
عبدالناصر الهلالي –
في ردفان كانت البداية وفي المحابشة بدأت معركة الدفاع عن ثورة سبتمبر
المتطوعون الجنوبيون توزعوا في جبهات المحابشة خولان الحيمتين ولبوزة كان في المقدمة
لبوزة يتحدى الانجليز قبل أن يفجر ثورة 14 أكتوبر ويسقط شهيدا في جبل البدوي
لايزال تمثاله منتصبا في غرب مدينة الحبيلين فوق مبنى انشئ حديثا.. التمثال مواجه لجبل البدوي من الشرق يتوسط المكان وداي مصراح المكان الذي شييد فيه تمثال راجح غالب لبوزة أول شهيد في ثورة 14 اكتوبر وأول من فجر شرارة تلك الثورة بعد ان عاد من المحابشة في محافظة حجة هو وسبعون من المقاتلين الجنوبيين الذين كانوا في مهمة الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر.
يعد تمثال لبوزة أول تمثال في اليمن لذلك العملاق الذي وهب حياته لليمن وكان النواة الأولى لوحدة الجنوب والشمال قبل التفكير في ذلك.
التمثال أهدته دولة بلغاريا لليمن ولم يتم الحفاظ عليه كما يجب شأنه في ذلك شأن تاريخنا البعيد عن الدقة والموضوعية.
في الطريق إلى المحابشة
لبوزة لم يكن في مواجهة مع المحتل قبل أن ينتقل من ردفان جنوب اليمن إلى المحابشة في الغرب لم تكن مهمة التحرير قد بدأت بعد غير أن ثورة 26 سبتمبر التي اشرق فجرها صبيحة ذلك اليوم كان لبوزة حينها في ردفان.. يضيف عبدالقوي ناجي العربي الذي التحق بالمقاتلين إلى المحابشة تحت قيادة لبوزة أنها ميلاد جديد للشمال والجنوب ولم تتسع الفرحة للجنود الذين كانوا في جيش الاتحاد الفيدرالي بمعسكر شاميين (النصر) حاليا.
عبدالقوي العربي الذي توفي في العام 2007م بعد مرض دام لسنوات دون ان يعيره احد اهتماما يذكر التقيته في العام 2004م وهو طريح الفراش ولم يكن يخفي حينها استياءه من الوضع الذي وصلت إليه البلد والوحدة عموما.. العربي قال: عندما كنت مرابطا في معسكر بردفان جاء جندي يخبرني أن الثورة في شمال الوطن نجحت وطلب مني الصمت حتى لا اتعرض للأذى من الانجليز.
العربي لم يخف فرحته وراح يخبر الجنود الانجليز أن ثورة 26 سبتمبر سوف تزلزل وجودهم وأخبر الجنود أن الثورة تطلب منكم الرحيل بعدها سجن العربي بسبب تحمسه للثورة ودخوله في سجال غاضب مع الجنود الانجليز.
يقول: سجنوني في معسكر شاميين وعندما جاء أخي عبدالحميد لزيارتي طلبت منه بعد أن أقنعته أن الهرب لن يكون في صالحي ومن الصعب قتل الحراس طلبت منه مرافقة المناضل غالب راجح لبوزة للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر.
كان لبوزة يتاهب حينها مع مئة من المقاتلين في الذهاب إلى صنعاء ولم يكن يعرف حينئذ اين سيستقر بهم المحور الذي سيوزعون فيه.
يقول العربي أن المجموعة بقيادة لبوزة انطلقوا عبر قعطبة التابعة لمحافظة الضالع اليوم ومن ثم إلى إب وكان في استقبالهم اللواء أحمد الكبسي الذي أرسلهم على الفور إلى المحابشة في لواء حجة بقيادة محمد مطهر.
وتشير مصادر تاريخية إلى أن جبهة المحابشة انضم إليها 120 مقاتلا من أبناء ردفان والضالع غير أن الغالبية منهم كانوا من قبائل ردفان وذكرت المصادر التاريخية ذاتها أن الأسباب التي دفعت الثورة في صنعاء إلى توزيع الجنوبيين على تلك الجبهات هي ضراوة المعارك التي تشهدها تلك المناطق وتمكين أفراد المجموعة من القتال في جبهات ومواقع محددة يسهل التجانس فيما بينهم اضافة إلى اطمئنان القيادات العسكرية المصرية المتواجدة في المناطق إلى عدم قدرة الاستخبارات العسكرية في اختراق أفراد تلك المجموعات وتمتع افراد تلك المجموعة بشيء من روح الانضباط للأوامر.
لم يمض الكثير من الوقت حتى لحقت مجموعة لبوزة مجموعة أخرى لكن هذه المرة عبر تعز إذ كان معسكر الاستقبال في منطقة الحوبان ويذكر أحمد مهدي المنتصر في صحيفة 14 أكتوبر من الـ13 من العام الماضي أن هذه المجموعة تجهزت في تعز بأوامر مباشرة من اللواء حسن العمري وتم نقلهم إلى الحديدة ومنها إلى المنطقة الشمالية الغربية والالتحاق بزملائهم في الدفعة الأولى وكان هذا في بداية 1964م وكانت المجموعة الثانية بقيادة محمد حيدرة الحوشبي من ردفان.
ويشير المنتصر إلى أن هذه الدفعة توزعت في مناطق الأمان والمفتاح وببيت العروضي وكلها مناطق تابعة للمحابشة في محافظة حجة إذ كانت ضراوة المعارك لا تتوقف ولهذا تلت الدفعة الثانية دفعة أخرى من المقاتلين الجنوبيين لمساندة الثوار لتحرير المناطق من فلول الأئمة.. الدفعة التي تلت دفعة لبوزة كانت صغيرة وكان من ضمن الذين أنضموا لها عبدالقوي العربي وكانت بقيادة (قائد علي الغزالي).
وفي الحين الذي كان يرسل فيه المقاتلين إلى المحابشة من الجنوب كانت المحاور أو الجبهات كلها بحاجة إلى المقاتلين الذين يتدفقون من الجنوب وخاصة من قبائل ردفان ففي جبهة خولان شكلت سرية باسم أبناء الجنوب بقيادة الرائد محمد أحمد الدقم من الصبيحة وإلى جانبه علي ثابت الجعدي وعلي الصماتي وآخرون.. وتشير المصادر التاريخية إلى أن هؤلاء الضباط والجنود كانوا من العسكريين في جيش وشرطة الاتحاد الفيدرالي وقوام هذه المجموعة التي مرت عبر البيضاء إلى خولان 90 مقاتلا تحت اشراف علي عبدالله السلال ناهيك عن جبهة مارب التي انضم إليها أيضا من المقاتلين الجنوبيين من بني كازم والعوالق السفلى والعليا وبيحان وكان الدعم المصري واضحا لأبناء بيحان ومعظم أفراد هذا اللواء.. لواء الوحدة اليمني المدافعين عن الثورة بقيادة العواضي ولحق بهم ضباط وأفراد جيش التحرير التابع لجبهة التحرير تدربوا في القاهرة.
بالمثل كانت جبهة الحيمتين التي التحق بها 100 من المقاتلين الجنوبيين بحسب عباس ناجي الضالعي.. ويضيف المقدم ركن الضالعي في ورقة عمل له أن معظم أفراد هذه المجموعة كانوا من المتطوعين العمال والطلاب والمدرسين الذين جاءوا من مستعمرة عدن وكان قائد هذه المجموعة محمد عبده نعمان الحكيمي.. لم يبخل الجنوب المحتل حينذاك في رفد الثوار في الشمال بالمتطوعين المقاتلين من كل مناطق الجنوب للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر.
القبائل التي جاءت من ردفان للدفاع عن ثورة سبتمبر لم تكن تحت أي تنظيم كما يقول المناضل علي محمد عبادي العلوي.
ويضيف العلوي لمواقع عدن نت: لم تكن توجد في تلك الفترة الجبهة القومية وجبهة التحرير أو التنظيم الشعبي أو مكاتب في تعز وصنعاء وعدن لأنها لم تكن قد شكلت ثورة في جنوب الوطن باستثناء مظاهرات واضرابات عشوائية كانت عبارة عن تجمعات لدعم ثورة سبتمبر ومصر والجزائر ولا ندري صحة هذا الأمر لأن المعلومات التاريخية في أغلبها متضاربة غير أن الوضع الذي كان عليه الحال يوحي بأن أرسال المقاتلين إلى صنعاء كان بمحض ارادتهم ولا يوجد في التاريخ أن جهة ما كانت ترسل المتطوعين عن ثورة 26 سبتمبر وليس أدل على ذلك من أن المتطوعين كانوا من العسكريين والقبائل والطلاب والعمال والمدرسين.
لحظة العودة
المجموعة التي كانت بقيادة لبوزة قضت وقتا في الدفاع عن ثورة سبتمبر والآن حان الوقت للعودة إلى جبال ردفان لتفجير ثورة 14 أكتوبر التي لم تكن هي الأخرى بتنظيم مسبق من أي جهة سوى لبوزة ومجموعته المقدرة بـ70 مقاتلا فقط عادوا من شمال الوطن وقبل العودة عقد اجتماع في دار السعادة كما يقول محمد لبوزة نجل الشهيد لبوزة في لقاء مع صحيفة 26 سبتمبر وفي الاجتماع الذي كان بقيادة قحطان الشعبي وغالب لبوزة وآخرين تم الاتفاق على مقاومة الانجليز.. وهناك مصادر أخرى تقول أن قحطان الشعبي لم يكن ضمن المجتمعين وأن رغبة لبوزة بالعودة إلى جبال ردفان جاءت بعد إن تم إبلاغه أن القبائل في ردفان على أتم الاستعداد لمقاومة الانجليز بعد أن تم الصلح بينها وعقد الاجتماع على هذا الأساس وكانت طريق العودة للبوزة ومجموعته طريق صنعاء إب قعطبة الضالع حالمين ردفان وهاتان الأخيرتان تتبعان اداريا اليوم محافظة لحج وطريق العودة هي طريق الذهاب وأن كانت مصادر تاريخية أخرى تقول أن طريق العودة كانت عبر تعز.
علم الانجليز أن لبوزة ومجموعته عائدون إلى ردفان بأسلحتهم وترتب على ذلك إصدار منشورات من حكومة الاتحاد الفيدرالي تضمنت في خطابها للعائدين إلى ردفان أن يسلموا أسلحتهم ودفع غرامة خمسين شلنا عن كل شخص غير أن أحمد الكبسي مكن المقاتلين من السلاح والذخائر وكان لدعمه أثر بالغ في تفجير ثورة 14 اكتوبر.. كان حينها نائب المشيخة في ردفان محمود حسن والضابط السياسي البريطاني في الحبيلين ميلن.
ورد الثوار هذا الطلب البريطاني برسالة إلى الضابط ميلن ونائب المشيخة »نحن نعتبر حكومتنا هي حكومة الجمهورية العربية اليمنية وليس حكومة الاتحاد ونحن على استعداد للقتال وأي تحرك لتجاوز حدودنا فنحن على استعداد لمواجهتكم ولا تلوموا إلا أنفسكم« .. وقبل أن يغلق مظروف الرسالة وضع لبوزة رصاصة (غليمان) وبدأ التحدي للانجليز والمشيخة واضحا بعدها تحرك الانجليز في الحين الذي توزع فيه المقاتلون بقيادة لبوزة أربع مجموعات ولم يزد عددهم على 70 مقاتلا.. مجموعة أسفل جبل البدوي الذي دارت فيه المعركة مجموعة خلف الجبل وأخرى في وادي مصراح الواقع بين الجبل ومدينة الحبيلين اليوم و مجموعة في الاتجاه الآخر للجبل وقبل أن تبدأ معركة الثورة اختطف الانجليز من الوادي أحد الفلاحين القريبين للبوزة عندما كان يعمل في حراثة أرضه وعندما علم لبوزة بالأمر تحركت المجموعات إلى مواقعها غير أن الانجليز اعتمدوا على الاستخبارات لمعرفة مكان لبوزة وبدأت المعركة الحاسمة منذ الصباح الباكر ولأن الأسلوب الاستخباراتي هو أساس حرب الانجليز تم تحديد مكان لبوزة وضرب المكان بالمدفعية الثقيلة استشهد على أثرها لبوزة قبل صلاة الظهر واستمرت المعركة حتى عصر ذلك اليوم.
وبعد استشهاد لبوزة تم تشكيل خلية للمقاومة وكانت الخلية بدون قيادة كما تقول المصادر التاريخية.
وتضيف المصادر أن الخلية لم تنسق مع أي جهة أو أفراد لتشكيل قيادة الكفاح المسلح في جنوب الوطن.. فيما بعد تبلورت قيادة في عدن كانت تتلقى الدعم المادي والسلاح من الشمال بالتنسيق مع القيادة الميدانية في ردفان عهد إليها ترتيب وصول السلاح والتموين إلى الجبهة العسكرية في ردفان من الشمال ومن ثم توزيعه على باقي المحميات وكان أحمد مهدي المنتصر وعلي السلال هما المسؤولون عن تخزين السلاح والتموين.
الحقيقة والتمثال
في العام 2004م زرت مدينة الحبيلين وامتدت الزيارة إلى مصراح الذي يتوسط بين المدينة وجبل البدوي الذي دارت فيه معركة الثورة وهي المعركة الأولى ووادي مصراح مكان لتمركز قوات الانجليز التي بلغت في ليلة انفجار الثورة لواء بكامله قبل النزول إلى الوادي والصعود إلى جبل البدوي الذي يبتعد عن المدينة خمسة كيلو مترات ينتصب تمثال لبوزة الذي منحته دولة بلغاريا كذكرى لذلك البطل الشجاع الذي كان له الفضل في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر وتفجير ثورة 14 أكتوبر الهضبة التي نصب فيها التمثال على مبنى يتكون من طابق واحد وفي المكان ذاته كانت هناك ثكنة من الجيش اليمني عندما زرت المكان وتحول المبنى ذاك إلى مخبز للعسكر »مخبز الكدم« ورأيت كيف يخرج الدخان من فتحات التمثال قبل ظهر كل يوم .. تحول مبنى التمثال إلى فرن والتمثال ذاته إلى منفذ لخروج الدخان.
حتى ذلك الوقت كان التمثال متماسكا إلى حد ما غير أن تأثير الدخان المتصاعد كل يوم بدا واضحا عليه ولا ندري اليوم ما الذي آل إليه التمثال.. غير أنه يظل رمزا لكفاح أبناء منطقة ردفان ضد المستعمر المغتصب في الجنوب الاستبداد في الشمال.. الشاهد أن لبوزة كان له الفضل في واحدية النضال ووحدة التحرر قبل سنوات من إعادة تحقيق الوحدة حتى ذلك الوقت كان الشعبان متوحدين وعندما دخلت السياسة في الخط تصدعت الوحدة ولازال التهديد قائما حتى هذه اللحظة وإلى أن يأتي الحوار الوطني ستتضح المسألة أكثر.