المكلا/أحمد محمد بن زاهر_سامي محمد بن شيخان –
في الليلة الحية يسهر المواطنون حتى يحين موعد صلاة العيد
يقوم الأطفال برفع المشاعل والطوفان بها في أرجاء المدن والقرى ابتهاجاٍ بقدوم العيد المبارك.
> تتميز أيام عيد الفطر المبارك بنكهة خاصة وتكتسب ميزة متفردة ففيها تصفو القلوب وترق المشاعر وتكتسي النفوس بحلة من الجمال حين تتوارئ الأحقاد في صباح يوم العيد وتتلاشى الضغائن ويتناسى الخصام والشقاق والاختلاف ويعم السلام بين المسلمين باجتماعهم بقلوب متحابة وأجسام متعانقة ووجوه باشة وايد متصافحة.
هكذا هي أيام العيد كما أرادها المولى عز وجل لعباده وأوصى بها نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم بعد انقضاء شهر الصيام والقيام.. جزاء وثواب.. حب وعطاء.. فرحة وسعادة للمسلمين أجمعين.. محققاٍ بذلك هدفا عظيما ليس كمثله هدف ترسخ فيه مبادئ وقيم سامية للحق والعدل والتراحم والمساواة.
في العيد.. رغم روعة الأجواء الروحانية الاحتفائية المنسوجة أمامنا غبطة وابتهاجا تتسلل خلسة بعض المنغصات والهموم المعيشية بعد أن فرقتنا معشر المسلمين نزعات المذاهب وكثرة الفروع واختلاف القواعد وجعلتنا خصوصاٍ في البيوت والأسواق والأندية والمساجد ويلينا ببغض الأقربين وحب الأباعد.
بريق السعادة والبهجة
وفي العيد أيضا تبرز الذكريات من بين ثنايا الفكر والهواجس تعلن بتحد جميل عن وجودها – برغم بؤس أحوال العرب والمسلمين – وعن بارقة أمل في أن تتحسن الأحوال.
ففي حضرموت مثلا ومدينة غيل باوزير تحديداٍ تلمع بريق السعادة والبهجة بقدوم العيد من خلال تلك المظاهر الاحتفائية التي كانت ولا زالت تتحدى تلك اللهجة العولمية الشرسة وترفض الاستسلام لزيف الحضارة والتقدم.. بدايتها لحظة إعلان قدوم العيد بواسطة المدفع في السابق أو اطلاق الأعيرة النارية حينها تغمر الفرحة الأطفال وتسمعهم يرددون منشدين «ذو الليلة مقابر وغدوة زينة» حيث اعتاد أهالي البلدة في ليلة العيد أن يعمروا المساجد وزيارة أضرحة الأولياء يقضون الليل بكامله في قراءة القرآن الكريم في هذه الأماكن.
ولذلك فهي تسمى «مقابر» حسب ما جاء في اهزوجة الأطفال أما البعض الآخر فيقضي الليلة في السمر واللهو حتى قرب موعد صلاة الفجر ويطلقون على هذه الليلة اسم «الليلة الحية» لأن الناس لا ينامون فيها ويظلون سهرانين «حيين» للصباح.
وفي الصباح يتوجه الرجال بصحبة أطفالهم وهم في كامل زينتهم إلى المسجد «الجامع» لأداء صلاة العيد قبل انتشار «مصلات العيد» وتكاثرها في البلد حيث يقام بجانب الجامع سوق لبيع الحلويات والمكسرات ولعب الأطفال.
يوم الزينة
ويطلق على هذا اليوم «يوم الزينة» وبعد انتهاء خطبة العيد يتصافح الجميع متبادلين التهاني بالعيد تم تبدأ مراسيم الاحتفال بالزينة فتتجمع الفرق الشعبية أمام الجامع لأداء الزوامل والعدة والمرفع والزف وتسير في موكب مخترقة شوارع المدينة لتنتهي بجوار الحصن الأزهر «المركز الثقافي حالياٍ» وبعدها يتوجه الناس لزيارة الأهل والأقارب كي يتبادلوا التهاني بحلول العيد يبسطون أيديهم بالجود والسخاء وتتحرك نفوسهم بالشفقة والرحمة فيوسع موسرهم على معسرهم وتسري في قلوبهم روح المحبة والتأخي فتذهب عنها الضغائن وتتلاشى الأحقاد وتسودهم المودة والصفاء.
ويكون للأطفال نصيبهم من العطف حيث يقوم الكبار بتقديم النقود لهم ويقال له «العوادة» فيضفي فرحة ما بعدها فرحة على الأطفال.
ومن المظاهر التي كانت تصاحب العيد وتسود بين أفراد المجتمع تلك الزيارات والتجمعات التي تقام في أحياء المدينة حيث يتجمع أهالي كل حارة في مكان معروف ليتبادلوا التهاني ثم يقوموا بزيارة المرضى من أهالي الحارة وكان كبار السن والشيوخ يستغلون هذه المناسبة في الصلح بين المتخاصمين من خلال الزيارة مما يقوي أواصر الألفة والمحبة.
ومن المظاهر الأخرى نجد أنه في أيام العيد الثلاث تقام بجوار الحصن الأزهر الألعاب الشعبية عصراٍ خاصة لعبة «البرعة» والشبواني التي تضفي جواٍ من البهجة على أيام العيد وفرحة كبرى للأطفال بوجود «البسطات» في هذا الموقع فيشترون ما تشتهي أنفسهم من ألعاب وحلويات بما جمعوه من عواد.
كما جرت العادة في ثاني أيام العيد أن يذهب الأهالي إلى منطقة «النقعة» في ضواحي المدينة لزيارة ضريح الشيخ محمد بن سالم حيث يأتي الأهالي من كافة مناطق المديرية تصحبهم ألعابهم الشعبية لعل أشهرها «المرزحة» التي يقيمها أهالي مدينة القارة كما يقام بها سوق يتبضع منه الأهالي لأطفالهم.
مشاعل الفرح
الأخ عوض سالم البهيشي تحدث عن مظاهر عيد الفطر المبارك قائلاٍ: مراسيم استقبال العيد تختلف باختلاف المناطق والشعوب وعندنا المراسيم تختلف في المدن عن المناطق الريفية فلكل منطقة عاداتها وتقاليدها ولكنها جميعها في اليمن تعد جزءاٍ لا يتجزأ من الموروث الاجتماعي في كافة البلدان الإسلامية والعربية.. ففي منطقة فوة الشعبية من ضواحي مدينة المكلا بمحافظة حضرموت.. يقوم الأطفال في ليلة العيد بشراء وتنظيم وتجهيز ملابس العيد الجميلة الجديدة ويخرجون إلى شوارع القرية حاملين الأعواد مرفوعة وفي أعلاها «لمبة وسراج» كالمشعال.. عبارة عن علبة لبن صغيرة مملوءة بالكورسين «القاز» وذبالة قطن يتم إشعالها ويطوف الأطفال بها حاملين المشاعل كل شوارع وأزقة القرية مرددين أهازيج بتوديع شهر رمضان شهر القيام والصيام والمغفرة والإحصان ومن ضمن تلك الأهازيج.
ودع ودع يا رمضان.. ودعك الله يا رمضان .. شهر العبادة وشهر الصيام.
بينما الشباب يسهرون في ليلة العيد بتجهيز وجلب ما تبقى من الواجبات المنزلية في مساعدة آبائهم.. والنساء يسهرن في ترتيب وتزيين وتنظيف المنازل وتركيب أدوات الزينة والستائر المنزلية وبالذات في غرف الاستقبال.
تكبيرات وأهازيج:
وفي يوم العيد وبالذات بعد صلاة العيد في المسجد الجامع يصطف الرجال والشباب في ساحة المسجد ويقومون بتقديم العقال وشيوخ المنطقة ويتبادلون معهم التهاني والتحايا والتبريكات العيدية في طابور منتظم فرداٍ فرداٍ وبعد انتهاء التهاني في المسجد ينتقل الجميع إلى خارج المسجد وينتظمون في مجموعتين هي:
> مجموعة يتقدمها الشخصيات الاجتماعية والمشائخ ومناصب القرية يقومون بترديد مقاطع إنشادية وموشحات دينية ترتفع أصواتهم ونبراتهم بالتكبيرات والتهاليل والاستغفارات الروحية الصافية ويتقدمهم الشباب بالطبول والدفوف وبالذات الذين لديهم الخبرة في دق الطبول ولديهم مقدرة صوتية مقبولة ومؤثرة في ترديد الموشحات ويتجهون صوب المقابر وأضرحة الأولياء الصالحين في القرية وهناك تقرأ الفاتحة على أرواح الموتى ويتم توزيع القهوة والتمر وأحياناٍ قطع من الحلوى وبعدها تنتهي الأفراح بالعيد لهذه المجموعة.
> أما المجموعة الثانية يتقدمها عقال ومقادمة القرية من البدو وكافة الشرائح الأخرى وتصطف خارج المسجد ويقومون بترديد الأهازيج والزوامل وتتخللها الألعاب الشعبية الراقصة.. بينما يصطف الأطفال بمحاذاة المواكب الشعبية يقومون بإطلاق الأعيرة النارية من مفرقعات وطماش نارية هادئة.. والجميع شيوخاٍ وأطفالاٍ ورجالاٍ وشباباٍ مبتهجين ومستبشرين بفرحة العيد السعيد وهكذا تستمر الأفراح الشعبية حتى الساعة العاشرة تقريباٍ وبعدها يتجه الكل إلى المنازل لتقديم التهاني للشيوخ والأقارب والأصدقاء وأعيان وعقال ومعاودتهم بالعيد.. ثم يتجه كل إلى منزله ليقوم بمراسيم ذبح ولائم العيد مرددين التكبيرات أثناء الذبح.
تآخ وتآزر
الأخ محمد أحمد عبدالرحيم باعباد قال من جانبه:
- البهجة الكبيرة المغمورة بتعاظم الفرحة بصيام شهر رمضان الكريم وتجاوز المسلم الصائم المسئولية بنجاح واقتدار وسرور في شهر الصفاء الروحي الذي نستقبله ضيفاٍ بإجلال وإكبار وقد أعدت له العدة ضيفاٍ كريماٍ نودعه والفرحة تغمرنا والابتهالات تتعالى أصواتها إلى المولى جل شأنه أن يتقبل منا صيامنا بالعتق من النار ونسأله تعالى أن يعيده علينا في صحة وعافية تامة وكما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فالصوم والإفطار مقرونان بالرؤية الثابتة بالشهادة أو بإكمال العدة فمن ينابيع السعادة الروحية وطريق تصفية النفوس وترفيه أحوالها والسمو بها إلى مدارج الكمال تهيأت كل النفوس بفرحتها الكبرى بقدوم عيد الفطر المبارك وببهجة وحبور تتبادل التهاني وعبارات الحب والمودة والدعوات الصالحة وبالشكر والثناء للخالق العظيم بأدائها لصلاة العيد تسأله التوفيق والسداد وخير الدنيا والآخرة والتآخي والتآزر متناسية الأحقاد والضغائن والفتن ما ظهر منها وما بطن ففي العيد تتغير الناس بلباسها الجديد القشيب وعلى وجوهها الابتسامة بالنجاح الذي حققته طيلة شهر العبادة والغفران وقد تطهرت لتتزين وتذبح الذبائح شكراٍ لرب العباد جل شأنه وبطبيعة الحال فلكل منطقة عاداتها وتقاليدها في الأعياد الدينية والأفراح المناسباتية وتشعر بالاعتزاز للامتثال لهذه العادات التي أسسها الأجداد الأفاضل رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.
ارتباط الحاضر بالماضي
وقال: إن هذه العادات والتقاليد لها نكهة خاصة تربط الحاضر بالماضي الجميل وإن بدأت تنقرض اليوم بسبب بعض أفكار المتشددين الذين يحاربون العادات والتقاليد بالمفهوم الضيق والموصى من خارجنا «البدعة» وبلغة التشديد بتعتيمهم على كل تقاليد وعادات الأجداد أهل السلف الصالح التي تعبر عن البهجة والسرور ولكل مناسبة فرائحية تقاليدها وعاداتها ففي عيد الفطر يطلق مدفع إيذانا بحلوله فتحيى ليلة العيد بتلاوة القرآن حتى الفجر لتتحول صوب المسجد لصلاة العيد مكبرة شاكرة حامدة لربها وهي متزينة بثوب العيد كما ينطلق الأطفال فرحين بيوم الاحتفال وهم يشاهدون الفرق الشعبية تصول وتجول في الشارع والزوامل وبعدها يذهب الناس في زيارة الأحباء والأصدقاء لتبادل التهاني والمباركة فترة أيام العيد والتمنيات الصادقة لكل فرد بالصحة التامة وحسن الأحوال إلى أفضلها ويسود الوطن الأمن والسلام والرخاء والتقدم والازدهار وتوحيد كلمة الأمة الإسلامية.