كانتú خطابات◌ْه◌ْ م◌ْلهöمة◌ِ الجماهير والم◌ْعبøöر الحقيقي عن معاناتöهم


استطلاع/ فايز البخاري –

– أول رئيس لاتحاد الأدباء والكْتاب اليمنيين يْقدم استقالتِهْ مْبكراٍ
– تولى العديد من المناصب الحكومية وخرجِ منها صفر اليدين
– نبغِ مْبكراٍ وكان في مقدمة شباب إب المناهضين للإمامة وخطيبهم المفلق
– لا تزال الملايين تذكره بخيرُ وتترحم عليه كْلما ذْكر

> لا يختلف اثنان في عرض اليمن وطولها على ما كان للأستاذ محمد علي الربادي من محبة في قلوب كل الناس الذين أحبوا فيه شجاعته وإخلاصه في نضاله من أجل الوطن والمستضعفين فيه. فكانت خطاباتْهْ أصدق مِن يْعبر عنهم واللسان الفصيح الذي ينقل معاناتهم. مثلما كانت كذلك قصائد رفيقه الآخر المناضل يوسف الشحاري. فقد انفردا على مستوى اليمن بصدق التعبير وتبني قضايا الناس ونظافة ذات اليد. وفيهما يقول الأستاذ البردوني في إحدى قصائده:
نحتسي شعرِ الشحاري تارةٍ
تارةٍ نحسو خطابات الربادي
وإنصافاٍ لهذا العِلِم الفذ في مسيرة النضال الوطني الذي قضى حياتِهْ في خدمة الوطن ومواطنيه البسطاء وخرج من الدنيا خاليِ الوفاض وصفر اليدين من متاعها وثرواتها وأدرانها إلامن حب الملايين من الناس وضمن الملف الذي خصصناهْ لدور محافظة إب في النضال الوطنيقمنا بهذا الاستطلاع للوقوف على مجمل شخصية الربادي والذي أعاننا كثيراٍ في مادته نجلْهْ الأستاذ البرلماني خالد محمد علي الربادي الذي خرج من البرلمان مثل أبيه دون فائدة دنيوية إلا السْمعة الطيبة.
> > >
> أولاٍ الربادي في سطور:
> من مواليد مدينة إب 1935م من أسرة فلاحية. تلقى تعليمه بالمدارس العلمية بمدينة إب على يد عدد من العلماء عمل بالبيع والشراء واحترف مهنة اللحام وهو يدرس ويْدرس التحق بوزارة التربية والتعليم (المعارف) مْعلماٍ بعد خروجه من سجن القلعة 1958م . بعد قيام الثورة تعين مديرا لمكتب الارشاد بمحافظة إب. ثم تعين بعد ذلك نائبا لوزير التربية والتعليم 1965م .
سجن مرة ثانية في صنعاء وتعين بعد ذلك مديرا لمكتب الإعلام بمحافظة تعز ثم تعين وكيلا لوزارة الاعلام ثم رئيسا لمصلحة الاذاعة حتى عام 1967م.
ثم وكيلا لوزارة الاعلام عدة مرات حتى عام 74م ثم وكيلا لشئون المجالس البلدية 1982م .
انتخب عضوا في المجلس التنفيذي لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ثم رئيسا للاتحاد عام 1990م وحتى 1992م .
عْرف باتجاهه القومي واشترك في بعض المظاهرات المناصرة لبعض التكتلات القومية فسجن بسبب ذلك ووقف إلى جانب الثورة والجمهورية وشارك في مؤتمرات عديدة لمناصرتها مثل: مؤتمر (عمران) ومؤتمر (الجند) ومؤتمر (حرض) وجعل من خطبته الأسبوعية التي يلقيها على منبر الجامع الكبير بمدينة إب محاضرة تنويرية يعرض فيها العديد من حقائق الإسلام برؤى عصرية كما شارك في كثير من الفعاليات الشعبية بكلمات سياسية وعمل وكيلاٍ لوزارة البلديات لشئون المجالس البلدية وعْرف بصراحته وجرأته وتناقل الناس بعض شعاراته الثورية مثل قوله: (لا حرمة لثراء غير مشروع).
رأس وفد ج.ع.ي سابقا إلى مؤتمر وزراء الاعلام العرب كما شارك بعدد من المؤتمرات والاجتماعات الأدبية والفكرية وله عدة ندوات ومحاضرات في المدارس والكليات والمعسكرات والنوادي والتجمعات .
آخر منصب له عضوا في مجلس النواب حتى وفاته في الخامس من يوليو 1993م. عْرفِ بأنهْ شخصية مستقلة عن أي انتماء حزبي ولاؤه لله والوطن والثورة . صدر عنه كتاب بعد وفاته بعنوان: (الربادي الشجرة الطيبة) أصدرته كتلة المعارضة في مجلس النواب والأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
ثقافة متنوعة
> الاستاذ الربادي نموذج للمثقف الايجابي الذي استطاع أن يستخدم آليته الثقافية النضالية من أجل الوطن والمواطن حتى أصبح صاحب قضية ورجل أفكار ومبادئ بذل طوال حياته الجهد لتحقيقها قدر استطاعتهومثل كل الجهود البشرية فقد أصاب وأخطأ وأثرِ وتأثرِ وحققِ ايجابيات ووقِعِ في سلبيات وفي كل الأحوال أصبح واحداٍ من صْناع الحياة ورواد التغيير ورجال النضال وقبل ذلك فقد كان رحمه الله مثقفاٍ كبيراٍ ووطنياٍ حكيما .
اعتمد الربادي على ثقافته المتنوعة وفكره الواسع فقد كان يقرأ في دكان الحبوب مع زملائه تفسير في “ظلال القرآن” للشهيد سيد قطب وكتاب “في الشعر الجاهلي” للدكتور طه حسين وكان لذلك أثر في بناء ثقافته فقد استفاد من سيد قطب أهمية التغيير الاجتماعي. تميزِ الاستاذ الربادي عن بقية زملائه بالقراءة الموسوعية والثقافة الذاتية وربط ذلك بالعمل الوطني والتحديث الاجتماعي وقد استغل دكانه الذي يبيع فيه القمح والذرةº للقراءة والنقاش والثقافة حتى أصبح دكانْ الحبوب والحنطة منتدى فكرياٍ وصالوناٍ أدبياٍ. ويقول الأستاذ البردوني رحمه الله عن هذه الفترة من حياة الربادي أنها تتكون من ثلاثة أركان: مْعلمِاٍ مْتِعِلمِاٍ وحناطاٍ مثقفاٍ وكاتباٍ يريد تغيير العالم بكله .
وعلى الرغم من ثقافته الواسعة وأدبه الغزير فقد كانت الكتابة لديه نادرة وفي سنواته الأخيرة مستعصية ولهذا فقد عرف الناس الأستاذ الربادي بأنه خطيب لا كاتباٍ ومثقفَ أكثر منه سياسياٍ ومع أنه تقلدِ العديد من المناصب التي منها نائباٍ لوزير التربية والتعليم ووكيلاٍ لمصلحة الإذاعة ووكيلاٍ لوزارة الإعلام ووكيلاٍ للمجالس المحلية وأخيراٍ عضو في مجلس النواب حتى وفاته في الخامس من يوليو سنة 1993م إلا أنه خرج من كل هذه المناصب شريفا نظيفا فقد استطاع رحمه الله أن يحافظ على توازنه كالطود الشامخ أمام الإغراءات المادية والتهافت السياسي بعيدا عن الحزبية والمذهبية والطائفية مما زاده إشراقا في طرح الفكرة ومضيا في العزيمة وتوقدا في الإرادة حتى أصبح الهاجسْ الوطني والهِمْ الاجتماعيْ قضيتِهْ ” المصيرية ” وكان صاحب نظرة منهجية في تعامله مع التراث الإسلامي من منطلق عقلاني متأثرا بأفكار المعنزلةº ينظر إلى الإسلام باعتباره دين الحرية والعدالة والمساواة ورسالة لمقاومة الظلم والظالمين ودعوة إلى العدالة الاجتماعية. ويرى الأستاذ الربادي أن الإسلام ليس دين السلبية والمواعظ الباردة التي تحارب العقل والحرية وخلال الفترة التي كان فيها خطيبا للجامع الكبير بمدينة إب تميز بنقده للظلم والظالمين والفساد والمفسدين والتعصب والمتعصبين والجمود والجامدين ويرفض الوصاية السياسية والاستبداد الديني عند أولئك الذين يزعمون أنهم يمتلكون الحقيقة ويحتكرون الصواب .. يقول رحمه الله : تنبري جماعات لتتحدث عن الإيمان وكأنه مفصل على جماعة واحدة أو حزب واحد يعتقدون أن قتل المسلم فرض واجب لأنه اختلف معه في الرأي مع أن الدين واسع شامل لا يمكن لفرد أو جماعة أن تمتلك الحقيقة الأبدية وحدها.. وكان دائم الرفض للأفكار الضيقة والآراء المتشددة يفرق بين الدين والتدين والإسلام والمسلمين والمثال والواقع .
في أول انتخابات لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنين عقب قيام الوحدة فاز الربادي برئاسة الاتحاد وخلال فترة قصيرة حاول عمل شيء إيجابي لكنه أخفق بسبب الفساد المالي والإداري الذي كان يسيطر على الاتحاد ولأنه حر وشريف وواضح فقد قدم الربادي استقالته من رئاسة الاتحاد. وفي أول انتخابات برلمانية عقب الوحدة رشح نفسه لعضوية البرلمان وحقق فوزا كبيرا دون أموال أو أنساب أو أسرة أو عشيرة فقد كان الناصح الأمين والرائد الذي لا يِكúذبْ قومِهْº ففي آخر كلمة له وقبل وفاته بفترة بسيطة نقل للأخ رئيس الجمهورية هموم وتطلعات الناس في خْطبةُ قوية وصادقة – والتي يسميها البعض خطبة الوداع – اختزل فيها المعاني الكبيرة في كلمات قليلة مركزة وواضحة .
اشتهرِ الأستاذ الربادي بحبه للقراءة والاطلاعوكان ينزع منزعٍا صوفيٍا ومجالسه مجالس علم وأدب وقد توفي إثر ذبحة صدرية ألمت به في 5/7/1993م.
ناقداٍ ومْنصفا
> يذكر محبوه وزملاؤه وأصدقاؤه من أمثال الأستاذ محمد زين العودي ومحمد عبود باسلامة أنهْ بقدر ما كان ناقداٍ لظلم وفساد الحكومة والدولة كان منصفاٍ لما تقوم به من منجزات. ويستدلون على ذلك بخطابه الذي ألقاهْ أمام الرئيس السابق علي عبدالله صالح في المركز الثقافي بمدينة إب والذي استهلِهْ بذكر الإيجابيات والإنجازات دون كذب أو نفاق أو زيف قائلا :
“الأخ الرئيس إننا نعلق عليك الآمال ببناء الدولة اليمنية الحديثة .. ولا نريد أن نكون مزايدين ولا كذابين وإذا قلنا شيئا فالصدق هو الذي يدفعنا لأن الإسلام يحثنا عليه “..
ويضيف الربادي : “مر علينا بناء سد مأرب ومر علينا الوعد باستخراج البترول فخرج البترول وتحققت منجزات كثيرة آخرها قيام الوحدة اليمنية وإعلان التعددية والدعوة للديمقراطية “. ثم ينقل هموم الناس ويعبر عن معاناتهم والرئيس يستمع إليه بإنصات وإنشراح: يقول الربادي مخاطبا الأخ رئيس الجمهورية : “أنت تعلم أن المظالم سحقت الناس سحقاٍ وأنهم يئنون من الفقر والمظالم والجوع ومن المؤسف أن هناك من لا يْقدرْ المسئولية ونقول لهم السلطة تريد من يْشرفهاº تريد من يحترمها. ونريد أن نقول أننا لا نريد أن نْحمل الحكومة كل شيء ولكن بالإمكان أن تخفف عن الناس المآسي .. الأخ الرئيس أملنا كبير وإننا سنتجه جميعا لبناء دولة اليمن التي نعتز بها وبسيادتها وبكرامتها”..
وهكذا نجد الربادي ينطلق من فهم إسلامي لدور المعارضة الحقة بعيدا عن الهدم والتخريب ودون إساءة أو تجريح فهو يتحدث عن الإيجابيات قبل السلبيات يختار ألفاظه بوضوح دون تعميم أو إسراف في المدح والقدح فالسلطة ليست دائما على خطأ والمعارضة ليست دائما على صواب. فالربادي يْشخصْ المعاناة ويقدم النصيحة أمام رئيس الجمهورية دون عقدة النقص أو حاجز الخوف الذي تسيطر على بعض المثقفين والمفكرين وحتى المناضلين. وكان الربادي أثناء إلقاء الكلمة أمام رئيس الجمهورية في حالة صحية صعبة وأوضاع مادية سيئة ومع ذلك لم يْصرح أو يْلمح بل عِرِضِ طموحات وآمالِ الناس ونقلها إلى السلطة متجردا عن رغباته الذاتية. رحم الله الأستاذ الكبير والمثقف الحكيم والمناضل المنصف الذي جعل الوطن والمواطن همِهْ الأول والأخير وجعل التجرْدِ مسلِكِهْ والإنصاف طريقه حتى استحق هذه المكانة في عقول وقلوب الناس حيا وميتا .
نهرَ إذا خِطِب
> ويقول عنه الأستاذ عبدالله البردوني في مقالُ بعنوان “الربادي.. محامُ بدون أجر للفقراء والمظلومين” :
((لماذ يتدفق إذا خِطِب¿¿ وتتقطع أنفاسْه إذا كتب¿ حتى صارت كتاباتْه نادرةٍ في بداية الستينيات ولكن أهم من كتابته وخطابته حضور موقفه إلى جانب كل مظلوم وكل مجني عليه من أي متجه فكان يعنى بالسجين من جهتين: المطالبة بإطلاقه ومساعدة أهل السجين بما اقتدر عليه.
وكان ضيق الصدر لوقوع أي حدث على إنسان بريء. وكان خدوماٍ عند كل احتياج وبالأخص إقداره العاجزين على أي مستوى فلا يمر وفي الطريق كسيح دون أن يبذل ما يملك في وصول الكسيح إلى مأربه. إلى جانب هذا محاماته للفقراء. وكان يتقاضى كل محام أجراٍ إلا الربادي فإنه كان يقول: «ما احترفت الوكالة في المحاكم وإنما أنا طالب فائدة من سير الأحكام وتفاوت أطماع القضاة».
وكان يرى أن القضاة يطولون مدة الشجار أو يضعون في الأحكام ما يتسبب في استئناف المشاجرة فكانت القضية الواحدة تظل شهوراٍ لكي يظل الدخل بكل مسمياته مستمراٍ وكان الاستغلال على أشده حين يخرج القاضي للاطلاع على مكان الحدث أو على الموضوع الذي يدور حول الخصام.
نظافة اليد والجيب
> ويستطرد البردوني: كان الربادي قليل المعارف الفقهية ولكنه نفاذ الذكاء إلى بواطن الاحكام وطوايا القضاة. وأول من فطن إلى اجتماعية الربادي هو أحمد السياغي نائب لواء إب الذي لقيه المحسن لوجه الله ومن عام 1965م شغل مناصب كرئيس مصلحة كمدير مؤسسة كوكيل وزارة وكانت وكالة الوزارة أطول أعماله ودلت أعماله على نظافة يده وجيبه فقد كان الوكيل قوي الصلة بالدوائر المالية لأن منصبه في حقيقته اداري وأن كانت مواصفاته سياسية فمن حقائق التدرج الوظيفي أن يصل الموظف المجرب إلى وكالة الوزارة لكي يقتدر على إدارتها من موقع خبرة لأنه تطور وتعرف من أول السلم الوظيفي إلى الوكالة وفي بلادنا يتعين الوكيل بقرار جمهوري كالوزير وهذا يخلع عليه الصفة السياسية مع ان الوكلاء موظفون عدوا إلى درجة الوكيل أو الوزير غير أن التعيين لا يراعي القانون الوظيفي فقد تعين كثير من الموظفين مديري إدارات من أول يوم في العمل سواء كان الحكم رئاسياٍ أو حكومياٍ ومن عام 70م إلى الآن أصبحت كل الانظمة العربية ملكية أو رئاسية أو أميرية.. وكان الربادي من الذين ينالون المنصب الإداري أو الوكالي بلا تدرج في المؤسسة التي بدأ منها عمره الوظيفي فقد يتعين وكيل وزارة الأشغال وكيل وزارة تربية أو إعلام.
ودلت الظواهر على أن الوكالة أطول عمراٍ وأسخى نفعاٍ إلا الربادي فإنه ظل فقيراٍ أو أقرب إلى الفقر وهو وكيل أو مدير عام لأنه أراد أن يكون نفاعاٍ كإنسان وليس منتفعاٍ كسائر الأجراء والأجيرات.
قيمة إنسانية
> ويضيف البردوني: إن الكتابة عن الربادي إلى الآن مجرد استعراض ظواهر. أما الكتابة الحقيقية عنه فإنها ستتبازغ عندما تسفر أوراق الربادي عن وجهها لكل باحث لأن هذا الانسان قيمة في ذاته قيمة وطنية قيمة إنسانية.
لأنه مْضحُ بلا أربُ شخصي وقد كان آخر أعماله رئاسة اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين لكنه استقال بعد عام حين تكشف أنه لا يجدي وحين تكاثر دخل الاتحاد من ايجار داره في عدن فكأنه فر من النقود او من صرفها بلا استحقاق. وفي انتخاب ابريل 1993م حصل على أصوات المنطقة بلا استثناء إذ كان المواطنون يتبارون هاتفين لأنهم بهذا يدلون على حسن اختيارهم وعلى معرفتهم بمقادير الرجال وقد كان هذا الانتخاب بكل تفاصيله قليل الجدوى لأن طابع الصفة غلب على طابع الحرية فخسر المواطن معرفة الشعب بالانتخاب ولماذا ينتخب. لأن سوابق النائب هي التي تضعه موضع الاختيار أو الكراهية لأن مواطن العالم تختار عن وجاهة سببية فتختار هذا على شجاعته في حرب وتنتخب ذاك لمواقفه من خصوم الوطن وتختار هذا لمعارضته زيادة الضرائب وهذا لحسن مواقفه إلى جانب الفقراء… فما من منتخب إلا وله سوابق هي التي تقرر الفوز أو الاخفاق وقد تمت الانتخابات ودل انتخاب الربادي على خبرة الذين انتخبوه بلا نقود وبلا مواعيد بنقود. فودع الربادي عالم الأحياء راضياٍ مرضياٍ عنه.
الرجالْ يموتون وقوفا
ويقول فيه الأستاذ يوسف الشحاري في قصيدةُ كتبها في رثائه:
يا ربادي يا أصدق الناس قولاٍ
وضميراٍ وسيرة ومسارا
يا ربادي إن الليالي عذاب
في حمانا يلوك فينا الصغارا
يا ربادي, إن الأعاصير تلغي
زائف الخطو تلفظ الخوارا
يا ربادي,لن يجرح الرعب خطوي
قسماٍ,لن ينوش مني زرارا
كم عرفنا, من الرجال, تهاووا
فانتهوا جيفة, وطاروا غبارا
كم عرفنا الكثير,صالوا,وجالوا
أمس,واليوم أصبحوا سمسارا
وطنيون في (المتاكي) كلاب
في التقارير, يقتلون النهارا
وطنيون في (المتاكي) كلاب
في الحراسات لا يصونون عارا
أيها الشامخ الأبي ستبقى
أبداٍ شامخاٍ ولن تتوارى
أيها الشامخ. الأصيل مْحال
أن ينال النسيان يوماٍ كبارا
لا يموت الرجال إلا وقوفاٍ
وإباءٍ وعزة واختيارا
لا يموت الرجال إلا وقوفاٍ
ووفاءٍ يزاحم الأشجارا

الصوفي الزاهد
> وقال عنه الدكتور محمد عزيز أستاذ اللغة العربية في جامعة ييل في ولاية كنيتيكت الأمريكية الذي يصفه بـ”صوفي اليمن الزاهد”:
كان القطب الكبير عالما فاضلا متكلما وأهم صفة فيه أنه كان خطيبا بارعا . هذه الصفة صاحبته منذ عرفته إلى أن وافته المنية . فكنت أحرص على حضور صلاة الجمعة في الجامع الكبيرفي مدينة إب لعل الأستاذ القطب يكون هو الخطيب . وكنتْ أحزنْ عندما أرى خطيبا آخر يرتقي المنبر لشدة تلهفي لسماع مواعظه وخطبه الكاملة المتكاملة . لعل الأستاذ الكبير كان يدرك معنى الهدف من خطبة الجمعة وهو إعلام الناس بما يحتاجونه من الفقه والموعظة لكنه يأبى إلا أن يْضِمن الخطبة بجميع ما يدور في الساحة الإسلامية والعربية . وهو مع ذلك لا يخل بنظام الخطبة من حيث الإيجاز واختصار المعاني ونقلها بعبارة سهلة يفهمها جميع الناس. وكنتْ أشعرْ كبقية الناس أني كالعطشان ولا أرتوي إلا عند تمام الخطبة .
تمثْل المبادئ
> ويضيف الدكتور عزيز: على الرغم من أن الأستاذ الكبير لم يترك مؤلفات – على أغلب ظننا – إلا أنه ترك انطباعات لا تــْنسى وذلك أنه كان يصحح المفهومات الخاطئة لدى كثير من الناس عن رسالة الإسلام الخالدة وكان مما لا أزال أذكره تكراره لمقولته الخالدة وهو أن الإسلام دين الحْرية والمساواة والعدالة الاجتماعية . كان دائماٍ يِحْث في خطبه الحماسية والملهبة على هذه المبادئ فالحرية كما قيل شمسَ يجب أن تشرق في كل نفس فمن عاش منها محروماٍ عاش في ظلمة حالكة والإسلام جاء ليخرج الناس من العبودية إلى نور الحرية . والمساواة كما كان يْصر عليها أستاذنا الجليل هي الخروج من بوتقة الفوارق الكبيرة من حيث الغنى الفاحش والفقر المدقع واستئثار الأغنياء بالمال من دون النظر للفقراء بعين الرحمة . وكذلك أمر العدالة الاجتماعية في فكر الأستاذ محمد الربادي حيث كان يرى إزالة الفوارق الشاسعة بين الطبقات كما أمر بها الإسلام وكان أكثر ما يتمثل بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” الناس سواسية كأسنان المْشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ” .
ومما يجب التنويه به أن الأستاذ القطب كان يكلم الناس وينزل من رتبته العلمية إلى مستوى الناس ويمشي في الأسواق ويركب الدراجات النارية وهو بهذه الصفات اكتسب ود الناس وعمق محبتهم فصار على رغم علو قدره كأحدهم وهذه هي رسالته الخالدة والتي تتمثل بعدم التعالي على الناس والعيش بينهم كفرد منهم يحس بآلامهم ويفرح لأفراحهم ويحزن لأحزانهم وهو بهذا يحقق ما دعا إليه سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما معناه : ” إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا أو كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوَ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” . فكانت رسالته في الحياة رسالة لا يقدر عليها إلا الأقوياء من أمثال الأنبياء أو الأولياء أو من سار على نهجهم من العلماء والمصلحين .
باقُ في الذاكرة
> ومما لاحظناه في عموم محافظة إب واليمن أنه كْلما ذْكرِ الأستاذ الربادي – الذي لايزال موجوداٍ في ذاكرة الناس- فإن الناس جميعاٍ يترحمون عليه بلا استثناء رْبما لأنه كان استثناءٍ في نضاله وشجاعته وإخلاصه وتفانيه من أجل السواد الأعظم من الناس. وأثناء حياته كان لا يهاب الملوك أو الرؤساء وكان يقول كلمة الحق ولا يأبه لما سيحل به أو ينزل به من العقاب . ويذكر مْحبْوهْ أنهْ في إحدى المرات وقف بجرأة ليعبر عن الأحوال المعيشية لعامة الناس ويندد بالغلاء المفتعل من قبل كبار التجار الذين أعماهم الجشع عن معاناة الناس والذين تناسوا اليوم الآخر فقال في خطبة له في أحد المحافل : ” إننا نريد من السلطة على الأقل ما امتنِ اللهْ به على قريش حيث: ” أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ” . ومما يوثر عنه في أواخر خطبه الدعاء ليس لكل المسلمين والمسلمات فحسب ولكن لجميع المستضعفين والمغلوبين في جميع أنحاء الأرض . وهذا سبب وجيه للإشادة بدعوته العالمية التي لا تعرف الفرق بين إنسان وإنسان لأنها رسالة الإسلام نفسها كما قال تعالى لرسوله الكريم :”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” ما يعني أنهْ جسدِ روح الإسلام الحقة وكان سباقاٍ في مجال المساواة وحقوق الإنسان.
faiz.faiz619@gmail.com

قد يعجبك ايضا