صنعاء توقد شعلة 26 سبتمبر بالسيادة والكرامة متحدية العدوان الإسرائيلي
لم يستطع العدوان الإسرائيلي بكل ما حمله من وحشية وهمجية أن يطفئ جذوة الفرح في العاصمة صنعاء ولا أن يحجب شعلتها السبتمبرية المتوهجة، فبعد ساعات قليلة من قصف استهدف أحياءً مدنية ومنشآت خدمية وسقط فيه الشهداء والجرحى خرجت صنعاء لتحتضن مهرجاناً كرنفالياً كشفياً وشعبياً في ميدان التحرير وتوقد الشعلة في الذكرى الثالثة والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر مؤكدة للعالم أجمع أن اليمن يواجه النار بالضياء والعدوان بالإصرار والدمار بالحياة.
لقد أثبت اليمنيون أن سبتمبر ليس مجرد يوم وطني بل هو روح تتجدد في وجدان الشعب مع كل تحدٍ وميدان التحرير في صنعاء كان ولازال شاهداً على ذلك، الكشافة وأناشيد الأحرار والرقصات الشعبية لم تكن مجرد مظاهر احتفالية بل رسالة عميقة للعدو قبل الصديق، أن هذه العاصمة التي أرادوا إخضاعها ستظل موئل السيادة والكرامة وأن أعلامها ستبقى خفاقة لا بفضل مسرحيات مفبركة أو شعارات زائفة بل بإرادة شعبية أصيلة تُفشل كل مؤامرة وتعرّي كل متآمر.
لقد حاولت بعض الأدوات المحلية عاماً بعد عام أن تتخذ من الثورة مطية لخدمة مشاريع أجنبية وأن تختبئ خلف راية سبتمبر وهي في الحقيقة تفتح الأبواب للوصاية، لكن خطاب العدو الإسرائيلي نفسه الذي تباهى برغبته في رفع علم الكيان وسط صنعاء فضح تلك الوجوه وأظهر حقيقتها، ليرى اليمنيون بوضوح أن الخائن احمد علي عفاش في كلمته الهزيلة ليلة 26 من سبتمبر أعلن أنه سيتحرك ضمن مشروع العدو الصهيوني الذي أكد المسؤولين الإسرائيليين بأنهم سيدعمون أدوات محلية للتحرك ضد صنعاء، بهدف إضعاف موقفها المساندة لفلسطين وغزة، وهو ذات الخطاب تكراراً لحلم رفع العلم في صنعاء التي حرمت عليه وعلى كل خائن وعميل، القضية لم تكن يوماً حول العلم اليمني الذي يرفرف في كل الساحات بل حول علم الكيان الزائل الذي يحلمون بفرضه فوق أرض السيادة، وهنا وقف اليمنيون صفاً واحداً ليقولوا للعالم إن صنعاء ليست للبيع واليمن ليس ميداناً للمساومة بل قلعة حصينة في وجه الغزاة ودرع متين لفلسطين وغزة مهما عظمت التضحيات.
وفي هذا السياق جاءت كلمة فخامة الرئيس مهدي المشاط لتضع النقاط على الحروف وتعيد توجيه البوصلة، فقد خاطب الشعب من موقع المسؤولية الوطنية والتاريخية مؤكداً أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر تعرضت مبكراً لمحاولات الاختراق والتشويه وأن عقوداً من التلاعب والفشل والارتهان للخارج هي التي أبقت اليمن في دوامة الفقر والفساد، غير أن هذه الدروس المريرة كما قال، لم تذهب سدى بل كانت وقوداً ألهب الوعي ومهّد الطريق لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر التي صححت المسار وأعادت للثورة روحها وللشعب قراره.
الرئيس المشاط شدد على أن بناء الأوطان يبدأ بالسيادة وأن لا نهضة ولا تنمية يمكن أن تتحقق في ظل التبعية والوصاية، وذكّر اليمنيين بأن التاريخ لا يرحم الخونة الذين باعوا أوطانهم وجعلوا من الثورة سلعة في أسواق النخاسة وأن أولئك الذين يحلمون بالعودة على ظهور الدبابات الأجنبية لن يجدوا في ذاكرة الشعب سوى لعنة الخيانة والخذلان والإشارة هنا واضحة للحليم لكن المصابين بداء الخيانة من عبيد الصهيونية وعلى رأسهم أحمد عفاش لن يفهموا فأمثالهم اعتادوا على القرع بالعصا، في المقابل أكد الرئيس المشاط أن الجمهورية اليمنية الحقيقية هي التي تُصان في خنادق القتال وتُحرس بدماء الأحرار وأنها اليوم أكثر حضوراً وقوةً بفضل صمود المجاهدين الأبطال والتحام الشعب بقيادته الحكيمة.
لقد أعاد الرئيس في خطابه التأكيد على أن التاريخ اليمني سلسلة واحدة مترابطة تبدأ من أعماق الحضارة مروراً بسبتمبر 1962 وصولاً إلى سبتمبر 2014 باعتبارها محطات متكاملة ومتصلة لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى، فالثورات ليست جُزراً معزولة بل جسور من التضحيات والدروس التي تتوارثها الأجيال، واليوم يقف اليمن على أعتاب مرحلة جديدة حيث يتحول الوفاء لتضحيات الأحرار إلى قوة مادية ومعنوية تدحر العدوان وتشق الطريق نحو يمن العزة والحرية والكرامة.
إن ما شهده ميدان التحرير كان لوحة فريدة تختصر المشهد اليمني كله: دموع على الشهداء الذين ارتقوا في مجازر العدوان وأهازيج فرح بذكرى الثورة ووجوه فتية الكشافة تلوّح بأعلام اليمن والشعلة السبتمبرية متقدة في سماء العاصمة، مشهد جمع بين الحزن والفرح لكنه حوّل الألم إلى أمل والفاجعة إلى طاقة صمود ليقول للعالم إن اليمنيين قادرون على تحويل كل جرح إلى منبر مقاومة.
صنعاء لم تحتفل وحدها بل احتفل معها كل قلب يمني في الداخل والخارج وكل صوت حر في فلسطين وفي شعوب الأمة العربية.
لقد كان الاحتفال إعلاناً صريحاً أن لا أحد يستطيع مصادرة حق اليمنيين في الفرح ولا في رفع علمهم ولا في السير على خطى ثوار سبتمبر الذين انطلقوا قبل ثلاثة وستين عاماً، واليوم يواصل أحفادهم المشوار يقاتلون في الجبهات ويقاومون في الميادين ويثبتون أن الثورة لا تزال حية نابضة في كل بيت وكل شارع.
وهكذا تكتب صنعاء في الذكرى الثالثة والستين لثورة سبتمبر فصلاً جديداً من الصمود، عدوان إسرائيلي يسقط الأبرياء لكنه لا يسقط الإرادة، دماء تسيل لكنها تسقي شجرة الحرية وشعلة تضاء لا للاحتفال فحسب بل لتقول إن اليمن ماضٍ في طريقه نحو النصر وإن علم الجمهورية اليمنية سيبقى خفاقاً فوق سماء السيادة لا تهزه المؤامرات ولا تطفئه عواصف العدوان.