
فايز البخاري –
قراءة في أسباب وحيثيات قيام ثورة 26 سبتمبر
رغم أننا نعيش الآن أفراح عيدها الذهبي بمناسبة مرور خمسين عاماٍ على ميلادها المبارك إلا أن هناك مِن لا يزالون يطعنون في ضرورة وحتمية قيامها ويحاولون بأرجافاتهم النيل منها بوصفها انقلاباٍ عسكرياٍ تارة وتارةٍ بالقول إن الوطن كان في غنىٍ عن قيام الثورة السبتمبرية التي امتدتú حروبْها مع الفلول الملكية لأكثر من ثمان سنوات انتهتú بالصلح والتوافق وعودة الكثير من الرموز الملكية إلى أرض الوطن. بل وتبوأهم مناصب حساسة ومرموقة.
ونحن وإنú كْنا لا نميل لهذا الرأي إلا أنهْ من الواجب مناقشته في ظل سقف الحرية الذي تتمتع به بلادنا في هذه الآونة. وإذا لم يكن لأجل إقناع أصحاب هذا الرأي الذين يبثون إرجافاتهم تحت مسميات عدة فلأجل جيل الشباب الذين لم يعيشوا تلك الحقبة المتخلفة من عهد الإمامة العنصري البغيض ولم يقرأوا تاريخِ وطنهم وكفاحِ أبطالهم ومناضليهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل صناعة تلك اللحظة الاستثنائية في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر عشية السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م حين فجروا الثورة الخالدة ضد الإمامة المتخلفة وأعلنوا ميلاد عهدُ جديد قائم على النظام الجمهوري العادل الذي يستمد سلطته من الشعب ويلغي كل الفروق الطبقية التي كرسها الأئمة وزبانيتهم لقرونُ من الزمن أوجدت بوناٍ شاسعاٍ بين أولئك الزبانية والسواد الأعظم من أبناء اليمن الذين عاشوا في الهامش في ظل جهلُ وفقرُ وتخلْفُ وانغلاقُ لم يشهده بلدَ على مِر الزمان حتى لم يعد أحد يسمع ببلد اسمه اليمنوهذا ما أكدِهْ لي في حوارُ سابق المناضل حسين شرف الكبسي وكان دافعاٍ لأن يكتب أبو الأحرار الشاعر محمد محمود الزبيري رائعته الروائية (مأساة واق الواق) التي صور فيها ابتداءٍ من العنوان مأساة هذا البلد المتخلف الذي جِهلِهْ العالمْ ولم يعودوا يعرفون حتى موقعه على الخريطة وكأنهْ بلدَ أسطوري لا وجودِ له إلا في كتب التاريخ القديم التي حوت الكثير من الأساطير مثل أسطورة بلاد واق الواق.
فايز البخاري
> الثورة نقلتú اليمن من بلد أسطوري إلى بلد فاعل وموجود على الخارطة
> تكريس الطبقية والمذهبية من أهم مساوئ العهد الإمامي المْباد
> المأساة أن الإمام اعتبرِ نفسِهْ ظلِ الله في الأرض ولا يجوز نقده
> تجهيل اليمن وعزله عن محيطه من ثوابت الإمامة لتركيع أبنائه
محاولات للإصلاح
> والجريمة أنه كل ما كان يحاول المناضلون وأرباب المعرفة ممن تسنى لهم الخروج عن اليمن وزيارة بلدان أخرى إقناع الإمامين يحيى وولده أحمد حميدالدين بضرورة الانفتاح على الآخر والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة -على الأقل العربية منها كمصر والعراق- كان الإمامان يواجهان ذلك بالرفض التام ويعتبران التطور والانفتاح نوعاٍ من الكفر والإلحاد ويصفانه بـ( التفرنْج) ويقولان إنه مدعاةَ لتفسخ العقيدة وضياع الإسلام!!
وهذه ما يؤكده الدكتور عبدالعزيز المقالح في مجلة دراسات يمنية العدد60-61 صفحة عشرة في حديثه عن زيارة المْصلح العربي التونسي عبدالعزيز الثعالبي الذي زار اليمن مرتين في محاولة جادة منه لتوحيد صفوف اليمنيين لمواجهة الاستعمار البريطاني وتحرير المناطق اليمنية المحتلة لتوحيد اليمن في دولة واحدة. وفعلاٍ وصلِ إلى صنعاء أول شهر سبتمبر عام 1924م بعد جهد وعناء ومشقة نظراٍ لعدم وجود الطرقات ووسائل المواصلات الحديثة كالسيارة التي عرفتها كل البلدان العربية ما عدا اليمن. وحين وصل صنعاء قضى أيامِهْ طريح الفراشº نتيجة الأوبئة المتفشية في اليمنº والتقى بالعديد من وجهاء اليمن وناقش معهم عقد مؤتمر يمني عام يلتقي فيه أهل الحل والعقد لإعادة إقامة الوحدة وتدارس الوسائل التي من شأنها حماية البلاد واستقرارها ورفع مستوى أبنائها علمياٍ واقتصادياٍ.. وحين اجتمع بالإمام يحيى حميدالدين وعرض عليه الفكرة رفض رفضاٍ باتاٍ.
الركب الحضاري
> ويذكر العديد من المناضلين أنه لم تقم الثورة السبتمبرية إلا بعد أنú يأسوا من إمكانية تحقيق التقدم والازدهار لليمن في ظل ذلك النظام الإمامي الكهنوتي المنغلق الذي لم يشهد العالم والوطن العربي نظاماٍ استبدادياٍ ومتخلفاٍ كذلك النظام الذي ابتْليِ به اليمن لحوالي ألف عام أكلت الأخضر واليابس وأتت على كل ما كان فيه من نماء معرفي واقتصادي ودفعته نحو مؤخرة وذيل الركب الحضاري بعد أن كان في المقدمةº والآخذ بزمام التقدْم والحضارة في مختلف المجالات وهذا ما جعله يصنع حضارات كسبأ وحمير ومعين التي ما زالت آثارها شاهدةٍ على حنكة ووعي وتقدْم اليمنيين على مِن سواهم في تلك الحقب التي لم يكن الوباء الإمامي قد أصابها بعد. لأنهْ منذ اجتياح ذلك الوباءْ لليمن لم يترك شيئاٍ من تلك الحضارات ومعالمها إلا وقضى عليه وليس أدل على ذلك من إخفاء مؤلفات لسان اليمن المؤرخ الحسن ابن أحمد الهمداني صاحب كتاب(الإكليل) و(صفة جزيرة العرب) والذي عاداهْ الأئمة وأزلامْهم وأخفوا مؤلفاته بما في ذلك بقية أجزاء الإكليل الذي لم يْكúتِشِفú ويْطبِع منه حتى الآن إلا أربعة أجزاء من عشرةº ولا يزال ستة منها طي الكتمان والتغييب القسري. وذلك لأن الهمداني كان يرى وفق نظرية استقراء التاريخ أن الأمور لن تستقر في اليمن ولن تعود إلى الركب الحضاري إلا إذا عاد الحكم لـ(حمúيِر) وهذا ما أغضب الأئمة وأثار حفيظتهم فأنزلوا بمؤلفاته نقماتهم التي لا تزال حتى اليوم حيث كانوا هم الطبقة الأكثر اقتناءٍ للكتب وقد عملوا جاهدين على إخفاء مؤلفات الهمداني لذلك السبب. وهو نفس السبب الذي جعلهم فيما بعد يعادون العلامة اليمني الكبير والمؤرخ الشهير نشوان بن سعيد الحميري ويناصبونه العداءويغمطونه حقه وعلمه وهو صاحب المؤلفات النادرة التي يقف في مقدمتها كتابه الموسوعة (شمس العلوم) والذي لا يشبهه أو يماثله أي كتاب. وقد أصبح البيتان الشعريان اللذان قالهما نشوان الحميري في أدعياء النسب النبوي وأنهم من آل النبي الذين يجب محبتهم والصلاة عليهم حينما نذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلممِثِلاٍ سائراٍ يْرددْهْ الناس إلى يومنا هذا:
آلْ النبـي هْــمْ أتـبـاعْ مـلتــه
من الأعاجــم والســـودان والــعِــرِب
لو لـمú يِـكْـنú آلْـهْ إلا قـرابـتِـهْ
صلى المْصلي على الطاغي أبي لِهِب
طبقية زائفة
> هذه النظرة العنصرية والتمييز الطبقي الذي انتهجه الأئمة فيما بعد وحاولوا تجذيره في المجتمع اليمني كانت من أهم الأسباب التي جعلت الأحرار والمناضلين يؤمنون بحتمية الثورة على ذلك النظام المتخلف. خاصة وقد كان يحاول الأئمة من آل القاسم وبالذات آل حميدالدين تجذير ذلك في المجتمع اليمني من خلال ادعائهم بأحقية الإمامة وأنهم من نسل النبي صلى الله عليه وسلم والواجب على الناس حبهم لأنهم من آله صلى الله عليه وسلم. وهو ما أكدِهْ مؤلفوا كتاب(ابن الأمير وعصره) وهم نخبة من علماء ومؤرخي اليمن(المؤرخ العلامة محمد بن علي الأكوع الحوالي- الأستاذ المناضل قاسم غالب وزير التربية الأسبق-القاضي المؤرخ عبدالله الشماحي- القاضي حسين بن أحمد السياغي- الأستاذ محمود إبراهيم زايد) وهذا الكتاب وكل ما فيه وثيقة هامة لإدانة النظام الإمامي الكهنوتي ولعنة في وجوه كل أذيال الإمامة والمرجفين الذين يشككون بضرورة قيام الثورة السبتمبرية ويسمونها حقداٍ بـ (الانقلاب العسكري) ويتناسون أو يحاولون إخفاء رزايا ذلك الحكم العنصري الذي قام على التمييز العنصري الفئوي وتجذير الطبقات والطائفية والمذهبية في شعبُ لم يكن على مِر التاريخ إلا ذا هوية واحدة غير قابلة للتقسيم والتجزئة.
استعلاء كاذب
> ولعلِ ما أوردِهْ الشيخ سنان أبو لحوم في الجزء الأول من كتابه (اليمن.. حقائق ووثائق عشتها) خير دليل على ما نذهبْ إليهحيث ذكر في صفحة 127 وما بعدها أنهْ لجأت إليه الهاشمية أو كما يحلو لهم وصف بناتهم بـ(الشريفة) وهي لفظة عنصرية بحتة وذات مدلولات وقحة تطعن في شرف الحرائر الأْخريات من غير الهاشميات .. يقول أبولحوم : لجأت الشريفة فاطمة بنت علي محمد مفضلوهي بنت خالتهتستنجد به هي وأمها لأن أهلها يريدون أن يزوجوها من أحد أبناء عمومتها غصباٍ وهي تريد الزواج بأحد أبناء أخوالهاوكانت أمها قد تزوجت بالشيخ صالح بن صالح عايض بعد وفاة والدها السيد مفضلوقد أراد زوج والدتها تزويجها بابن أخيه الذي طلبها من أهلها للزواج والبنت وافقتúºلكن أهلها رفضوا فلجأت هي وأمها للشيخ سنان وحين كتب لهم يعلمهم بوصولها إليه كان رد الهاشميين قاسياٍ وألفاظهم فظة وغليظة وتقطر بل تنضح بالعنصرية والطائفية والطبقية المقيتة التي أفسدوا بها المجتمعفقالوا:( إن مثل هذا لا يقع إن قبيلي يقبل بنات النبي) والبعض قال: (احترم نفسك.. إذا كان عقل القبيلي يقول له أنه سيصبح ربيع الشريفة فعليه أن يعرف قدر نفسه) وآخر يقول: (لا يجوز للكلب أن يلغ من إناء أهل البيت) أي لا يجوز لغير الهاشمي الزواج بالهاشمية!! بل وصلِ التمادي بهم إلى أنú يقول السيد محمد حسين الأشول من آل الوزير رغم صداقته لسنان أبو لحوم ووالده: “إذا كان الأخ سنان مصراٍ على زواج الشريفة من ابن عايض فعليه أن يزوج اخته بـ(حومة دبدب) وحومة دبدب المزين حق سنان أبو لحوم.فاغتاظ سنان وقال إذا قد هذا قدرنا عندكم فيكفي أننا عرفنا قدر نفوسنا. وقفلِ خارجاٍ يزمجر بالغضب الذي كان يسيطر على كل اليمنيين وكان الجذوة الأولى التي أشعلتú فتيل ثورة سبتمبر الخالدة ضد ذلك النظام الكهنوتي العنصري المتخلف.
نظرة عنصرية
> وبلغِتú بالأئمة الوقاحة إنú يبدأوا رسائلهم إلى اليمنيين حتى وإنú كانوا من علية القوم كالمشائخ والقضاة بوصفهم بالخْدام فيقولون مثلاٍ: خادمنا فلان ابن فلان. ومن ذلك ما ذكره سنان أبو لحوم في الجزء«1» ص33 عن رسالة الإمام المهدي عبدالله المؤرخة بـ1235هـ والموجهة لأحد أجداده: (خادمنا النقيب محسن بن صالح أبو لحوم أمنِ بأمان الله وأمننا وليس عليه حرج مشروط وعليه الخدمة والنصيحة ) وهذه الرسالة توجز النظرة العنصرية والطائفية التي كان يقوم عليها النظام الإمامي الذي يدعي النسب النبوي وأن أحقيته بالحكم هي أحقية دينية لارتباطه بالنبي صلى الله عليه وسلموزادوا على ذلك بأنها ضرورة شرعيةحيث لا تصلح صلاة المسلمين ما لم يكن لهم إمام هاشميوشددِ بعضهم على أن يكون من آل النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون من البطنين(الحسن والحسين) باعتبار أنهما فقط من نسل النبي لأن أمهم فاطمة الزهراء رضي الله عنها فيما بقية أولاد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وكرمِ وجهه هم من غير فاطمة. وعلى ذلك ظلوا يعزفون ويوهمون العوام بصحة ادعاءاتهم التي ما أنزلِ الله بها من سلطان. وهل كانت النبوة مْلكاٍ حتى يورث¿¿!!
إنها مْلخص للثقافة الإبليسية – كما يقول الأستاذ محمد عبدالله اليدومي- والتي تتلخص بقول “أنا خيرَ منه”. وعليها فالناس عندهم عبيد وخدم حتى المشائخ وعلية القوم!! فهل يرغب اليمنيون أن يعودوا لذلك الامتهان¿!! وهل بعد ذلك يمكن للمرجفين التواقين لعهد التسلْط وفرض الهيمنة على الآخرين أنú ينافحوا عن ذلك العهد المباد أو يشككوا بحتمية الثورة السبتمبرية¿¿!!
تجهيل وانغلاق
> فيما كان لسياسة العزلة الخانقة التي انتهجتها الإمامة المستبدة الدور الرئيس في التخلْف الذي شهده اليمن. وكانت توهم الناس أنها إنما تنتهج ذلك الانغلاق وتلك العزلة من أجل مصلحتهم وخوفاٍ عليهم من التدخْل الخارجي. فيما الحقيقة أن الإمام كان يخشى من أن ينقل العرب والخبراء الأجانب أراءهم التقدمية التي ستنهض بالوعي المجتمعي وبالتالي ستزعزع عرشه المبني أساساٍ على التجهيل والانغلاق. فهو يْدرك تماماٍ أن الوعي والانفتاح معناهما خروج الناس عن طاعته العمياء التي تصل إلى حد التأليه والتقديس.
وقد كان لتلك السياسة وتلك التعبئة الخاطئة التي انتهجها الأئمة كبير الأثر في الطاعة العمياء التي ابتْليِ بها اليمنيون الذين لم يكونوا يجرؤن على نقد الإمام حتى في أنفسهم على اعتبار أن ذلك من المحرمات التي توجب لصاحبها النار. وقد كان هناك قاعدة ثابتة ومتداولة تقول: (مِن انتقدِ الإمامِ بقلبه منافق ومِن انتقدِهْ بلسانه مخطئ ومِن انتقدِهْ بيده فمحارب) أي وجبِ قتلْه!! ويرى الكثير من العلماء المناضلين أن من كان يزل لسانه بذكر الإمام بأدنى انتقاد يسارع فيقول: “أستغفرْ اللهِ العظيم” ويمتنع عن الكلام خشيةٍ من عقاب الله لأنه خاض في الذات الإمامية المقدسة.
ظل الله في الأرض
> وفي ذلك يقول المناضل الكبير الأستاذ محمد الفْسيل: “إذا تجاوزنا تاريخ حْكم الأئمة لأكثر من ألف عام وحصرنا حكمهم خلال القرن العشرين في عهد الإمام يحيى حميدالدين لوجدنا أنهْ استطاع أن يحيط حكمه بهالة دينية زائفة ضلِلِتú الملايين منذ قيام حكمه في أوائل القرن العشرين وحتى اغتياله عام 1948م. لقد كان حْكúمِاٍ كهنوتياٍ مستبداٍ يدعي أنهْ ظل الله في الأرض. وأنهْ ذاتَ إلهية مقدسة لا يجوز لأحد أن ينصحِهْ أو ينتقدِهْ. ومِن يفعل ذلك فهو من البْغاة الكِفِرِة”.
ويستطرد الفْسيل يقول: “الأجيال التي لم تعشú في أيام الإمام يحيى لا تستطيع أن تتصور كيف استطاعِ حْكم الإمام يحيى أن يطمسِ من عقول الملايين القدرة على التفكير إلا في إطار تقديس الإمام تقديساٍ عقائدياٍ دينياٍ لا يفرق بينه وبين الله. كما أن هذه الأجيال لا تستطيع أن تتصور معاناة الأحرار في نضالهم ضد تلك الخرافة المقدسة. لأنهم كانوا في الواقع يناضلون ضد عقيدة الشعب في الإمام. فكان أي حْرُ يريد انتقاد الإمام أول ما يخاف على نفسه من أبيه أو أمه وأقرب الناس إليه أكثر من خوفه من الإمام. فكْلْهْم مضِلِلْون يْقدسون الإمام ويبادرون بتكفير مِن ينتقدهْ وينبذونه ورْبِما سلموهْ للإمام تقرْباٍ إلى الله !!” . (مجلة معين- العدد243 سبتمبر2001م)
وضúعَ مْزرُ
> وعن حتمية قيام الثورة السبتمبرية يقول المناضل الأستاذ عبدالوهاب جحاف: “نحن ثرنا على التخلْف حين اتضح لنا أن الإمام نفسه غير مستوعب لتطور عصره. فقد كان الإمام يعيش في عصرُ والجيل الجديد يعيش في عصرُ آخر. لذا كان لابْدِ من قيام الثورة” . (معين-العدد نفسْه)
العديد ممن زاروا اليمن خلال عهدي الإمام يحيى وأحمد يؤكدون على أن سياسة الانغلاق والتجهيل والتجويع التي انتهجها الأئمة كانت السبب الذي جعل من قيام ثورة تجتث ذلك النظام برْمِته ضرورة حتمية. ومن ذلك ما كتِبِهْ المْصلح التونسي عبدالعزيز الثعالبي والأستاذ السوري نزيه العظم والدكتور المصري أحمد فخري والدكتور مصطفى الشكعة والطبيبة الفرنسية كلودي فايان صاحبة كتاب (كنتْ طبيبة في اليمن) والرحالة الأوربي الألماني هانز هولفريتز صاحب كتاب (اليمن من الباب الخلفي) والأستاذ الشاعر والرحالة اللبناني أمين الريحاني صاحب كتاب (ملوك العرب). حتى أن الرحالة الإنجليزي بالانس صاحب كتاب(اليمن الثورة والحرب) والذي زار اليمن عام 1948م عقب استتباب الأمر للإمام أحمد بعد مقتل والده الإمام يحيى يستغرب حين يجد أن اليمن التي رآها حينذاك هي نفس اليمن التي وصفِها قبلِه الرحالة البريطاني الذي زارها عام 1609م. أي أن اليمن وبعد حوالي 340 سنة بقيِتú كما هي لم يتغير فيها شيء نتيجة ذلك الحْكم الكهنوتي الإنعزالي المستبد. وهو يقول: “إن الوصف الذي أوردِهْ جون جوردان أول بريطاني يزور صنعاء ويكتب عنها عام 1609م يظهر كما لو كان معاصراٍ لعام 1948م حيث لم يقع ثمةِ تطوْر في اليمن” .
وهكذا ومن خلال استقرائنا للنزر اليسير مما قالِهْ الأحرارْ والرحالة الأجانب والعرب يتضح لنا كيف أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة قامت لضرورة مْلحة ولم تقم اعتباطا أو صدفةٍ كما يدعي المرجفون.