك الوقت بالذات أهمية كبيرة فقد ساعد بصورة حاسمة على احتلال الوفد الجمهوري مقعد اليمن في الأمم المتحدة وإنهاء شرعية الـــوفد الملكي) وسجلت الدبلوماسية اليمنية أول انتصاراتها وفي 19 ديسمبر 1962م وبعد اعتراف عدد كبير من الدول وبينها الولايات المتحدة الأمريكية بالنظام الجديد في صنعاء أقرت لجنة أوراق الاعتماد اعتبار الوفد الجمهوري ممثلاٍ شرعياٍ لليمن. .

قد يعجبك ايضا