
عرض/فتحي الطعامي –
.. مـن الاتراك حتى الثورة السبتمبرية
عرض/فتحي الطعامي
هذه قراءة في كتاب (حركات المعارضة والمقامة في تهامة 1918-1962م) الذي يوثق الدور البارز والمهم لأبناء تهامة في مقاومة الحكم الامامي في تلك الحقبة والتضحيات التاريخية التي بذلوها خلال قرابة نصف قرن سبقت الثورة.
الكتاب وهو عبارة عن رسالة للحصول على درجة الدكتوراه للباحث الدكتور عبدالودود مقشر تطرق للمحطات التاريخية والأحداث والمعارك والوضع السياسي بمنطقة تهامة إضافة الى ترجمة للعديد من شخصيات تلك المرحلة.
يعتبر كتاب (حركات المعارضة والمقاومة) والذي حاز الباحث بموجبه درجة الدكتوراه من أهم الكتب التي وثقت لمنطقة تهامة في وقت يندر فيه الحصول على الوثائق التاريخية التي لم يتم تدوينها إلا ما ندر ناهيك عن أن كثيرا من الكتابات التاريخية أغفلت هذه المنطقة بالرغم من الأحداث الكثيرة والطويلة.. فهي المنطقة الوحيدة التي لم تهدأ طوال النصف الأول من القرن الماضي.
بذل الكاتب جهدا كبيرا كون العمل كان شاق والوثائق مبعثرة هنا وهناك فبعضها كان لا يزال في صدور الرجال والمعمرين الذين عايشوا تلك الفترة وبعضها كانت ضمن الوثائق الأجنبية للدول التي كانت على علاقة بهذه المنطقة سواء لعلاقتها بالاستعمار أو لاهتمامها بموقعها الجغرافي أو السياسي.. ومنها الوثائق الروسية والوثائق الانجليزية والفرنسية والتركية والايطالية.
مع زيارة العديد من المناطق التي كانت مسرحا لأحداث ومعارك كان طرفيها أبناء هذه المنطقة وقوى أخرى استعمارية او حروب شنها عليهم الحكم الإمامي الماضي.
كل تلك الجهود التي بذلها الباحث في كتابه جعل من الكتاب يستحق أن يكون مرجعا تاريخي نادرا يشتمل على تاريخ هذه المنطقة في أهم المراحل والمحطات التاريخية.
وقد قسم الكتاب الى عدد من الفصول:
حيث تطرق الفصل الأول فيه الى الحكم العثماني الأول والثاني لمنطقة اليمن بشكل عام ولمنطقة تهامة بشكل خاص والذي عمل الاتراك العثمانيين على تقوية دولتهم فيها بسبب الموقع الجغرافي الساحلي الذي تمتاز به المنطقة والذي كان محل أنظار الدولة الاستعمارية.
كما تطرق الفصل الأول الى حكم الاشراف لمدينة الحديدة ابتداءا بالشريف الحسين علي بن حيدر وهو كما قال المؤلف من أعدل الحكام الذين تولوا على تهامة (من حليب ابن عمر الى المخا)
- كما تطرق الكتاب الى الغزو المصري للحديدة بقيادة محمد علي باشا وعن الاتفاق الذي تم بين الشريف الحسين بن علي حيث تذكر الوثائق المصرية أن هناك اتفاقا بين الشريف الحسين بن علي مع القوات المصرية والتي انسحبت بسرعة من تهامة تاركة وراءها معداتها وكميات الغلال التابعة لها في الحديدة والمخا على أساس أن يقوم الشريف الحسين بإرسال كل ذلك إلى جدة ليتسلمه الأخيرين.
- وأشار الكتاب للولاة الاتراك واسباب قدوم العثمانين الي اليمن والتي ضمنها في عدة أسباب يأتي في مقدمتها بسط الاتراك لسيطرتهم في رقعة الوطن العربي والتي كانت تابعة للدولة العثمانية انذاك إضافة الى خوف العثمانيين من أن يصل الى هذه المناطق غيرهم من المستعمرين المتربصين من الانجليز والألمان.
- كما تطرق الباحث الى أسماء الولاة العثمانيين في اليمن وفي تهامة والى الأسباب الرئيسية الى أدت الى أندلاع الثورة في تهامة ضد العثمانيين وفي مقدمة تلك الثورات المسلحة معركة قبيلة الجرابح حيث اندلعت عقب ثورة الزرانيق ثورة أخرى وبتنسيق كامل مع حركات المقاومة التهامية وهي ثورة قبائل الجرابح والسبب المعروف (سوء معاملة عامل- قائم مقام – الأتراك عليهم).
- كما ذكر الكاتب في كتابه الى الإعتداء الغاشم الذي تعرضت له منطقة تهامة من قبل الايطاليين حيث تعرضت ميدي للقصف المدفعي مما أدى إلى تدميرها مع مينائها بشكل شبه كامل من قبل البوارج الحربية الإيطالية في شعبان 1320هـ / أكتوبر 1902م وحمل الكاتب الدولة التركية مسؤولية عدم الدفاع عن منطقة تهامة في حينه فقال (وأياٍ كانت الأسباب أو الذرائع المؤدية إلى ذلك التدمير فإن موقف الدولة العثمانية – وتهامة تحت سيطرتها- كان موقفاٍ ضعيفاٍ إن لم يكن متساهلاٍ ومتعاوناٍ مما أدى – فيما بعد – إلى زيادة تأجيج حركات المقاومة التهامية).
وعرج الكاتب الى الحكم الإدريسي في تهامة وممارساته بحق أبناء هذه المنطقة من فرض الاتاوات والغرامات والسجن والقمع.. حتى على كثير من رواد العلم والثقافة.
كما أشار الكاتب الى أسباب الثورات في اليمن عامة وفي تهامة على وجه الخصوص ضد العثمانيين فقال (بعد دخول القوات العثمانية اليمن قامت الثورات ضدهم لأسباب ودوافع أهمها سوء الإدارة فظلم الولاة واستبدادهم وقسوتهم وتعاليهم وعجرفتهم وممارسة كل أنواع التعذيب والجبروت والفساد بعيداٍ عن أعين الدولة وإهمال الدولة العثمانية أيضا لليمن لبعدها عن العاصمة و(بحكم ازدياد الاضطراب في عاصمة السلطنة نفسها من أساليب الابتزاز عند العثمانيين إثارة النعرات والحروب القبلية في تهامة ثم التدخل بعد زمن لفرض أموال جزيلة على المتخاصمين تسمى الجراد وهي أخذ ريال من كل شخص أو التعرض للضرب والتعذيب والسجن حتى يسدد هذا المبلغ.. إضافة الى العديد من الممارسات التي عجلت بخروج الاتراك.. وعن تلك المعارك التي حصلت بين العثمانيين وابناء تهامة يقول الكاتب (عقب استقرار المشير أحمد مختار باشا في صنعاء بدأت حركات المقاومة التهامية تظهر فقد انفجرت الحرب فجأة بين القبائل التهامية والعثمانيين في مناطق شتى من تهامة ففي زبيد ثارت القبائل التابعة لهذا القضاء, ومنهم قبائل الركب في الجنوب وقد اتجه لضربها والتنكيل بها متصرف الحديدة احمد حلمي واتجهت حملة لأجل إخضاع الزرانيق(فقد خرجوا عن الطاعة لذا أصدر المشير أمراٍ حول تأديب وتنكيل أهالي المنطقة المذكورة والنظر في الإصلاحات المقتضية وتحصيل الأموال الأميرية.. فتألفت قوة عسكرية من سريتين من الفوج الثالث التي كانت في الحديدة سابقاٍ مع سريتين التي هي في زبيد من العساكر العثمانية وسرية واحدة من عساكر الدرك فأصبح مجموع القوة خمس سرايا بإمرة أمين اللواء خليل أفندي للقيام باستطلاع وتفتيش داخل قائمقامية زبيد في تهامة في الوقت الذي ضرب الباشا المذكور قبيلة الركب ونكل بها) وحدثت حروب عديدة قتل خلالها شيخ الطرف الشامي للزرانيق بكر جروب معروف في معركة قادها العقيد أحمد حلمي باشا ومعه أركان حربه من قادة الجيش العثماني وتكبدت القوات العثمانية خسائر فادحة ولكن المعمرين يؤكدون أن مقتل الشيخ بكر جروب معروف جاء نتيجة غدر من العثمانيين وبأمان أعطي لهذا الشيخ لاستدراجه للتفاوض ومن ثم تم قتله بعد أن قاوم وقتل اثنين من العثمانيين فقد(قتل شيخ الطرف الشامي من قبيلة الزرانيق وقتل اثنان من الدرك من قبل شرذمة من العصاة..).
كما أكد الكاتب أنه رجع الى العديد من المراجع كان منها ما أورده المخرج الروسي شيندروف والذي قدم الى تهامة اليمن سنة 1920م وقام بتوثيق الأوضاع في تهامة وخاصة الزرانيق الذين كانوا يقتادون الى سجون حجة مكبلين بالأغلال عقب بعض تلك المعارك.
كما تطرق الكاتب الى وضع تهامة بعد خروج الأتراك فقد ذكر أن تهامة دخلت ضمن البند السادس عشر من اتفاقية الهدنة والتي تنص على أن (تسلم كل الحوامي التركية في الحجاز وعسير واليمن وسوريا والعراق لأقرب قواد الحلفاء إليها.. إلا أن ذلك جعل من تهامة لقمة سائغة للحكم الامامي.. وهو الأمر الذي رفضه الأتراك العرب (العساكر العرب في الجيش التركي من السوريين والعراقيين …) للخروج من اليمن وظلوا يحاربون مع أبناء تهامة ضد الحكم الإمامي.
الاحتلال البريطاني
كما تطرق الكاتب الى احتلال البريطانيين لتهامة وما تمخض عنه فقال:
وجدت بريطانيا ذريعة لاحتلال تهامة عسكرياٍ تحت ذريعة تنفيذ اتفاقية هدنة مندروس ولكن السبب المباشر هو تمرد القيادة العسكرية التركية بتهامة واليمن عن تنفيذ اتفاقية الهدنة وأعلن البريطانيون أن (الغرض من احتلال القوات البريطانية هو الإشراف والمراقبة على جلاء الجنود الأتراك من اليمن وعسير وتهامة وتيسير ذلك في مدة أقصاها فبراير1919م لتسليم هؤلاء أنفسهم طواعية) هذا هو المعلن ولكن هذا الاحتلال الذي أمتد ثلاث سنوات من صباح يوم السبت الحادي عشر من ربيع الأول 1337هـ / الرابع عشر من ديسمبر 1918م حتى يوم الجمعة الثاني عشر من جمادى الأولى 1339هـ / الحادي والعشرين من يناير 1921م حقق له بعض ما أراده فالأهداف الكامنة وراء احتلال البريطانيين لتهامة تحقق بعض منها وهي :-
1- جعل المخاء والخوخة وموزع وابن عباس والصليف قواعد عسكرية مؤقتة واتخاذ الحديدة قاعدة ثابتة ليتم شحن الجنود الأتراك مع ما تبقى لديهم من معدات حربية وتم هذا الهدف مع (استسلام فرقة تهامة والتي اجتمعت كلها في باجل والمراوعة ولم يبق إلا القليل في الزيدية وأصبحت اللحية وعبس خالية من العسكر في الخامس والعشرين من ربيع الثاني1337هـ / السابع والعشرين من يناير 1919م ثم استسلام الفيلق السابع أحمد توفيق باشا في يوم السبت الثامن من مارس 1919م مع ضباطه وجنوده وأخيرا تسليم غالب بك قائد المنطقة الشمالية لتهامة مع إلياس بك نفسيهما للمحتل البريطاني في يوم الأحد التاسع من جمادى الآخرة 1337هـ / الحادي عشر من مارس وهما من أبرز المقاومين والمطلوبين وبذلك انتهت القوة العسكرية للأتراك في تهامة.
2- المطالبة بإطلاق جميع الرعايا البريطانيين والأوروبيين والذين كانوا موجودين في تهامة قبل الحرب العالمية الأولى والمحتجزين لدى العثمانيين في الحديدة ثم تم نقلهم إلى باجل ومناخة كورقة ضغط على البريطانيين فتم إطلاقهم بعد الاحتلال البريطاني لتهامة.. قال الوشلي:-(أطلقت أسرى الانجليز الذين كانوا في مناخة وهم الذين كانوا في الحديدة يتجرون قبل وقوع الحرب والحصار ولما وقع الخلاف بين الترك والانجليز أوخذوا بحْكم الأسر وسْيروا إلى مناخة وأطلقوهم الآن وسيروهم إلى الحديدة) وذكر بولدري أنهم 132هنديا بريطانيا و46 يونانيا و1يهودي 1 سوري كاثوليكي.
3- رغبة البريطانيين في توطيد أقدامهم بتهامة واتخاذها منطلقا لإلحاقها بمستعمرة عدن وهذا الاحتمال للاحتلال نسفته شدة ضراوة المقاومة التهامية فاضطر الانجليز إلى الانسحاب الفوري بعد (اقتناعهم بأن الاحتفاظ بقطعة من تهامة معرضة في هذا الوقت لوخز الدبابيس المستمر من قبل القبائل المتاخمة لها والمدافعة عنها وانه امر يفوق طاقتها).
4- احتفاظ البريطانيين بالحديدة لكونها (تريد إبقاء يدها الطولى في المنطقة ومن ثم تريد محاصرة القومية العربية التي بدأت بالتوالد).
5- استباق القوى الاستعمارية الأخرى – الفرنسيين والإيطاليين – في احتلال الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر وخصوصاٍ الإيطاليين الذين حلموا بالسيطرة على هذه الأرض وخططوا لها.
حفظ النظام والأمن في مدينة الحديدة والمناطق المجاورة لها في انتظار قرار خاص من القوى العظمى بملكيتها وهو ما أعلنته بريطانيا كأحد أسباب احتلال تهامة وخشيتها من أن تعم الفوضى تهامة وينعدم الأمان واعتبرت أن تدخلها هو التزام أخلاقي باعتبارها المنفذ لاتفاقية مندروس ..!
6- استغلال البريطانيين احتلال الحديدة كورقة مساومة وضغط على الإمامين الإدريسي ويحيى من اجل تحقيق أهداف استعمارية بحتة.
مواجهة الحكم الامامي
وعن حروب الحكم الإمامي مع ابناء تهامة عامة وقبائل الزرانيق على وجه الخصوص ذكر الكاتب أن هناك العشرات من المواجهات بين الإمام يحيى وأبنائه سيوف الإسلام وبين أبناء هذه المنطقة ومنها معركة العبسية والقحرى في بداية عشرينيات القرن المنصرم ومعركة الجرابح.. وعن الخديعة التي استعملها الإمام يحي مع ابناء هذه المنطقة أوضح بأن دخوله الى تهامة كان دعما لأبناء تلك القبائل للتخلص من الاستعمار العثماني الذي كان موجود ومن الهجمات البريطانية والايطالية على السواحل التهامية إلا أن ذلك الدعم تحول الى ممارسات قمعية أراد من خلالها الإمام يحيى بسط نفوذه على هذه المنطقة التي كانت تحت الوصاية التركية وتخضع لحكم الأدارسة الذين بدأ حكمهم يتلاشى بسبب ضعف في تولى زمام الحكم.
وتطرق الكاتب الى بعض تلك الحروب ابتداءٍ بمعركة زبيد وسقوطها في يد الإمام يحيى وبعد ذلك معارك حيس والخوخة والمخا.
لتدخل منطقة تهامة كما يقول الكاتب في مواجهة عسكرية مع الإمام يحيى وجيوشه في تهامة وكان أبرز تلك المعارك هي معركة المعاصلة المعروفة والتي حصلت بين القوات الإمامية وابناء تهامة ثم معركة الركب للسيطرة على تـــهامة وســقوط الحديـــدة.
اجتمع الإمام يحيى مع مقادمته بعدما لوح له محمود نديم بأن الوقت قد حان للسيطرة على تهامة فـ(ضم الإمام إلى جانبه واستمال سلماٍ دون إطلاق رصاصة واحدة – جبال عبال والحجيلة وبني سعد -فخطته خطة بارعة فتلك القبائل والمواضع أصبحت بلادهم شاغرة من الحاميات والأمير الذي لديهم للإدريسي على الوصف الذي وصفناه سابقاٍ صورة من الإهمال ولا وراءه سند ولا إرادة قوية تسيرهم ومن هنا تشعر القبيلة بالفراغ الإداري والخواء النفسي وتجد في الجانب الآخر العزيمة لاستقطابها وبراعة لاسترضائها وبعد إرسال الأعطية والتمهيدات يستقدمهم إلى الجانب الآخر للمعاهدة ولا يرجعون إلى أوطانهم إلا بما يرضي خواطرهم وبرفقتهم كتيبة تحتل المكان وعندها يتقدم أحد المتبرعين من المشايخ ويسر إلى العامل :- أن القوم كلهم قد خالفوا بعضهم وصل بالجيش إلى طرف القرية انج بنفسك فإني لك من الناصحين فينسحب بسرعة وينتهي الأمر).
ثم نزلت جيوش الإمام بعشرات الألوف يقودهم أشهر قادة الإمام ومن أخلص اتباعه وممن عرفوا بالتعصب الشديد في مذهبيتهم وفي دمويتهم وفضل الإمام كمرحلة أولى ولتثبيت قدمه بتهامة أن يكون مع كل هذه الجيوش بعض المشائخ والمناصب التهامية كدلالين للطرق وممهدين للاحتلال وقامعين للمقاومين التهاميين وواشين بهم.
كما تحدث عن بعض تلك الحروب فذكر مدن الزيدية والمنيرة وابن عباس والصليف :- قاد السيطرة على هذه المدن محمد بن عبدالله أبو منصر وإبراهيم بن عبدالله قوزي فدخلوها بسلام آمنين فاستولوا على جهات الزيدية جميعها وذلك يوم الأحد العشرين من شعبان 1343هـ / الخامس عشر من مارس 1925م والصليف في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شعبان/السابع عشر من مارس وأورد تقرير بريطاني تحليلاٍ لأسباب الانهيار السريع لهذه المدن :- (في 15 مارس حيث تقدمت قوات عسكرية تقدر بثلاثة ألف رجل تحت قيادة السيد إبراهيم قوزي بمصاحبة السيد عبدالله منصر ومعهم منصب الحدادية عبده جيلان وتقدمت هذه القوات واحتلت الزيدية والمنيرة في السادس عشر من مارس ثم احتلت مرسى ابن عباس في نفس اليوم وحقيقة الأمر أن كل تلك الأماكن والمواضع قد احتلت من دون قتال يذكر وكل ذلك بسبب تواجد منصبين من أشهر مناصب تهامة مع هذه القوات منصب المنيرة ومنصب الحدادية ونتيجة للاستيلاء على مرسى ابن عباس فقد قطعت كل وسائل المواصلات والإتصالات بين الحديدة وشمالها وسلمت الحامية العسكرية نفسها طواعية في الصليف للقائد الإمامي في السابع عشر من مارس).
مدن الزهرة والضحي والواعظات واللحية سقطت في يوم الأحد السابع وعشرين من شعبان 1343هـ / الثاني والعشرين من مارس 1925م وقاد القوات عبدالله الوزير وابن عمه أمحمد بن علي الوزير أما اللحية فقاد الحملة (الجيوش الإمامية في الزيدية والمنيرة الشيخ هادي هيج شيخ مشائخ الواعظات في الثامن عشر من مارس والتي احتلت اللحية وارتكبت الكثير من الفظائع والمجازر وفر الشيخ عيسى إبراهيم شيخ اللحية ووصل إلى قمران بملابس تنكرية في العشرين من مارس واخبر القائد بعدم رغبته في العودة إلى اللحية وقرر الاستقرار مدى الحياة بقمران كان متألماٍ جداٍ من الاهانة التي ألحقها الشاب الإدريسي بهم ووصل إلى قمران ألف وأربعمائة لاجئي من اللحية والمدن الرئيسية الأخرى في تهامة وأصدر المفوض العام لجزيرة قمران قراراٍ يحظر بموجبه استقبال لاجئين آخرين بداعي عدم توفر أماكن إيواء كافية لهؤلاء).
بلاد القحرى ومدن باجل والعبيد وعبال سقطت في يوم الأحد السابع وعشرين شعبان/الثاني والعشرين من مارس وقاد الاستيلاء على هذه البلاد علي بن حمود بن محمد وعلي المقداد وذكرت التقارير البريطانية (مع اقتراب القوات الإمامية من جوار باجل في الرابع والعشرين من مارس فر العامل الإدريسي إلى القطيع ثم إلى المراوعة فاستولى الشيخ أبو هادي أحد مشائخ القحرى على إدارة الجمرك واحتلت القوات الإمامية باجل في السادس والعشرين من مارس) واتخذها قائد الجيوش المتوكلية عبدالله بن احمد الوزير مقراٍ لإدارة العمليات الحربية بتهامة وترتيب عملية السيطرة على الحديدة وإرسال الحملات ضد المناطق وقمع المقاومة والثورات.
مدن الحديدة والمراوعة . يتضح من خلال القراءة التاريخية للنصوص والوقائع والأحداث أن نائب الأمير الإدريسي عبدالمطلب بن محمد هارون لم يكن على علم بما حدث ويحدث آنذاك وبالهجوم المفاجئ والنزول المباغت السريع دون أي عوائق أو صعاب للجيوش الإمامية ثم بقطع طرق المواصلات والاتصالات بالعاصمة والقيادة الادريسية وهذا يدلل على فشل الإدارة والقيادة المدنية والعسكرية للدولة وشدة الكراهية التي ملأت قلوب الشعب التهامي ضد هؤلاء وفرض شخصيات غريبة عن الوطن والشعب التهامي قال المؤرخ العقيلي المعاصر لتلك الأحداث عن الحديدة :- (استولى – جيش الإمام يحيى- على باجل وصليل والعبسية والقحرى وبذلك عزل مدينة الحديدة كل ذلك وعبدالمطلب يغط في غفلته ولم يستيقظ إلا وهو يرى نفسه في دوامة من الأراجيف وحرب الأعصاب والسلاح الخامس الذي وفد إلى الحديدة أو استتر فيها فانهارت نفسه المحطمة ومعنوياته الواهنة وأفقده كل أمل في التحرك أو النهضة للمقاومة وتوارد العمال وفلول الحاميات إلى مدينة الحديدة لأن جيش الإمام يحيى قد قطع عليهم خط الرجعة باحتلال الزيدية وابن عباس والصليف.
- ثم تحدث الكاتب عن بدء المعارك الكبيرة بين الإمام وبين أقوى قبائل تهامة الزرانيق فكانت أول حملة لقائد الجيش الإمامي هاشم المحويتي . وبهذا تبدأ التحولات في المشهد العسكري تقترب رغم الوجل الذي اكتسى سير هذه العملية من قبل القوات الإمامية وتبدأ القوات الإمامية بالاقتراب والاحتكاك بقوات المقاومة التهامية والاصطدام بها والتدرج في احتلال الأراضي القريبة من بلاد الزرانيق وأوكل الإمام يحيى لولده سيف الإسلام محمد أمير تهامة جس نبض تكتل قوات القبائل التهامية بزعامة الزرانيق ومحاولة الاقتراب من بيت الفقيه فكان أول احتكاك بينهما في الدريهمي وكان على أثر ذلك أن قام الإمام بطلب من مشائخ الجحبى العليا والسفلى وضع رهائن ويكون بمثابة الدخول في طاعة الدولة ..وكانت بدايتها عامل الدريهمي كان وقتها السيد هاشم وجهتها فقد استدعى أحد مشائخ الجحبى وهو الشيخ أحمد عمر زيد وطلب منه أن يطلعه على الخلاف الذي حدث بين القبائل كما أمره أن يدفع ما عليه للدولة ولم تكن الدولة تستلم من هذه القبائل أي شيء لأنها كانت بحكم العادة القبلية تعتبر نفسها حكومة مستقلة يجمعها ويحكمها العرف القبلي وحينما عامل الدريهمي سمع جواب الشيخ أحمد عمر زيد هذا أمر بحبسه وكان بدون سلاح ولم يكن معه إلا رفيقه درويش وهو من أسرته وكان مسلحاٍ وحينما رأى جنود العامل يعاملون الشيخ أحمد عمر بقسوة فما كان منه إلا أن وجه بندقيته اليهم وأطلق رصاصة باتجاههم. لتبدأ أول معركة في منطقة الجحبة بالدريهمي.
قصيدة ولي العهد أحمد
- كما تحدث الكاتب عن العديد من تلك المعارك كان أبرزها معركة الجلة ومعركة الجاح التي كان يقودها ولي العهد أحمد يحي حميد الدين والتي ارهق فيها جيشه وقال فيها قصيدته المشهورة:
صاح أن الجاح قد أضنى فؤادي
وكسا عيني أنواع السهاد
وبه الكرب على القلب احتوى
لسكون الجيش والبغي يعادي
وسكوتي صح هذا عذره
قلة الجيش وأعوان الجهاد
لم أجد جيشا وعونا للذي
رمته إن خضت بحرا للجلاد
فجميع الجيش عندي نصفه
هدِه السقم بآفات شداد
وهو جيش من نظام حبذا
ذلك الجيش إذا قام بواد
وكذا « الحيمة» أهل المجد من
فعلهم قد فت أكباد الأعادي
وكذا «ابن الهيج» مع أصحابه
أول القوم إذا نادى المنادي
وبقي نصف إذا عاينه
أحد قال جموع لا أحادي
وهو جيش قد أتى محتشدا
من «تعز»بل ومن أقصى البلاد
فيه نصف النصف من أنصارنا
وارثي المجد إلى يوم التنادي
من بني»همدان» أعني «حاشدا»
»وبكيلا» حاضرا منهم وبادي
وترى الباقي ربع الأصل من
»مذحج» بورك في ذاك السواد
لتنتهي تلك المعارك بسقوط بيت الفقيه في 26 سبتمبر 1929م وذلك بسبب الحملات الإمامية الكثيرة وقلة المؤن لدى قبائل الزرانيق التي خاضت تلك الحروب للعديد من السنوات.. وتواجد سيوف الإسلام الخمسة على رأس تلك الجيوش حيث يذكر الكاتب أن الإمام يحيى اشترط على من يتولى ولاية العهد من بعده أن ينتصر في تهامة.
كما تطرق الكاتب الى بعض الوسائل السلمية التي انتهجها أبناء تهامة للتعبير عن احتجاجهم ومنها المظاهرات :
المظاهرات
برزت في الحياة التهامية ظاهرة المظاهرات في عهد الامام أحمد وهي إحدى الأساليب التي أتبعتها المعارضة التهامية للضغط والمطالبة بالحقوق واتبع هذا التكتيك في صفوف الطبقات العمالية الكادحة فقد تجمهر في الحديدة أمام قصر النيابة لأول مرة في تاريخ اليمن حوالي ألف عامل من عمال الميناء وظلوا يهتفون بحماس عال « أعطونا أجورنا أو نشكوكم إلى جلالة الإمام» وظهر السيد يحيى عبدالقادر نائب الحديدة على باب قصره لتهدئة العمال المتظاهرين فلم يزدهم مقدمه إلا صياحاٍ وهتافاٍ وزاد التجمهر المحتشد ولم يتفرق الجمهور إلا بعد أن تقدم إليهم « مقدمهم « يلوح إليهم بالتحويل الذي استلمه لدفع أجور جميع العمال الأسبوعية من المالية وأمين الصندوق.
وإذا كانت هذه المظاهرة قد سبقتها مظاهرات في الحديدة تعبر عن الاستياء من حركة المتمردين الانفصاليين في سوريا ولتأييد الزعيم جمال عبدالناصر وهي ما شجعت حركة المعارضة التهامية على تنظيم المظاهرة العمالية الثانية ومن ثم خرج الناس عن صمتهم والمطالبة بحقوقهم ففي يوم العشرين من نوفمبر1961م قام عامل تهامي بالتظاهر في صباح ذلك اليوم مطالباٍ بعمل ثم انضم إليه عمال عاطلون عن العمل فخرج الجنود للقبض على المتظاهرين هكذا تطورت المطالب والأساليب تبعاٍ للأهداف المرجوة من كل مطلب.
الإضرابات
ومن الأساليب العصرية التي لجأت إليها المعارضة التهامية الإضرابات وهو أسلوب عرف في تهامة إبان إمارة حسين الحلالي لتهامة (1944-1948م/1363-1368هـ)كما ذكرت جريدة اليقظة العدنية في سياق خبر إضراب عمال البناء في الحديدة وأدى إلى حملة اعتقالات طالت سجن رؤساء العمال وعمال في باجل الحديدة فقد أضرب عمال البناء التابعون احتجاجاٍ على تأخر أجورهم وقد قالوا :- إنهم فقراء لا يقدرون على احتمال تأخير استلام أجورهم وقد علم أن العمال أضربوا جميعاٍ ولم يتنازلوا عن مطالبهم وألقى نائب الإمام في الحديدة القاضي محمد حسين العمري القبض على رؤساء العمال وزج بهم في السجن الشريف وأبرق النائب إلى تعز بالخبر وكان رد تعز أن يحول الرؤساء إلى سجن حجة ولكن بعض تجار الحديدة الكبار اتصلوا بالجهات المختصة بهذا الخصوص فكان تحويل رؤساء العمال إلى سجن باجل الواقعة شمال شرق الحديدة ولا يزالون في السجن المذكور وهذا هو ثاني إضراب للعمال في تهامة فقد كان الأول عندما كان السيد القاضي حسين الحلالي أميرا على الحديدة وقد كان أمر آنئذ بسجن الرؤساء بحجة ولكن عفي عنهم فيما بعد.. بعد أن تقدموا بتعهدات لجهات الاختصاص بتعز.
التعليم
تم إنشاء مدارس أهلية ومدارس ليلية من أجل مكافحة الأمية ونشر التعليم بين مواطني تهامة وظهر نخبة من المدرسين الوطنيين التهاميين وعلى رأسهم مدرسو البعثة التعليمية التهامية إلى صنعاء الذين تربوا على حب الوطن وتعلموا الدعوة إلى الحرية والمباديء الإنسانية العامة على يد أحمد الحورش ومحيي الدين العنسي وأحمد البراق وزيد عنان وعلي الآنسي والغيثي وعبدالله السلال ومحمد مصطفى الحلبي وغيرهم الذين كان لهم الفضل في إخراج هذه البعثة التي عملت بشكل دائب على ترسيخ مبادئ الحرية والدعوة إلى حياة بدون تمييز عنصري أو طائفي والمطالبة بدولة العدل والمواطنة والدستور فتخرجت على أيديهم أجيال تعشق الحياة وتطالب بالكرامة والذين ابتعثوا من هذه الأجيال إلى الخارج رجعوا يحملون أفكار للدولة التي يحلمون بها وناضلوا وعارضوا النظام الإمامي من أجلها فكان منهم رواد وقادة بارزون مثل إبراهيم صادق وحسن مكي ومحمد الهنومي.
الخطب والندوات
أتبعت حركة المعارضة التهامية أسلوب آخر وهو الخطابة في الأماكن والمساجد وفي المناسبات التي يحتفل بها الشعب التهامي ومنها عيدي الأضحى والفطر والمولد النبوي والمعراج والبهجة وهي ليلة الخامس عشر من شعبان وغزوة بدر وكذلك ممارسة الخطابة في الاحتفالات بمواليد أولياء تهامة وزياراتهم السنوية وارتياد الأسواق الأسبوعية الشهيرة ومن أشهر الخطباء الخطيب العلامة عبدالقادر الأهدل والذي أمر الإمام أحمد بإعدامه كما سيأتي.
تشكيل أندية وإنشاء اتحادات
سعى مجموعة من الشباب التهامي المستنير في مدن تهامة إلى تأسيس أندية ثقافية خاصة بهم في تهامة لنشر مبادئ الحرية والوعي الثوري وتقبل التغيير والانتقال إلى نظام تقدمي منفتح على العالم ومن أشهر هذه الأندية نادي العريش والمقاهي الشعبية وأشهرها مقهاية محمد التركي بالحديدة ومبارز الشخصيات الاجتماعية والثقافية ومنازل العلم والأربطة الدينية وبعض المحلات التجارية والمنازل.
نادي العريش
تأسس هذا المنتدى في مدينة بيت الفقيه في 1370هـ / 1950م وسمي بنادي المعلمين لكون أغلب رواده هم من المعلمين وسمي أيضاٍ بمنتدى العريش نسبة إلى عريش كان يجتمع فيه مؤسسو المنتدى ورواده وضيوفه والعريش بناءَ مستطيل من الأشجار ويكون للراحة والمقيل والنوم وله أصل لغوي فهو من (عرِش يِعúرش ويعرْش عِرúشاٍ أي بنى بناءٍ من خشبُ والعِريشْ خيمة من خشب وثْمام…وأحياناٍ تسوى من جريد النخل ويطرح فوقها الثمام وجمعها عْرشَ.
كما تطرق الكاتب الى دور ابناء تهامة في الدعم والإسهام في ثورة 26 سبتمبر وعن الخلايا الثورية للضباط الأحرار في تهامة وعن دور أبناء تهامة في مطاردة فلول الإمامة وتضحياتهم في تلك المعارك والتي امتدت الى مناطق أخرى.
ليختتم الباحث الأكاديمي بتراجم عن العديد من المناضلين في تهامة سواء الذين قاوموا الإمام يحيى وأبناءه أو المناضلين في الداخل والخارج في عهد الإمام أحمد.. ومنهم أحمد فتيني الجنيد الشخصية الكارزمية التي جمعت قبائل تهامة وحاربت ضد الحكم الإمامي الظالم إضافة إلى العديد من المناضلين أمثال يوسف الشحاري ومحمد الأهنومي (من الضباط الأحرار.. ناهيك عن العشرات من المناضلين أمثال الاستاذ محمد عزي صالح وعبدالله الصيقل ومحمد محسن الحيدري ويوسف هبه وعلي حمود عفيف ومحمد بن علوي الجفري ومن قادة الخارج أبكر يوسف بيرو وعلي عبدالعزيز نصر (في الداخل).. وغيرهم من المناضلين الذين عمد الكاتب على عمل تراجم لهم.
وأيا ما تكون القراءة فإن كتاب حركات المقاومة والمعارضة في تهامة (1918 – 1961م) يظل مرجعا تاريخيا هاما احتوى على العديد من الوثائق التاريخية النادرة التي بذل فيها الكاتب جهدا كبيرا وزار كما قلنا العديد من القرى والأرياف والمعالم والسفارات التي حصل من خلالها على الكثير من المعلومات.. ويعد الكتاب مرجعا تاريخيا بارزا لتاريخ اليمن في تلك الحقبة عموما ولتاريخ منطقة تهامة في مرحلة تاريخية هامة.